هل إمامة الشيعة جسر لأدعياء النبوّة؟

السؤال: ما هو ردّكم على من يقول: إنّ إمامة الشيعة جسرٌ لأدعياء النبوّة؟! ومثال ذلك الطائفة القاديانيّة التي قالت بوجوب وجود نبيّ بعد النبيّ محمّد واستخدمت نفس الأصول العقليّة التي استخدمها الشيعة لأثبات وجود إمام ؟!؟ [راجعوا كتاب إمامة الشيعة جسرٌ لأدعياء النبوة / عبد الملك بن عبد الرحمن الشافعيّ]

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

ملاحظة قبل الإجابة عن هذا السؤال، نحيط القارئ علماً بأنّنا عملنا على اختصار الإجابة قدر الإمكان، حتّى نحافظ على السياسة العامّة لهذا الموقع، ولكنّ السائل أرجعنا في سؤاله إلى كتاب يحمل مضمون هذا السؤال، ولذا كان من الصعب اختصار الإجابة أكثر ممّا هي عليه.

وبعد الرجوع إلى الكتاب المشار إليه وهو كتاب (إمامة الشيعة دعوة باطنية لاستمرار النبوّة) لعبد الملك بن عبد الرحمان الشافعيّ، وجدنا أنّ الكتاب يرتكز في دعواه على وجود تشابه بين أدلّة الشيعة على وجوب الإمام بعد النبيّ (ص) وبين أدلّة القاديانيّة على نبوّة الميرزا غلام أحمد القاديانيّ، ومع أنّ الكتاب يتكوّن من عدّة فصول إلّا أنّ الفصل الرابع والخامس هما العمدة في إثبات دعواه، أمّا الفصول الأولى ليست إلّا مقدّمات عامّة لهاذين الفصلين، ولا يسعنا في هذا المقام القيام بعرض تفصيليّ لما جاء في الكتاب، ولذا سنكتفي بالتعليق على الفصل الرابع والخامس وهما عمدة الكتاب.

وقد أراد المؤلّف نقض فكرة الإمامة من خلال الإشارة إلى الآثار الفاسدة التي تترتّب على القول بوجود إمام بعد النبيّ محمّد (ص)، فبحسب دعواه أنّ ذات الأدلّة العقليّة يمكن الاستدلال بها على استمرارّية النبوّة بعد النبيّ محمّد (ص)، أي أنّه لا يتّهم الشيعة بأنّهم مهدّوا الطريق بشكل متعمّد ومقصود للقاديانيّة، وإنّما فعلوا ذلك بشكل غير مقصود، إذء يقول: "ولا بد من التأكيد هنا أنّ هذا الكلام ليس فيه- كما قد يسيء البعض الفهم- شيء من الاتّهام لعلماء الشيعة بالتقديم والتمهيد المقصود لعقيدة استمرار النبوّة أو بالسعي المخطّط له لهدم عقيدة ختم النبوّة، بل إنّ فيه إرادة التنبيه عن الخطر الكامن في عقيدتهم الذي قد يستغلّه آخرون لبثّ عقائد أخرى فاسدة".

وهذا الكلام بذاته توهّم وخلط كبير؛ لأنّ التوظيف الخاطئ للأدلّة الصحيحة لا يعني التنازل عن تلك الادلّة، والعجيب أنّ الكاتب يشير إلى أنّ الشيعة يستدلّون على وجوب الإمامة بنفس الأدلّة التي يستدلّ بها على وجوب النبوّة، فإذا صحّ هذا - وهو صحيح - فهل نتخلّى أيضاً عن النبوّة بحجّة أنّ القاديانيّة سوف تستخدم ذات الأدلّة في إثبات نبوّة غلام أحمد القاديانيّ؟!

وعلى ذلك فالأولى أن يكون عنوان الكتاب (الأدلّة العقليّة على وجوب النبوّة دعوة باطنيّة على استحالة ختم النبوّة)، وإذا كان بالإمكان الحفاظ على هذه الأدلّة وفي نفس الوقت التأكيد على خاتميّة النبيّ محمّد (ص) كما فعل المؤلّف في الفصل الثاني والثالث، فبالإمكان أيضاً الحفاظ على أدلّة وجوب الإمامة وفي نفس الوقت التأكيد على خاتميّة النبوّة دون التخلّي عن أدلّة الإمامة.

