هل فِعلاً كانَ الإمَام عَلِيّ ﴿ع﴾ يُصَلِّي أَلْفَ ركعةٍ في اليومِ واللَّيلةِ؟!!
مُرتَضَىٰ السَّاعِدِيّ: السَّلامُ عَلَيكُم وَرَحمَةُ ٱللهِ وَبَرَكَاتُهُ.. السُّؤَالُ الأَوَّلُ: يُوجَدُ سُؤالٌ بِأَنَّ الإِمَامُ عَلِيٍّ ﴿عَلَيهِ السَّلَامُ﴾ كان يُصَلِّي بينَ اللَّيلِ والنَّهارِ أَلْفَ رَكعةٍ هل هذا ثابتٌ؟ وهل يُمكِنُ بوُجودِ مَشاغلَ كثيرةٍ لَدَى الإِمَامِ عَلِيٍّ ﴿عَلَيهِ السَّلَامُ﴾ ؟؟ السُّؤالُ الثَّاني: كيفَ يَتَصَدَّقُ الإِمَامُ فِي صَلاتِهِ وهُو خَاشِعٌ أَلَا يُنَافِي الخُشُوعَ؟؟
الأَخُ مُرتَضَىٰ المُحْتَرَمُ:
السَّلامُ عَلَيكُم وَرَحمَةُ ٱللهِ وَبَرَكَاتُهُ
هذا الإِشكالُ أَثارَهُ ٱبْنُ تَيْمِيَّة حَولَ صَلَاةِ الإِمَامِ عَلِيٍّ ﴿عَلَيهِ السَّلَامُ﴾ أَلْفَ رَكعةٍ، وقد رَدَّ عليهِ الشَّيخُ الأَمِينِيُّ (رَحِمَهُ ٱللهُ) رَدَّاً وَافِيَاً، فقالَ:
( لَقَد تَضَافَرَ النَّقلُ بأَنَّ كُلاً مِن مَولانا أَميرَالمُؤمنينَ، والإِمَامَ السِّبٍطَ الشَّهِيدَ الحُسَينَ، وَوَلَدَهُ الطَّاهِرَ عَلِيَّ زَينَ العَابِدِينَ كانَوا يُصَلُّونَ في اليَومِ واللَّيلةِ أَلْفَ رَكعةٍ ولم تَزلِ العَقَائِدُ مُتطامنةَ عَلَى ذلكَ، والعلماءُ مُتَسُالِمُونُ عليهِ، حَتَّى جاء ٱبنُ تَيْمِيَّة بِهَوَسِهِ وهَيَاجِهِ، فَحَسَبَ تَارَةً كراهةَ هذا العملِ البَّارِّ، وأَنَّهُ ليسَ بِفَضِيلةٍ، وأَنَّ القولَ بأَنَّها فَضِيلةٌ يَدُلُّ عَلَى جَهلِ قائلِهِ؛ لأَنَّ رَسُولَ ٱلله ﴿صَلَّى ٱللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ﴾ كانَ لا يَزيدُ في اللَّيلِ عَلَى ثَلَاثَ عشرةُ رَكعةٍ، وفي النَّهارِ عَلَى عدَّةِ ركعاتٍ معيَّنةٍ، وإِنَّهُ ﴿ﷺ﴾ كانَ لا يقومُ تمامَ اللَّيلِ كمَا كانَ لا يصومُ كُلَّ يومٍ، فقال: فالمداومةُ عَلَى قيامِ جميعِ اللَّيل ليس َ بمُستحبٍّ بلْ مَكروهٌ، وليسَ مِن سُنَّةِ النَّبِيّ الثَّابتةِ عنهُ ﴿ﷺ﴾، وهكذا مداومةُ صيامِ النَّهَارِ.
وزعمَ تَارَةً أَنَّهُ خارجٌ عن نطاقِ الإِمكانِ فقال: ووعَلِيٌّ (رَضِي ٱلله عنهُ) أَعلمُ بِسُنَّتهِ ﴿ﷺ﴾ وأَتْبَعُ لِهَديِهِ، وأَبعَدُ مِن أَن يُخالِفَ هذهِ المُخالفةَ، لو كانَ ذلكً مُمكناً فكيفَ وصُلاةُ أَلْفَ ركعة ٍ في اليومِ واللَّيلةِ مع القيامِ بسائرِ الواجباتِ غيرُ ممكنٍ؟؛ فإِنَّهُ لا بدَّ مِن أَكْلٍ ونَومٍ إِلخ.
