ملكية الزهراء (عليها السلام) لفدك

في إرثِ فاطمة (ع) لماذا أُخذَ مِن يدِها ؟هل هناكَ دليلٌ أنَّ فدكاً كانَت مُلكاً لها ؟

: الشيخ عباس الجشعمي

الجواب:

أخي الكريم هنالكَ عدّةُ أدلّةٍ تورثُ اليقينَ بأنَّ السيّدةَ فاطمةَ الزهراء صلواتُ اللهِ عليها كانَت تملكُ فدكاً أيّامَ رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله، وإليكَ الأدلّة.

قالَ تباركَ وتعالى: (وَآتِ ذَا القُربَى حَقَّهُ وَالمِسكِينَ وَابنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّر تَبذِيرًا) (الإسراء:27).

لقد ذكرَ جُملةٌ مِن مُفسّري الفريقين أنَّ هذهِ الآيةَ المُباركةَ لمّا نزلَت استدعى النبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وآله فاطمةَ سلامُ اللهِ عليها ووهبَها فدكاً.

أمّا منَ الشيعة.

قالَ الشيخُ الطوسي: ورويَ أنّه لمّا نزلَت هذهِ الآيةُ استدعى النبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم فاطمةَ (ع) وأعطاها فدكاً وسلّمَه إليها، وكانَ وكلاؤها فيها طولَ حياةِ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم، فلمّا مضى النبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم. التبيانُ في تفسيرِ القرآن - الشيخُ الطوسي 6/ 461).

وروى عليٌّ بنُ إبراهيم رحمَه الله، قالَ: (وآتِ ذا القُربى حقّه والمسكينَ وابَن السبيل) يعني قرابةَ رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله وأنزلَت في فاطمة عليها السلام فجعلَ لها فدك. (تفسيرُ القمّي 26/ 17).

وروى العيّاشي رحمَهُ الله عن عطيّةَ العُوفى قالَ : لمّا افتتحَ رسولُ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله خيبر ، وأفاءَ اللهُ عليهِ فدكاً وأنزلَ عليه ( وآتِ ذا القُربى حقّه ) قالَ : يا فاطمةُ لكِ فدك (تفسيرُ العيّاشى 2/ 299)

وروى الكُلينيّ والشيخُ الطوسيّ عن السيّاري عن عليٍّ بنِ أسباط قالَ: لمّا وردَ أبو الحسنِ موسى عليهِ السلام على المهديّ وجدَه يردُّ المظالمَ فقالَ له: ما بالُ مظلمتِنا يا أميرَ المؤمنين لا تُرد؟ ! فقالَ له: وما هيَ يا أبا الحسن؟ فقالَ: إنَّ اللهَ عزَّ وجل لمّا فتحَ على نبيّه صلّى اللهُ عليهِ وآله فدكاً وما والاها ولم يوجِف عليها بخيلٍ ولا ركاب فأنزلَ اللهُ تعالى على نبيّه صلّى اللهُ عليهِ وآله (وآتِ ذا القُربى حقّه) فلم يدرِ رسولُ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله مَن هُم فراجعَ في ذلكَ جبرئيل عليهِ السلام فسألَ اللهَ عزَّ وجل عن ذلكَ فأوحى اللهُ إليه أن اِدفَع فدك إلى فاطمةَ عليها السلام، فدعاها رسولُ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله فقالَ لها: يا فاطمة إنَّ اللهَ تعالى أمرَني أن أدفعَ إليكِ فدك فقالَت: قد قبلتُ يا رسولَ الله منَ اللهِ ومِنك، فلم يزَل وكلاؤها فيها حياةَ رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله، فلمّا وليَ أبو بكرٍ أخرجَ عَنها وكلاءَها، فأتَته فسألَته أن يردَّها عليها فقالَ لها: آتيني بأسودَ أو أحمر ليشهدَ لكِ بذلك، فجاءَت بأميرِ المؤمنينَ والحسنِ والحُسين عليهم السلام وأمِّ أيمن فشهدوا لها بذلكَ فكتبَ لها بتركِ التعرّض، فخرجَت بالكتابِ معَها فلقيَها عُمر فقالَ لها: ما هذا معكِ يا بنتَ مُحمّد؟ قالَت: كتابٌ كتبَه لي ابنُ أبي قحافة، فقالَ لها: أرينيه فأبَت فانتزعَه مِن يدِها فنظرَ فيه وتفلَ فيهِ ومحاهُ وخرقَه وقالَ: هذا لأنَّ أباكِ لم يوجِف عليهِ بخيلٍ ولا رِكاب وتركَها ومضى، فقالَ لهُ المهديّ: حُدّها لي فحدّها فقال: هذا كثيرٌ فأنظرُ فيه. (الكافي الكُليني (1/ 792) و تهذيبُ الأحكامِ في شرحِ المُقنعة - الشيخُ المُفيد (131/ 14).

