سبب نزول آية الولاية
ما هو السبب وراء تعدد أسباب نزول الآية الكريمة: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ [المائدة:55]؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم -أيدك الله- أنَّ سبب النزول له دورٌ كبيرٌ في فهم النص القرآنيّ، وقد ذكر في بعض الأخبار أنَّ سبب نزول آية الولاية هو أنّ قوماً من اليهود فيهم عبد الله بن سلام أتوا إلى رسول الله يشكون من قومهم ثم سألوا النبيّ (صلى الله عليه وآله) عن وصيِّه من بعده فنزلت الآية:{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ..} حيث تصدَّق أمير المؤمنين (عليه السلام) بخاتمه فكان مصداقا لقوله تعالى: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} وبيانه في الأخبار نذكر ما يلي:
1ـ ما رواه الصدوق بسنده عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله عز وجل: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ} الآية، قال: إن رهطا من اليهود أسلموا، منهم: عبد الله بن سلام وأسد وثعلبة وابن يامين وابن صوريا، فأتوا النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقالوا: يا نبيَ الله، إنَّ موسى (عليه السلام) أوصى إلى يوشع بن نون، فمن وصيُّك يا رسول الله، ومن وليُّنا بعدك؟ فنزلت هذه الآية: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قوموا. فقاموا فأتوا المسجد، فإذا سائل خارج، فقال: يا سائل، أما أعطاك أحد شيئا؟ قال: نعم، هذا الخاتم. قال: من أعطاك؟ قال:أعطانيه ذلك الرجل الذي يصلي قال: على أي حال أعطاك؟ قال: كان راكعا. فكبر النبيّ (صلى الله عليه وآله) وكبر أهل المسجد، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): علي بن أبي طالب وليكم بعدي، قالوا: رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، وبعلي بن أبي طالب وليا. فأنزل الله عز وجل: {وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [الأمالي ص186].
2ـ ما رواه العياشي عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: بينا رسول الله عليه وآله السلام جالس في بيته وعنده نفر من اليهود أو قال: خمسة من اليهود، فيهم عبد الله بن سلام، فنزلت هذه الآية: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، [ بهذا الفتى ] فتركهم رسول الله صلى الله عليه وآله في منزله وخرج إلى المسجد، فإذا بسائل قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أصدق عليك أحد بشئ؟ قال: نعم هو ذاك المصلى فإذا هو علي عليه السلام» [تفسير العياشي ج1 ص328].
3ـ وقال الطبرسي: (وفي حديث إبراهيم بن الحكم بن ظهير: «أن عبد الله بن سلام أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع رهط من قومه، يشكون إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما لقوا من قومهم، فبينما هم يشكون إذ نزلت هذه الآية، وأذن بلال، فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى المسجد، وإذا مسكين يسأل، فقال (صلى الله عليه وآله): ماذا أُعطِيتَ؟ قال: خاتماً من فضة. فقال: مَن أعطاكه؟ قال: ذلك القائم. فإذا هو عليّ (عليه السلام). قال: على أيّ حال أعطاكه؟ قال: أعطاني وهو راكع. فكبّر النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وقال: {ومَنْ يَتَوَلَّ اللَّه ورَسُولَه} الآية») [مجمع البيان ج3 ص325].
وقد صرّح بعضُ علماء العامّة بإرادة أمير المؤمنين (عليه السلام) في الآية الكريمة لـمّا تصدق بخاتمه، وإليك بعض أقوالهم:
قال أبو الفضل الإيجيّ [ت756هـ]: (وأجمع أئمة التفسير أن المراد عليّ) [المواقف ج3 ص601].
وقال سعد الدين التفتازانيّ [ت793هـ]: (نزلت باتفاق المفسرين في علي بن أبي طالب) [شرح المقاصد ج5 ص170].
وقال الشريف الجرجانيّ [ت816هـ]: (وقد أجمع أئمة التفسير أن المراد بـ {وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} عليّ، فإنه كان في الصلاة راكعا، فسأله سائل فأعطاه خاتمه، فنزلت الآية) [شرح المواقف ج8 ص360].