فخلاصة ما جاء في الكتاب هو قوله: "إنّ كلاً من القاديانيّين والشيعة يسعَوْن إلى هدف واحد مشترك وهو (إثبات وجوب وجود مرشد إلهي في كلّ وقت بعد النبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وإلى قيام الساعة) وهذا المرشد إمّا أن يكون نبيّاً كما عند القاديانيّين، أو شخصاً له من الصفات ما للنبيّ - صلّى الله عليه وسلم - فهو شبيه بالنبيّ كما عند الشيعة مُمَثَّلاً بالإمام المعصوم"

وهذه الخلاصة لوحدها كافية لفكّ أيّ نوع من الارتباط بين عقيدة الشيعة في الإمامة وعقيدة القاديانيّين في نبوّة رسولهم المزعوم غلام أحمد القاديانيّ، فمضافاً إلى كون الإمامة تختلف معناً ومفهوماً واعتقاداً عن النبوّة والرسالة، فإنّ الإمامة في حقيقتها فرع للنبوّة، أيْ أنّ الإمامة ليس لها معناً متقوّماً بنفسه بخلاف النبوّة، فإثبات الإمامة متوقّف على إثبات النبوّة، في حين أنّ إثبات النبوّة لا يتوقّف على إثبات الإمامة، واللطف الإلهيّ - الذي هو دليل مشترك بين النبوّة والإمامة - لا يثبت وجوب الإمام إذا لم يثبت قبل ذلك وجود نبيّ يكون ذلك الإمام تابع له، وبالتالي كلّ الادلّة العقليّة التي يستدلّ بها الشيعة على وجوب الإمام غير دليل اللطف موقوفة في مقدّماتها على كبريات من النصوص، وبمعنى آخر حتّى يستدلّ الشيعة على وجوب الإمام المعصوم بعد النبيّ محمّد (ص) لا بدّ أن يرتكزوا في جميع استدلالاتهم العقليّة على كون النبيّ محمّد (ص) خاتم الأنبياء والرسل، وأنّ استمراريّة الرسالة من بعده موقوفة على تعيين الخليفة من بعده، وكلّ ذلك لا يمكن من دون الارتكاز على النصوص الدينيّة.

والاشتباه الذي وقع فيه صاحب الكتاب هو عدم إدراكه للفرق بين النصوص الإرشاديّة والنصوص التكليفيّة، فظنّ أنّ الاستدلال العقليّ على الإمامة عند الشيعة لا علاقة له بالنصوص، وغفل عن كون النصوص المتعلّقة بالمعارف والعقائد هي نصوص مرشدة للعقل ليس إلّا، وبعبارة أخرى: هي نصوص تثير العقول لحقائق يدركها العقل إذا التفت إليها، ومن هنا حكم الفقهاء بحرمة التقليد في الأمور الاعتقادية والمعرفيّة؛ وذلك لأنّها تستوجب حصول العلم والفهم عند المكلّف، وهذا لا يتحقّق إلّا إذا كانت تلك العقائد والمعارف مرتكزة على الحقائق العقليّة، في حين أنّ النصوص التكليفيّة نصوص تعبديّة يجب على المكلّف الامتثال لها سواءٌ عرف الحِكمة منها أم لم يعرف، وهذه النصوص تتعلّق بالأحكام والتشريعات بشكل عامّ، وضرورة الإمامة من الحقائق التي يستقلّ العقل بإدراكها، والنصوص التي ترد في شأنها هي نصوص إرشاديّة تنبّه العقل وتذكّره، وهو قول أمير المؤمنين (ع) في وصف مهمّة الانبياء: "ويثيروا لهم دفائن العقول".

وعليه: فإنّ الاستدلال العقليّ على الإمامة لا يقدح في كون الإمامة أصل دينيّ أمر بها الله تعالى، وهذا ما غاب عن المؤلّف ولذا نجده عقد الفصل الرابع بتمامه للحديث عن كون الإمامة عند الشيعة تستند على العقل وليس على الشرع.

فقد جاء الفصل الرابع تحت عنوان (أهم الأصول العقليّة التي اعتمدها علماء الشيعة)، إذْ يقول: وإليك أهمَّ أصلين اعتمدهما علماء الشيعة في قضيّة الإمامة والعقائد والتي سنعتمدهما في دراستنا هذه وهما: الأصل الأوّل: قالوا بوجوب وجود إمام معصوم يهدي الناس في كلّ زمان وإلى قيام الساعة، واستدلّوا على هذا الأصل بالعقل أصالة، وبالنقل تأييداً واعتضاداً، أي الأساس في استدلالهم والأصل هو العقل وليس النقل، وإليك بيان ذلك من أقوالهم: ... ثمّ يذكر بعض أقوال علماء الشيعة في ذلك..