قالَ الشيخُ الصّدوقُ رحمَه الله: قولُ اللهِ عزَّ وجل: (وآتِ ذا القُربى حقّه) خصوصيّةٌ خصّهم اللهُ العزيزُ الجبّارُ بها، واصطفاهُم على الأمّة، فلمّا نزلَت هذهِ الآيةُ على رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) قالَ: ادعوا لي فاطمة. فدُعيت له، فقالَ: يا فاطمة قالَت: لبّيكَ يا رسولَ الله. فقالَ (صلّى اللهُ عليهِ وآله): هذهِ فدك، هيَ ممّا لم يُوجَف عليهِ بخيلٍ ولا ركاب، وهيَ لي خاصّةً دونَ المُسلمين، وقد جعلتُها لكِ لِما أمرَني اللهُ به، فخُذيها لكِ ولولدِك. الأمالي- الشيخُ الصدوق (ص: 215)

وأمّا منَ العامّة.

قالَ أبو يعلى: قرأتُ على الحسنِ بنِ يزيد الطحّان هذا الحديثَ فقالَ : هوَ ما قرأتُ على سعيدِ بنِ خثيم عَن فُضيلٍ عَن عطيّة : عن أبي سعيدٍ قال : لمّا نزلَت هذهِ الآيةُ { وآتِ ذا القُربى حقّه } [ الإسراء : 26 ] دعا النبيُّ فاطمةَ وأعطاها فدك (مُسندُ أبي يعلى 2/ 334)

وروى الهيثميُّ عن أبو سعيدٍ: لمَّا نزلَت: {وَآتِ ذَا القُربَى حَقَّهُ} [الإسراء: 26] دعا النبيُّ - صلّى اللهُ عليهِ وسلّم - فاطمةَ فأعطاها فدك. (جمعُ الفوائدِ مِن جامعِ الأصولِ ومجمعِ الزّوائد (3/ 155).

قالَ السيوطي: وأخرجَ البزّارُ وأبو يعلى وابنُ أبي حاتم وابنُ مردويه عن أبي سعيدٍ الخُدري رضيَ اللهُ عنه قالَ : لمّا نزلَت هذهِ الآية ! ( وآتِ ذا القُربى حقّه ) ! دعا رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم فاطمةَ فأعطاها فدكاً ، وأخرجَ ابنُ مردويه عن ابنِ عبّاس رضيَ اللهُ عنهما قالَ : لمّا نزلَت ! ( وآتِ ذا القُربى حقّه ) ! أقطعَ رسولُ الله فاطمةَ فدكاً (الدرُّ المَنثور- هجر 9/ 320)

قالَ ابنُ كثير: وقالَ الحافظُ أبو بكرٍ البزّار: حدّثنا عبادُ بنُ يعقوب, حدّثنا أبو يحيى التميمي, حدّثنا فضيلُ بنُ مرزوق عن عطيّةَ عَن أبي سعيدٍ قالَ: لمّا نزلَت {وَآتِ ذَا القُربَىَ حَقّهُ} دعا رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم فاطمةَ فأعطاها فدكاً (تفسيرُ ابنِ كثير / دارُ الفكر 3/ 48)

وروى الفاضلُ الهِندي عن أبي سعيدٍ قالَ : لمّا نزلَت (وآتِ ذا القُربى حقّه) قالَ النبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم : يا فاطمةَ لكِ فدك. (كنزُ العمّال 3/ 767)

وهنالكَ مقاطعُ كثيرةٌ ينقلُها لنا التاريخُ تثبتُ مُلكَ سيّدةِ نساءِ العالمينَ عليها السلام لفدك.