وقال القوشجيّ [ت879هـ]: (إنّها نزلت باتفاق المفسرين في حقّ علي بن أبي طالب حين أعطى السائل خاتمه وهو راكع في صلاته) [شرح تجريد الاعتقاد ص368].
وقال ابن حجر الهيتميّ [ت973هـ]: (وقد أجمع أهل التفسير على أنّ المراد بالذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، عليٌّ، إذ سبب نزولها أنَّه سُئل وهو راكعٌ فأعطى خاتمه) [الصواعق المحرقة ص120].
ولا يمكن أنْ تشمل الآية جميع المؤمنين؛ لأن الآية تنفي الولاية عن غير الموصف بالآية، من خلال استخدام كلمة (إنّما) المفيدة للحصر، فتُثبِت الحكم لِـما يأتي بعدها وتنفيه عن غيره، وهذا معروفٌ عند علماء اللغة، ونصّ عليه الفرّاء وابن فارس والزجّاج والفارسيُّ والزمخشريُّ والرضيُّ وغيرهم [ينظر: الصاحبيّ ص94، معاني القرآن ج1 ص243، الشيرازيّات ج1 ص253، شرح الكافية ج4 ص58، شرح ابن عقيل ج1 ص235، وغيرها].
وبناءً عليه، فإنّ هذه المفردة تفيد قصر الولاية في هذه الآية الكريمة على الثلاثة المذكورين بالتسلسل: الله تعالى، الرسول، الذين آمنوا، قال الله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا}، قال الشيخ الطوسيُّ: (الّذي يدلُّ على أنّ المراد به في الآية ما ذكرناه: هو أنّ اللّه تعالى نفى أن يكون لنا وليٌّ غير اللّه وغير رسوله والّذين آمنوا؛ بلفظة: {إِنَّمَا}. ولو كان المراد به الموالاة في الدين لما خصّ بها المذكورين؛ لأنّ الموالاة في الدّين عامّة في المؤمنين كلّهم، قال اللّه تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ
وأما ما قيل من أنَّ الآية نزلت بسبب تبرأ عبادة بن الصامت من حلف اليهود.
فإنّه لو فُرض صحّته، فلا يتنافى مع إرادة أمير المؤمنين (عليه السلام) في الآية؛ وذلك لأنّه في قضيّة عبادة ورد الأمر الإلهيّ بولاية الله والرسول والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة وهم راكعون وهو أمير المؤمنين (عليه السلام)، فعبادة بن الصامت وغيره مأمورون بولاية الله والرسول والأمير.
وفي المقام كلامٌ للسيّد المرتضى علم الهدى، يستحسن نقله، حيث قال: (فأمََّا قوله [أي القاضي المعتزليّ]: «وقد روى أنها نزلت في عبادة بن الصامت» فباطلٌ، وليس يقابل ما ادّعاه من الرواية ما روي من نزولها في أمير المؤمنين (عليه السلام)؛ لأن تلك رواية أطبق على نقلها جماعة أصحاب الحديث من الخاصة والعامّة، وما ادعاه أحسن أحواله أن يكون مسنداً إلى واحدٍ معروف بالتحايل والعصبية، ولا يوجد له موافق من الرواة ولا متابع. على أنّ مفهوم الآية ممتنع ممّا ذكره؛ لأنّا قد دلّلنا على اقتضائها فيمن وصف بها معنى الإمامة، فليس يجوز أنْ يكون المعنيّ بها عبادة بعينه؛ للاتفاق على أنَّه لا إمامة له في حالٍ من الأحوال، ولا يجوز أيضاً أن يكون نزلت بسببه الذي ذكره؛ لأن الآية يصح خروجها على سببٍ لا يطابقها وإنْ جاز مع مطابقته أنْ يتعدَّى إلى غيره وقد بيَّنا أنَّ المراد بها لا يجوز أنْ يكون ولاية الدين والنصرة لدخول لفظة «إنَّما» المقتضية للتخصيص فلم يبق فيما ذكرناه شبهة) [الشافي في الامامة ج2ص253].
نكتفي بهذا القدر والحمد لله أولا وآخرا
اترك تعليق