هل صحَّ دعاء صنمي قريش؟

السؤال: يدَّعي بعض المعاصرين أنَّ دعاء (صنمي قريش) باطلٌ وليس بصحيح، لأنَّ أهل البيت (ع) لا يتكلَّمون بمثل هذا الكلام، وأنه مخالفٌ لمنطق القرآن الذي يقول: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ [النحل: 125]؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

لا يخفى أنَّ المراد من دُعاء (صنمي قريش) هو الدعاء الذي كان يقرأه أمير المؤمنين (ع) في قنوت صلاته، وهو من الأدعية المشهورة عند الشيعة، كما صرَّح به بعض الأعلام [يُنظر: البحار ج30 ص394].

والدُعاء - وإنْ كان مرسلاً من حيث السند- إلَّا أنَّه يُمكن الغضُّ عنه، بناءً على تمامية القول بالتسامح في أدلَّة الأدعية والزيارات وما أشبه، أو لكون المضمون متوافقاً مع قواعد المذهب، أو لأجل شهرته وشيوعه عند الشيعة كما تقدَّم، أو لغير ذلك من الأمارات التي يُمكن الاعتماد عليها في مثل المقام.

ولعلَّ من أجل هذا ـ أو غيره ـ نلاحظ اهتمام بعض الأعلام به وكتابه الشروح عليه، منها: (شرح دعاء صنمي قريش، للشيخ أبي السعادات أسعد بن عبد القاهر، أستاذ المحقق الخواجة نصير الطوسيّ وغيره، واسمه رشح الولاء في شرح الدعاء، وشرح دعاء صنمي قريش، للمولى علي العراقيِّ، وشرح دعاء صنمي قريش، للفاضل عيسى خان الأردبيليّ، وشرح دعاء صنمي قريش، ليوسف بن حسين بن محمَّد النصير الطوسيِّ الأندروديّ، وشرح دعاء صنمي قريش، واسمه (ذخر العالمين)، وشرح دعاء صنمي قريش، في غاية البسط يقرب من (مجمع البحرين)، وشرح دعاء صنمي قريش، واسمه (نسيم العيش)، وشرح دعاء صنمي قريش، أبسط عبارة من (رشح الولاء)، وهو يوافقه في المطالب، لم يذكر فيه اسم التأليف ولا اسم مؤلِّفه، كان عند المولى مهدي القزوينيِّ صاحب (ذخر العالمين) حين تأليفه له، وشرح دعاء صنمي قريش، لشيخنا الميرزا محمَّد علي المدرس الجهاردهيّ النجفيّ، كان بخطِّه عند حفيده مرتضى المدرِّسيّ) [يُنظر: الذريعة للطهرانيِّ ج13 ص256].

وقال السيِّد شهاب الدين الحسينيُّ المرعشيُّ في تعليقته على إحقاق الحق ما نصُّه: (ثمَّ اعلم أنَّ لأصحابنا شروحاً على هذا الدُعاء منها الرشح المذكور، ومنها كتاب (ضياء الخافقين) لبعض العلماء من تلاميذ الفاضل القزوينيّ صاحب لسان الخواص، ومنها شرحٌ مشحونٌ بالفوائد للمولى عيسى بن علي الأردبيليّ وكان من علماء زمان الصفويَّة، وكلُّها مخطوطة. وبالجملة، صدور هذا الدُعاء مما يُطمئن به لنقل الأعاظم إياها في كتبهم واعتمادهم عليها) [إحقاق الحق ج1ص337].

إذا اتَّضح هذا ـ عزيزي السائل ـ فاعلم بأنَّ الإشكال المذكور على الدعاء ليس بواردٍ أصلاً، وذلك لورود نظيره في التراث كثيراً، ولأنَّ القرآن الكريم ليس منحصراً في قوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ حتَّى يكون الدعاء مخالفاً لروح القرآن الكريم، بل فيه أيضاً:﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ الله فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً﴾[الأحزاب:57]، وفيه أيضاً:﴿أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ الله وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾ [البقرة: 159]، وفيه أيضاً: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهۥ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَتِنَا﴾[الأعراف: 176]، وغير ذلك من الآيات المباركة.

ثمَّ إنَّ الآية المذكورة في معرض الدعوة إلى الله (تعالى)، والدُعاء خاصٌّ بالصلاة، فأي علاقة لدُعاءٍ خاصٍّ في الصلاة بالدعوة إلى الله (تعالى)؟! ومنه يتَّضح الضعف فيما ذكر من إشكال على الدعاء.

والنتيجة من كلِّ ذلك: أنَّ الإشكال المذكور غير واردٍ على الدعاء، وأنَّ ما دلَّ على اعتباره خالٍ من الإشكال.

والحمد لله ربِّ العالمين.