مِنها ما رواهُ العامليّ رحمَه الله عن عليٍّ بنِ إبراهيم في ( تفسيرِه ) عن أبيه ، عن ابنِ أبي عُمير ، عن عُثمانَ بنِ عيسى ، وحمّادَ بنِ عُثمان ، جميعاً ، عن أبي عبدِ الله ( عليهِ السلام ) ـ في حديثِ فدك ـ أنَّ أميرَ المؤمنين ( عليهِ السلام ) قالَ لأبي بكرٍ : أتحكمُ فينا بخلافِ حُكمِ اللهِ في المُسلمين ؟ قالَ : لا ، قالَ : فإن كانَ في يدِ المُسلمينَ شيءٌ يملكونَه ، ادّعيتُ أنا فيه ، مَن تسألُ البيّنة ؟ قالَ : إيّاكَ كنتُ أسألُ البيّنةَ على ما تدّعيهِ على المُسلمين ، قالَ : فإذا كانَ في يدي شيءٌ فادّعى فيهِ المُسلمونَ ، تسألُني البيّنةَ على ما في يدي ؟ وقد ملكتُه في حياةِ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وبعدَه، ولم تسأل المؤمنينَ البيّنةَ على ما ادّعوا عليَّ كما سألتَني البيّنةَ على ما ادّعيتُ عليهم ـ إلى أن قال : ـ وقد قالَ رسولُ الله ( صلّى اللهُ عليهِ وآله ) : البيّنةُ على مَن ادّعى ، واليمينُ على مَن أنكَر .

ورواهُ الصّدوقُ في ( العِلل ) عن أبيه ، عن عليٍّ بنِ إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابنِ أبي عُمير ، عمَّن ذكرَه ، عن أبي عبدِ الله ( عليهِ السلام ) نحوه . (وسائلُ الشيعة - الحرُّ العاملي 27/ 293).

وهذهِ المُحاججةُ أوضحُ مِن أن تخفى على أحدٍ أنَّ فدكاً كانَت في يدِ الزّهراءِ عليها السلام.

قالَ أميرُ المؤمنينَ عليهِ السلام: بَلَى! كَانَت في أَيدِينَا فَدَكٌ مِن كلِّ مَا أَظَلَّتهُ السَّماءُ، فَشَحَّت عَلَيهَا نُفُوسُ قَوم، وَسَخَت عَنهَا نُفُوسُ آخَرِينَ، وَنِعمَ الحَكَمُ اللهُ.

وَمَا أَصنَعُ بِفَدَك وَغَيرِ فَدَك، وَالنَّفسُ مَظَانُّهَا فِي غَد جَدَثٌ، تَنقَطِعُ فِي ظُلمَتِهِ آثَارُهَا، وَتَغِيبُ أَخبَارُهَا، وَحُفرَةٌ لَو زِيدَ فِي فُسحَتِهَا، وَأَوسَعَت يَدَا حَافِرِهَا... . نهجُ البلاغة (27/ 5).

وروى الكُلينيّ أيضاً عن عليٍّ بنِ إبراهيم، عن أبيه، عن حمّادَ بنِ عيسى، عن إبراهيمَ بنِ عُثمان، عن سليمِ بنِ قيس الهلاليّ قالَ: خطبَ أميرُ المؤمنين (ع) فحمدَ اللهَ وأثنى عليه ثمَّ صلّى على النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله، ثمَّ قال ثمَّ أقبلَ بوجهِه وحولهُ ناسٌ مِن أهلِ بيتِه وخاصّتِه وشيعتِه فقال: قد عملَت الولاةُ قبلي أعمالاً خالفوا فيها رسولَ الله صلّى اللهُ عليه وآله مُتعمّدين لخلافِه، ناقضينَ لعهدِه مُغيّرينَ لسُنّتِه ولو حملتُ الناسَ على تركِها وحوّلتُها إلى مواضعِها وإلى ما كانَت في عهدِ رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله لتفرّقَ عنّي جُندي حتّى أبقى وحدِي أو قليلٌ مِن شيعتي الذينَ عرفوا فَضلي وفرضَ إمامَتي مِن كتابِ الله ِعزَّ وجل وسنّةِ رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله، أرأيتُم لو أمرتُ بمقامِ إبراهيم (ع)(5) فرددتُه إلى الموضعِ الذي وضعَه فيهِ رسولُ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله، ورددتُ فدكاً إلى ورثةِ فاطمة (عليها السلام)... . الكافي الكُليني (8/ 82)