ويَرى آونةُ أَنَّ طبعَ عملٍ مثلِهِ مبنيٌ على المُسارعةِ والاستعجالِ، يَستدعي أَن يكونَ عَرِيَّاً عن الخُضوعِ، نَقْراً كنَقْرِ الغُرابِ، فلا يكونُ فيهِ كثيرُ جدوى، ثُمَّ ختمَ كلامَهُ بقولهِ، ثُمَّ إِحياءُ اللَّيل بالتَّهجُّدِ وقرآءةِ القرآنِ في ركعةٍ هُو ثابتٌ عن عثمانَ (رض)، فتهجُّدُهُ وتلاوةُ القرآنِ أَظهرُ مِن غيرِهِ.
الجَوَابُ: أَمَّا حُسبانُ كراهةِ ذلكَ العملِ ومُخالفتهِ لِلسُّنَّةِ النبويَّةِ وخُروجِهِ بذلكَ عنِ الفَضيلةِ فيُعرِبُ عن جهلِهِ المُطبَق بشُؤونِ العباداتِ وفقهِ السُّنَّةِ، وتَمويهِهِ على الحقائِقِ الرَّاهِنةِ جهلاً أَو عناداً، فإنًّ صلاةَ رسولِ ٱلله ﴿ﷺ﴾ ثلاثَ عشرةَ ركعة، وكذلكَ صلاةً نهارِهِ وإِنَّما هي صلاةُ اللَّيلِ والشَّفعُ والوترُ ونافلةُ الصُّبحِ ونافلةُ الصَّلواتِ اليوميَّةِ كما فُصِّلَ في غيرِ واحدٍ مِنَ الأَخبارِ، وهي النَّوَافلُ المرتَّبَةُ المعيَّنةُ في اللَّيل والنَّهارِ لا تَرتبطُ بٱستحبابِ مطلقِ الصلاةِ ومَطلولبيَّةِ نفسِها، ولا تًنافي ما صَحَّ عنهُ ﴿ﷺ﴾ مِن قولهِ: الصَّلاةُ خيرُ موضوعٍ، إِسْتكثَرَ أَوِ اسْتَقَلَلَ.
وقولهُ ﴿ﷺ﴾: الصَّلاةُ خيرُ موضوعٍ، فمَنِ اسْتطاعَ أَن يَستكثِرَ فلْيستكثِرْ.
وقولهُ ﴿ﷺ﴾: الصَّلاةُ خيرُ موضوعٍ، مًن شاءَ أَقَلَّ، ومَن شاءَ أَكثرَ.
وقولهُ ﴿ﷺ﴾: يا أَنَسُ أَكثِرِ الصَّلَاةَ باللَّيلِ والنَّهارِ تَحفَظْكَ حفظتك.
وقولهُ ﴿ﷺ﴾ لِأَنَس في حديثٍ طويلٍ: إِنِ اسْتطعتَ أَن لا تزالَ تُصَلِّي فإِنَّ الملائكةَ تُصَلِّي عليكَ ما دُمتَ مُصَلِّيَاً.
وقولهُ ﴿ﷺ﴾: مَن أَكثرَ صَلاتَهُ [ أَو مَن كَثُرَت صَلاتُهُ ] باللَّيلِ حَسُنَ وجهُهُ بالنَّهارِ.
وما رُوِيَ عن نَصْرِ بنِ عليٍّ الجَهضميّ قال: رأيتُ الحافظَ يزيدَ بنَ زَريع في النًّومِ فقلتُ: ما فعلَ ٱللهُ لكَ؟ قال: دَخلتُ الجنَّةَ. قلتُ، بمَاذا؟ قال: بكثرةِ الصَّلاةِ.
وصَحَّ عنِ البُخَارِيّ ومُسلمٍ: إِنَّهُ ﴿ﷺ﴾ كانَ يقولُ مِنَ اللَّيلِ حَتَّى تنفطرَ قدماهُ.
وفي رُوايةٍ لهما والتِّرمِذِيّ: إِن كانً النَّبِيّ لَيقومَ أَو لَيُصليَ حَتَّى تَتَوَرَّمَ قدماهُ أَو ساقاهُ، وفي رُوايةٍ عن عائِشةَ: حَتَّى تفطَّرت قدماهُ. وفي رُواية عن أَبي هُريرةَ: حَتَّى تَزلعَ قدماهُ. وفي "المَواهبِ اللَّدُنِيًّةِ": كانَ يُصَلِّي "بعدَ كِبَرِهِ" بعضَ وُردِهِ جالساً بعدَ أَن كانَ يقومُ حَتَّى تفطَّرت قدماهُ.