الأصل الثاني: إذا تعارض العقل مع النقل يقدّم العقل ويؤوّل النقل إن كان له تأويل سائغ، ويطرح إن لم يكن له تأويل سائغ، ومقصودهم بالعقل أي الدليل العقليّ، والنقل أي الدليل النقليّ-الكتاب والسنّة- وإليك بيان مختصر لهذا الأصل من أقوالهم.. ثمّ يذكر بعض اقوال علماء الشيعة.

وبذلك ينتهي الفصل الرابع من دون أن يقدّم أيّ نقد لهذه الأصول أو يشير إلى أيّ ارتباط بين الإمامة وعقيدة القاديانيّة، مع أنّ هذا الفصل خصّص للأصول العقليّة المشتركة بين الاماميّة والقاديانيّة.

ثمّ ينتقل للفصل الخامس الذي هو عبارة عن مناظرة بين شيعيّ وقاديانيّ، وقبل أن يدخل في مجريات هذه المناظرة يقول: " فالاتّفاق حاصل بينهم على أصل القضيّة، وإنّما وقع الخلاف بينهم في فرعها متمثّلاً باسم هذا المرشد الإلهيّ، وهل هو نبيّ على قول القاديانيّين أو إمام على قول الشيعة ... ومن أجل أن نفهم بوضوح أكثر سبب هذا التوافق الجوهريّ بين أصحاب هاتين العقيدتين ونعرف سرَّه، لا بدّ لنا أوّلاً من الوقوف على حقيقتين هامّتين هما:

الأولى: أنّ كلّ دليل عقليّ يثبت وجوب بعثة الأنبياء على الله تعالى لهداية الخلق قد اقتبسه الشيعة واستخدموه لإثبات معتقدهم على وجوب نصب الأئمّة على الله تعالى لتحقيق الغرض نفسه -هداية الخلق.. ثمّ يذكر بعض أقوال علماء الشيعة في ذلك.

وهذا الكلام ليس إلّا تأكيد على المدّعى من دون بيان أيّ دليل عليه، ويسمّى ذلك في المغالطات المنطقيّة (مصادرة على المطلوب)، فالقول: إنّ أصل القضيّة واحدة مصادرة على المطلوب، أو هو تأكيد للمدّعى، ولكن بعبارات أخرى، والأمر الآخر كيف يكون أصل القضيّة واحد، والاختلاف فقط في المسمّى، وكأنّه يشير إلى وجود ترادف بين كلمة إمام وكلمة نبيّ، وهذا الأمر لم يقل به إنسان، فالنبوّة كلمة لها محمولها العقائديّ والدلاليّ الخاصّ وكلمة إمام لها محمول ودلالة أخرى تماماً، وعليه كيف يكون أصل القضيّة واحد، والقضيّة الأولى تثبت وجوب الإمام، والقضيّة الثانية تثبت وجوب النبيّ؟

والأمر الآخر نجد أنّ المؤلّف عمّم الكلام عندما تحدّث عن الأدلّة العقليّة المشتركة بين الإمامة والنبوّة فقال: "إنّ كلّ دليل عقليّ يثبت وجوب بعثة الأنبياء على الله تعالى لهداية الخلق قد اقتبسه الشيعة واستخدموه لإثبات معتقدهم على وجوب نصب الأئمّة"، في حين أنّ الدليل المشترك في هذا الشأن هو دليل واحد وهو ما يسمّى بدليل (اللطف الإلهيّ) أيْ أنّ الله لطيف بعباده لا يمكن أن يتركهم من دون هداية، فيبعث لهم الأنبياء ويُسخّر من بعدهم من يحافظ على رسالة الانبياء، ولا فرق في هذا الشأن بين من يقول: من يحافظ على رسالة النبيّ هم الأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام)، وبين من يقول: إنّ من يحافظ عليها هم الصحابة وعلماء الأمّة، فدليل اللطف هو ذاته الحاكم في المسألتين، فمن لطف الله على الأمة أن يسخّر لها من يحافظ على الرسالة من بعد رسولها، فقالت الشيعة: إنّ الأئمّة من أهل البيت (ع) هم الذين يقومون بهذا المهمّة، وقالت السنّة: إنّ الصحابة والعلماء هم من يقوموا بهذه المهمّة، وهو جوهر الخلاف، ولا علاقة لذلك بالقاديانيّة أو بمدّعي النبوّة من قريب أو بعيد.