قالَ ابنُ الاثير: كانَ المُنتصرُ عظيمَ الحلمِ راجحَ العقلِ غزيرَ المعروفِ راغباً في الخيرِ جواداً كثيرَ الإنصافِ حسنَ العشرةِ وأمرَ الناسَ بزيارةِ قبرِ عليٍّ والحُسين عليهما السلام وآمنَ العلويّينَ وكانوا خائفينَ أيّامَ أبيه وأطلقَ وقوفَهم وأمرَ بردِّ فدكٍ إلى ولدِ الحُسين والحسنِ ابني عليٍّ بنِ أبي طالب عليهِ السلام. الكاملُ في التاريخ (6/ 149)

وقالَ ابنُ الأثيرِ أيضاً: فلمّا وليَ عمرُ بنُ عبدِ العزيز الخلافةَ خطبَ الناسَ وأعلمَهم أمرَ فدك وأنّه قد ردَّها إلى ما كانَت عليهِ معَ رسولِ الله، صلّى اللهُ عليهِ وسلّم، وأبي بكرٍ وعُمرَ وعُثمان وعليّ، فوليها أولاُد فاطمةَ بنتِ رسولِ الله، صلّى اللهُ عليهِ وسلّم. الكاملُ في التاريخ (1/ 322)

وقالَ المسعوديّ: ولم تزَل الأمورُ على ما ذكَرنا إلى أن اُستخلِفَ المُنتصر، فأمَّنَ الناسَ، وتقدّمَ بالكفِّ عن آلِ أبي طالب، وتركِ البحثِ عن أخبارِهم، وأن لا يُمنعَ أحدٌ زيارةَ الحيرةِ لقبرِ الحُسين رضيَ اللهُ تعالى عنه، ولا قبرِ غيرِه مِن آلِ أبي طالب، وأمرَ بردِّ فدَكَ إلى ولَدِ الحسن والحُسين. مروجُ الذهب (2/ 97).

قالَ السيّدُ الخُوئي جواباً على سؤالٍ مفادُه (هل يمكنُ أن يكونَ القولُ باحتمالِ عدمِ مُلكيّةِ الزّهراءِ (عليها السلام) لفدك نابعاً مِن اجتهاد، إذا كانَ القائلُ به مِن عُلماءِ الخاصّة؟

فأجابَ رحمَه الله: لا موقعَ للاجتهادِ، بعدَ شهادةِ عليٍّ أميرِ المؤمنين (ع) بصدقِها في مُلكيّتِها، وإن كانَ نفسُ دعوى الصدّيقةِ الطاهرةِ (عليها السلام) كافيةً في ثبوتِها، لكونِها معصومةً لدينا بضرورةِ المذهب، والسلامُ على مَن اتّبعَ الهُدى. صراطُ النجاة - استفتاءاتُ السيّدِ الخُوئي (3/ 314).

وخلاصةُ القولِ أقول: الثابتُ يقيناً أنَّ فدكاً كانَت مُلكاً صرفاً لرسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله، فهيَ إما أن يكونَ قد وهبَها رسولُ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله إلى السيّدةِ الزّهراءِ سلامُ اللهِ عليها وهذا هوَ الواقع.

وإمّا أن تكونَ باقيةً على مُلكِه صلّى اللهُ عليهِ وآله، وبعدَ وفاتِه تنتقلُ إلى مُلكيّةِ الزّهراءِ (ع) مِن طريقِ الإرث.

وعلى كِلا التقديرين ستكونُ فدكٌ مُلكاً للزّهراءِ عليها السلام.

وأمّا حديثُ (نحنُ معاشرَ الأنبياءِ لا نورّث ما تركناهُ صدقة) فكذبٌ يقيناً لأنّهُ مُخالفٌ لصريحِ كتابِ اللهِ تعالى.

قالَ تعالى: (وَإِنِّي خِفتُ المَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امرَأَتِي عَاقِرًا فَهَب لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِن آلِ يَعقُوبَ وَاجعَلهُ رَبِّ رَضِيًّا). (مريم:7).

وقالَ تعالى: (وَوَرِثَ سُلَيمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمنَا مَنطِقَ الطَّيرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الفَضلُ المُبِينُ). (النمل:17).

ودُمتَ في حفظِ اللهِ وحُسنِ رعايتِه تعالى.