لماذا قالت الزهراء للإمام عليّ ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك؟

السؤال: لماذا اختارت الزهراء عليها السلام بقولها للإمام علي عليه السلام .. هذه الصفات الثلاثة 1/ كاذبة 2/ خائنة 3/ مخالفة يا ابن عمّ ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني .. فقال (عليه السلام ): معاذ الله أنت أعلم بالله وأبرّ وأتقى وأكرم وأشدُّ خوفاً من الله .. ؟؟؟ .

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

الرواية بتمامها التي أشار إليها السائل هي أنّ مولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) مرضت مرضاً شديداً ومكثت أربعين ليلة في مرضها إلى أن توفّيت (صلوات الله عليها)، فلما نعيت إليها نفسها دعت أمّ أيمن وأسماء بنت عميس ووجّهت خلف عليّ وأحضرته، فقالت: يا ابن عمّ إنّه قد نعيت إليَّ نفسي وإنّني لا أرى ما بي إلّا أنّني لا حقة بأبي ساعة بعد ساعة وأنا أوصيك بأشياء في قلبي.

قال لها عليّ (عليه السلام): أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله! فجلس عند رأسها وأخرج من كان في البيت ثمّ قالت: يا ابن عمّ ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني؟ فقال (عليه السلام): معاذ الله أنت أعلم بالله وأبرّ وأتقى وأكرم وأشدّ خوفاً من الله [من] أنْ أوبّخك بمخالفتي قد عزّ عليّ مفارقتك وتفقّدك، إلّا أنّه أمر لا بدّ منه، والله جدّدتِ عليّ مصيبة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقد عظمت وفاتك وفقدك، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضّها وأحزنها، هذه والله مصيبة لا عزاء لها، ورزيّة لا خلف لها" (بحار الأنوار ج 43 ص 191).

فإذا تبيّن ذلك، فاعلم أنّنا لم نفهم على وجهة الدقّة ما يريده السائل لنسلّط الضوء عليه في إجابتنا، فالكلمات واضحة في دلالاتها ولا تحمل ظلالاً سلبيّة يمكن أن تستبطن إشكالاً ما، وكلُّ ما ظهر لنا أنّ السائل لعلّه كان يسأل عن موقع هذه الكلمات فيما يخصّ العلاقة بين الزوج وزوجته، وذلك باعتبار أنّ مولاتنا الزهراء (عليها السلام) كانت مفارقة لزوجها وأرادت أن تشهده على أنّها قامت بكلّ ما يجب القيام به اتّجاه زوجها، وممّا لا شكّ فيه أنّ الكذب والخيانة والمخالفة من أخطر الأمراض التي تهدّد الحياة الزوجية، وقد أثبتت التجارب الإنسانيّة خطورة كلّ ذلك على أمان الأسرة واستمرارها، فالصدق أساس الحياة الزوجيّة المبنيّة على الثقة.

والكذب بكلّ أنواعه يؤدّي إلى فقدان الثقة، ومن ثمَّ انهيار الأسرة بالكامل، ومن الكذب تتفرّع الخيانة بكلّ أنواعها وأشكالها، فالخيانة في أصلها هي هتك الأمانة والمواثيق والعهود والشروط، والزواج هو عقد وميثاق يشتمل على مجموعة من الشروط والحقوق والواجبات، والخيانة ليست إلّا مخالفة الزوج أو الزوجة لتلك الحقوق والواجبات، والذي يبدو بحسب التجربة أنّ كلّ المشاكل المتعلّقة بعدم استقرار الأسر أو الطلاق تعود إلى الخيانة، وعندما تنفي مولاتنا الزهراء عن نفسها الخيانة، فهي تؤكّد التزامها الكامل بكلّ ما اوجبه الله تعالى من حقوق وواجبات بين الزوجة وزوجها.

فإذا غاب عن الأسرة الكذب والخيانة، فلا يمكن أن يهدّدها شيء آخر غير النزاعات التي تنتج عن القيموميّة وحقّ الطاعة، والمشاكل في هذا الشأن كثيرة لا يكاد يخلو منها بيت، فالأسرة لا يمكن أن تبحر في بحر الحياة إلّا من خلال قبطان واحد، وقد أوكل الإسلام أمر قيادة الأسرة للرجل. قال تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء﴾، وهناك توضيحات كثيرة لهذا المعنى في التفاسير والكتب الفقهية لا نريد الدخول فيها، فالمهمُّ أنّ طاعة المرأة لزوجها من أهمِّ العوامل التي تساعد على استقرار الأسرة، ولا يعني ذلك تحكّم الزوج بميوله ورغباته الخاصّة، وإنّما يعني التزامه بالقيم والأخلاق والمبادئ الفاضلة، فالحقّ هو الغاية والفضيلة هي الحاكمة في العلاقات الزوجيّة، وعندما يكون الزوج مراعياً للحقوق مبتعداً عن الظلم، فالواجب على زوجته اتّباعه وعدم تعمّد خلافه، ولهذا لم تخالف مولاتنا الزهراء (عليها السلام) زوجها أمير المؤمنين (عليه السلام) في أمر صغيراً كان أم كبيراً.

فلهذه الحيثيّات يبدو لنا أنّ مولاتنا فاطمة سلام الله عليها اختارت هذه الكلمات والله اعلم.