هل جلس أمير المؤمنين (ع) في حجر عائشة٠ !!!

هناكَ رواياتٌ في كتبِ الشيعةِ يُشتمُّ مِنها عدمُ غيرةِ الرّسولِ (ص) على عرضِه مثلَ ما أخرجَه صاحبُ البُرهان عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رض : أنّه أتى رسولَ الله وعندَه أبو بكرٍ وعُمر (فجلستُ بينَه وبينَ عائشة، فقالَت عائشة: ما وجدتُ إلّا فخذي وفخذَ رسولِ الله؟ فقالَ: مَه يا عائشة) (البرهانُ في تفسيرِ القرآن 4/225. ) وجاءَ مرّةً أخرى فلم يجِد مكاناً فأشارَ إليهِ رسولُ الله: ههُنا -يعني خلفَه- وعائشةُ قائمةٌ خلفَه وعليها كساء: فجاءَ عليٌّ فقعدَ بينَ رسولِ الله وبينَ عائشة، فقالَت وهيَ غاضبة: (ما وجدتَ لاستِك -دُبرِك أو مؤخّرتك- موضعاً غيرَ حِجري؟ فغضبَ رسولُ الله وقالَ: يا حُميراء لا تؤذيني في أخي) (كتابُ سُليمِ بنِ قيس 179)... ما توجيهُ هذهِ الرّوايات؟

: سيد حسن العلوي

الجوابُ:

أمّا الرّوايةُ الأولى:

فقد رواها الشيخُ الطوسي قالَ: أبو محمّدٍ الفحّام ، قالَ : حدّثني عمّي ، قالَ : حدّثني إسحاقُ بنُ عبدوس ، قالَ : حدّثني محمّدُ بنُ بهار بنِ عمّار ، قالَ : حدّثنا زكريّا بنُ يحيى ، عن جابرٍ ، عن إسحاقَ بنِ عبدِ الله بنِ الحارِث ، عن أبيهِ ، عن أميرِ المؤمنينَ ( صلواتُ اللهِ عليه ) قالَ : أتيتُ النبيَّ ( صلّى اللهُ عليهِ وآله ) وعندَه أبو بكرٍ وعُمر ، فجلستُ بينَه وبينَ عائشة ، فقالَت لي عائشة : ما وجدتَ إلّا فخذي أو فخذَ رسولِ الله . فقالَ : مَه يا عائشة ، لا تؤذيني في عليٍّ ، فإنّه أخي في الدّنيا وأخي في الآخرة ، وهوَ أميرُ المؤمنينَ ، يجعلُهُ اللهُ يومَ القيامةِ على الصّراط ، فيُدخلُ أولياءَه الجنّةَ ، وأعداءَه النار. (الأماليّ للطوسي، ص290).

أقولُ: والروايةُ إسنادُها غيرُ مُعتبر. (إسحاقُ بنُ عبدوس، ومحمّدُ بنُ بهار، وعمرُ بنُ يحيى الفحّام، وغيرُهم، مجاهيل)

أمّا الروايةُ الثانية:

فقد رواها سليمُ بنُ قيس الهلالي في كتابِه قالَ : سمعتُ سلمانَ وأبا ذرٍّ والمِقداد ، وسألتُ عليّاً بنَ أبي طالب عليهِ السلام عن ذلكَ فقال : صدقوا . قالوا : دخلَ عليُّ بنُ أبي طالب عليهِ السلام على رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله وعائشةُ قاعدةٌ خلفَه وعليها كساءٌ والبيتُ غاصٌّ بأهلِه فيهم الخمسةُ أصحابُ الكتابِ والخمسةُ أصحابُ الشورى.

فلم يجِد مكاناً فأشارَ إليهِ رسولُ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله : ( هاهُنا ) ، يعني خلفَه .

فجاءَ عليٌّ عليهِ السلام فقعدَ بينَ رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله وبينَ عائشة ، وأقعى كما يُقعي الأعرابي .

فدفعَته عائشةُ وغضبَت وقالَت : أما وجدتَ لأستِك موضعاً غيرَ حِجري ؟

فغضبَ رسولُ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله وقال : مَه يا حُميراء ، لا تؤذيني في أخي عليٍّ ، فإنّه أميرُ المؤمنينَ وسيّدُ المُسلمينَ وصاحبُ لواءِ الحمد ، وقائدُ الغُرِّ المُحجّلينَ يومَ القيامة . يجعلهُ اللهُ على الصّراطِ فيُقاسمُ النارَ ، فيُدخلُ أولياءهُ الجنّةَ ويدخلُ أعداءهُ النّار . (كتابُ سُليم، ص287).

أقولُ: وهذهِ الروايةُ في كتابِ سُليم، وهوَ كتابٌ مُعتبر.

ويبدو بالمُقارنةِ بينَ فقراتِ الروايتين أنّهما تشيرانِ إلى حادثةٍ واحدة، وليسَ منَ البعيدِ أن يكونَ ذلكَ في مرضِ وفاةِ النبي (ص).