وقد ذَكرُوا في تَرجمةِ غيرِ واحدٍ مِن رجالِ أهلِ السُّنَّةِ وعدُّوا مِن فضائِلِهم أَنَّهم كانوا يُصَلّونً في اليومِ واللًّيلةِ أَو في اليومِ فقط أَلْفَ ركعةٍ مِنهم:
1 – مُرَّةُ بنُ شَراحيل الهَمَدَانِيّ المتوفَّىٰ 76 على ما قيلَ، كانَ يُصَلِّي كُلَّ يومٍ وليلةٍ أَلْفَ ركعةٍ.
2 – عبدُ الرَّحمنِ بنُ أَبَان بنِ عثمانَ بنِ عفَّان. كانَ يُصَلِّي في كُلِّ يومٍ أَلْفَ ركعةٍ.
3 - عُمَيرُ بنُ هانئ أُبو الوليد الدِّمَشْقِيّ التَّابِعِيّ. قال التِّرْمِذِيّ: كان َ يُصَلِّي كُلَّ يومٍ أَلْفَ ركعةٍ، ويُسَبِّحُ مائةَ أَلْفِ تَسبيحةٍ.
4 - عَلِيُّ بنُ عبدِ ٱللهِ العَبَّاسِيُّ المُتوفَّىٰ 117، كانَ يُصَلِّي كُلَّ يومٍ أَلْفَ ركعةٍ، وقيلَ: في اللَّيل والنَّهارِ.
5 - مَيمُونُ بنُ مَهرانَ الرَّقّيّ المتوفَّىٰ 117 عالم أهل الجزيرة صلى سبعة عشر يوما سبعة عشر ألف ركعة .
6- بلالُ بنُ سعد الأشعري المتوفى ح 120 كانَ يُصَلِّي في اليومِ واللَّيلةِ أَلْفَ ركعةٍ.
7 - عامرُ بنُ عبدِ ٱللهِ الأَسَدِيّ المدنيّ، كانَ قد فَرَضَ على نفسِهِ كُلَّ يومٍ أَلْفَ ركعةٍ.
8- مُصعبُ بنُ ثابتٍ بنِ عبدِ ٱللهِ بنِ الزُّبَيرِ المُتوفَّىٰ سنة 157، كان يُصَلِّي في اليومِ واللًّيلةِ أَلْفَ ركعةٍ.
( ثُمَّ قالَ الشَّيخُ الأَمِينيّ ): ونحنُ نَعرفُ مِن أَصحابِنا اليومَ مَن يأتي بها في اللَّيلِ تَارَةً، وفي اللَّيلِ والنَّهارِ أُخرىٰ، في أَقلَّ مِن سبعِ ساعاتٍ يُصَلِّيها صَلاةً تامَّةً مع سورةِ التَّوحيدِ بالرَّغمِ مِن حُسبانَ ٱبنِ تيميَّة اسْتِحالَتِها في اليومِ واللَّيلةِ، فإِتيانُ أَلْفِ ركعةٍ في اللَّيلِ والنَّهارِ لا يَستوعِبُ كُلَّ اللَّيلِ ولا يَحتاجُ إِلى قِيامِ تمامِهِ ولا إِلى قِيامِ نِصفِهِ، ولا تُخالف السُّنَّة، بل هي السُّنَّةُ النَّبًوِيَّةُ المُعتضدةُ بِعملِ العلماءِ والأَولياءِ، فمَن شاءَ ٱسْتَكثَرَ، ومَن شاءَ ٱسْتَقلَلَ) إِنتَهَىٰ.
[ كتابُ: صَلاةِ أَميرِ الؤمنينَ ﴿عَلَيهِ السَّلَامُ﴾ في اليومِ واللَّيلةِ أَلْفَ ركعةٍ، العلَامَة الأَمِينيّ ]
وبمًا أَفادَهُ الشَّيخُ الأَمِينيّ وذَكَرَه مِن مًصاديقَ لِمَن يُصَلِّي أَلْفَ ركعةٍ منِ علماءِ المسلمينَ وصُلَحَائِهِم يَبدُو هذا السُّؤالُ لا وَجْهَ لهُ؛ لأَنَّ الوُقوعً كمًا يُقالُ أَدَّلُ دَلِيلٍ عَلَى الإِمكانِ، ولا يُنافي هذا المِقدارَ مِنَ الصَّلَاةِ الخُشُوعُ خاصًّةً ومع عَلِيٍّ ﴿عَلَيهِ السَّلَامُ﴾ الَّذِي كانَ يَنْقَطِعُ بِتَمَامِهِ إِلى ٱلله ﴿ﷻ﴾ حينَ صَلاتِهِ.
وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ
اترك تعليق