إنَّ أميرَ المؤمنينَ (ع) امتثلَ أمرَ رسولِ الله (ص) حينَما أمرَهُ بالجلوسِ خلفَه، فجلسَ على الأرضِ بينَ النبيّ (ص) وعائشة.

وليسَ في الروايةِ أنَّ عليّاً (ع) جلسَ في حجرِ عائشة، ولا مِن دليلٍ أنّه كانَ مُلاصقاً لها، حيثُ وردَ في روايةِ سُليمٍ عن سلمانَ والمقدادِ وأبي ذر وأميرِ المؤمنين (ع):

"فجاءَ عليٌّ عليهِ السلام فقعدَ بينَ رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله وبينَ عائشة، وأقعى كما يُقعي الأعرابي."

وليسَ فيها أنّه جلسَ في حِجرها !

والرّوايةُ تنصُّ أنّه أقعى كما يُقعي الأعرابي، وجلسةُ الإقعاءِ عادةً يجلسُها الإنسانُ عندَما يكونُ المكانُ ضيّقاً، فجلسَ أميرُ المؤمنينَ (ع) هذهِ الجلسةَ كي لا يلتصقَ بعائشة.

فصارَ ظهرُ أميرِ المؤمنين (ع) في وجهِ عائشة، فحالَ بينَها وبينَ النبيّ (ص).

وبما أنّها كانَت قريبةً منه، ضربَت أميرَ المؤمنين (ع) ودفعَته بيدِها !

تقولُ الرّواية: "فدفعَته عائشةُ وغضبَت وقالَت: أما وجدتَ لأستِك موضعاً غيرَ حِجري!"

فهيَ مِن شِدّةِ بُغضِها له تفوّهَت بهذهِ الجُملةِ غيرِ المؤدّبةِ وهيَ بمحضرِ النبيّ (ص) والصّحابة!

واستعملت هذهِ العبارةَ الرديئةَ لتظهرَ الغاية في عدمِ الارتياحِ مِن أمرِ النبيّ (ص) لعليٍّ (ع) بالجلوسِ بالقُربِ منه، والحيلولةِ بينَهما !

فاعتراضُها كانَ على رسولِ الله (ص) أوّلاً وبالذاتِ، أظهرَته

في عباراتٍ سوقيّةٍ نابية، قذعَت بهِ وصي رسولِ الله (ص)!

ولذا غضبَ النبيُّ (ص) وقالَ لها: مَه يا حُميراء ! لا تؤذيني في أخي عليّ ...

هذا هوَ الفهمُ العُرفي لسياقِ الرّواية، وليسَ فيها أنَّ عليّاً (ع) قد جلسَ فعلاً في حِجر عائشة.

وتفوّهُ عائشةَ بهذهِ الجُملةِ السيّئة، كنايةٌ عن عدمِ ارتياحِها وشدّةِ غضبِها مِن أمرِ رسولِ الله (ص) لعليٍّ بالجلوسِ خلفَه، حيثُ حالَ بينَها وبينَ رسولِ الله (ص).

هذا إن أحسنّا الظنَّ بعائشة، وقُلنا أنَّ كلامَها هذا كنايةٌ عن شدّةِ غضبِها.

أمّا إن قُلنا: بأنَّ كلامَها إخبارٌ عن الواقع، وأنّها تريدُ أن تُخبرَ النبيَّ (ص) والحاضرينَ أنَّ عليّاً (ع) قد جلسَ في حِجرها، ولذا قامَت بدفعِه، كي لا تقعَ في محذورٍ شرعيّ، وأنَّ عليّاً (ع) قد وقعَ في محذورِ الجلوسِ في حِجرِ الأجنبيّة !

إن كانَ هذا مُرادُها مِن قولِها.

فنقولُ: هيَ غيرُ صادقةٍ قطعاً وجزماً، فقد اتّهمَت أميرَ المؤمنينَ (ع) بهذا الأمر، وحاشاه أن يجلسَ في حجرِ النساء! ولذا قامَ النبيُّ (ص) مباشرةً بتبرئةِ أميرِ المؤمنينَ (ع) وتكذيبِ عائشةَ قائلاً لها: مَه يا حُميراء ! لا تؤذيني في أخي عليّ ...

هذا مُضافاً إلى أنَّ رواةَ الخبرِ في روايةِ سُليم هُم سلمانُ وأبو ذرٍّ والمقدادُ وأميرُ المؤمنين (ع) قد أوردوا هذهِ الروايةَ، ولم يذكروا أنَّ عليّاً (ع) قد جلسَ في حجرِ عائشة، كما تقدّم.

فأربعةٌ منَ الصّحابةِ في نقلِ سُليم كذّبوا عائشةَ في تصريحِها هذا، مُضافاً إلى تكذيبِ النبيّ (ص) لها.

هذا ما نفهمُه مِن سياقِ الرواية، والحادثةُ لا يوجدُ فيها سياقٌ غيرُ شرعي، غيرَ تصرّفِ عائشةَ السيّءِ تجاهَ الإمامِ عليّ (ع)، و مُضافاً إليه تهمتُها لأميرِ المؤمنينَ (ع) أنّه قد جلسَ في حِجرها ! وهذا أمرٌ قد عهدناهُ مِنها كثيراً.

وفي التاريخِ شواهدُ كثيرةٌ تُثبتُ أنّها كانَت تحملُ بُغضاً كبيراً تجاهَ أميرِ المؤمنين (ع)، بحيثُ أنّها كانَت تكرهُ ذكرَ اسمِ أميرِ المؤمنينَ (ع) في حادثةِ اِتّكاءِ رسولِ الله (ص) على الفضلِ بنِ العبّاس، وأميرِ المؤمنينَ (ع) فتقولُ: ورجلٌ آخر!!

وكانَت تعاركُ النبيَّ (ص) وتصيحُ عليهِ لأنّها علمَت أنَّ النبيَّ (ص) يحبُّ فاطمةَ أكثرَ مِنها، ويحبُّ عليّاً أكثرَ مِن أبيها !!

وسجدَت شُكراً لله، فرحاً بشهادةِ أميرِ المؤمنين (ع)، وتمثّلَت بأبياتِ فرحٍ وسرور عندَ شهادتِه، ومدحَت عبدَ الرّحمنِ بنَ ملجم ! وسمَّت خادماً لها عبدَ الرّحمنِ تيمُّناً بعبدِ الرّحمنِ بنِ ملجم !

وأخيراً أظهرَت هذا البُغضَ في حربِ الجمل، فخرجَت مِن بيتِها (وقد أمرَها اللهُ بالجلوسِ فيه: وقرنَ في بيوتكنَّ ولا تبرّجنَ تبرّجَ الجاهليّةِ الأولى) وجيّشَت الجيوشَ لحربِ إمامِ زمانِها، ورفعَت السيفَ في وجهِه لتقتلَه !

فأيُّ بغضٍ أكبرُ مِن سلِّ السيفِ في وجهِ إنسانٍ وإرادةِ قتلِه ؟! (والنبيُّ يقولُ لعليّ: لا يحبُّكَ إلّا مؤمنٌ ولا يبغضُك إلّا مُنافق، ياعليّ حربُك حربي وسِلمُك سِلمي، اللهمَّ والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه )

فتعلّمَ مِنها معاوية، وخرجَ على أميرِ المؤمنين (ع) !

ثمَّ خدعَ معاويةُ الخوارجَ، فخرجوا على أميرِ المؤمنين (ع) !

فمِنها بدأت الفتنُ، كما روى البُخاريّ في صحيحِه بسندِه عن عبدِ الله قال: قامَ النبيُّ (ص) خطيباً فأشارَ نحوَ مسكنِ عائشةَ فقالَ ههُنا الفتنةُ ثلاثاً مِن حيثُ يطلعُ قرنُ الشيطان. (صحيحُ البُخاري: 4 / 46).

الخلاصةُ:

1ـ ليسَ في الروايةِ أنَّ النبيَّ (ص) أمرَ عليّاً (ع) بالجلوسِ في حِجرِ زوجتِه، حتّى يُتّهمَ بعدمِ الغيرة، حيثُ أمرَه النبيُّ (ص) بالجلوسِ خلفَه، لوجودِ فُسحةٍ ومجالٍ في تلكَ الجهة.

2ـ ليسَ في الرّوايةِ أنَّ عليّاً (ع) جلسَ في حجرِ عائشة، وإنّما جلسَ بينَ النبيّ (ص) وعائشة، وضيّقَ على نفسِه، فجلسَ جلسةَ الإقعاء.

3ـ إنَّ عائشةَ مِن شِدّةِ بُغضِها لأميرِ المؤمنينَ (ع) دفعَته وشتمَته بأنّه جلسَ في حِجرها، وهذا كنايةٌ عن مُنتهى عدمِ الارتياحِ مِن فعلِ رسولِ الله (ص)، لكُرهِها لعليٍّ (ع)، وليسَ مُرادُها المعنى الحقيقيّ.

4ـ إن كانَ مُرادُها هوَ المعنى الحقيقيّ مِن أنَّ عليّاً (ع) قد جلسَ فِعلاً في حِجرها، فهذهِ تُهمةٌ لأميرِ المؤمنينَ (ع) والغرضُ مِنها تشويهُ سُمعتِه، ولكن جاءَها الردُّ الصّاعقُ مِن رسولِ الله (ص) لمّا قالَ لها: مَه يا حُميراء ! لا تؤذيني في أخي عليٍّ ... الخ كلامِ النبيّ (ص) الذي أبكَتهُ هذه الحُميراء.

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.