ثمّ يقول: "الثانية: في مقام الحوار والمناظرة، فإنّ كلّ دليل استخدمه الشيعة على وجوب استمرار الإمامة سيستخدمه القاديانيّ على وجوب استمرار النبوّة.

والملاحظ في هذا الكلام أنّه لا وجود لأيّ فرق بين الأدلّة التي توجب الإمامة وبين الأدلّة التي توجب استمرارها، فدليل وجوبها هو نفسه دليل استمرارها، وبمعنى آخر: فإنّ كون الإمامة واجبة بعد النبيّ، فإنّ وجوبها لا يكون مختصّاً بزمن دون آخر، فوجوبها لا يرتفع إلّا إذا بعث الله نبيّاً آخر، ولأّن النبوّة قد ختمت بعد النبيّ محمّد (ص) فحينها لا يحكم العقل بوجوب استمرارها، فالذي غفل عنه المؤلّف هو أنّ تحديد شخوص الأئمّة وعددهم موقوف على النصوص الدينيّة، وبالتالي لا يمكن الحديث عن استمرارية الإمامة عند الشيعة دون الحديث عن الواقع الخارجيّ للإمامة، وعليه فإنّ استمراريّة الإمامة مرهون بمن عيّنهم الله تعالى ونصّبهم على الخلق، وهذا لا يمكن الوصول إليه بالعقل، وإنّما يحتاج إلى بيان الشرع، ومن هنا نجد أنّ الشيعة يستدلّون بالنصوص الصحيحة على أنّ الأئمّة من بعد رسول الله (ص) اثنا عشر خليفة، وبذلك يتّضح أنّ وجوب الإمام ليس أمراً مفتوحاً على الفراغ، وإنّما خاصّ في اثني عشر خليفة، تمّ تحديدهم وتعينهم سلفاً، فكيف بعد ذلك تكون أدلّة الشيعة على استمرارية الإمامة صالحة للقاديانيّة؟

أما إذا كان يشير إلى دليل اللّطف الذي أشرنا إليه سابقاً، فإنّ هذا الدليل ليس خاصّاً بالإمامة وإنّما يشمل أيضاً أيّ خيار أخر له علاقة بحفظ الرسالة وضرورة استمرارها.

ثمّ يذكر الكتاب تفاصيل هذه المناظرة المفترضة، ونحن لو تتبّعنا هذه المناظرة وعلّقنا عليها لطال الجواب أكثر ممّا عليه الآن، ولذا سنشير إلى نقطة واحدة تهدم كلّ ما جاء في هذه المناظرة.

يقول القاديانيّ: إنّ العقل يحكم بوجوب استمرار النبوّة ووجود نبيّ في كلّ زمان إلى قيام الساعة.. ثمّ يعلّق المؤلّف في الهامش بقوله: "هذا الاستدلال للقاديانيّ يستطيع أن يُلزم به الإماميّ، لأنّه اشترك معه بنفس الأصل وهو الاعتداد والاعتماد على الدليل العقليّ سواء وافقه الشرع أم لا.

وهذا خلط وجهل واضح بأقوال الشيعة فيما بحثوه في باب التعارض بين العقل وظواهر النصوص، فالعقل عند الشيعة لا يعارض النصوص القطعيّة، وما يبدو أنّه تعارض فإمّا أن يكون لوجود خطأ في مقدّمات الدليل العقليّ أو لخطأٍ في فهم ظواهر النصوص، فإذا كان الدليل الشرعيّ نصّاً قطعيّاً في المقام، فإنّ دليل العقل الذي يعارضه خطأ حتماً، أيْ أنّ هناك قصوراً ما في دليل العقل، وأمّا إذا كان دليل العقل دليلاً قطعيّاً، وكان دليل الشرع ليس نصّاً قطعيّاً في المقام، فحينها لا يجوز ردّ النصّ الشرعيّ وإنّما يجب فهمه بما يتوافق مع دليل العقل، هذا خلاصة الكلام في المسألة، وليس هناك قاعدة كلّيّة عند الشيعة تقول بتقديم دليل العقل مطلقاً على النصوص.

والنصوص الحاكمة بخاتميّة نبوّة النبيّ محمّد (ص) من النصوص القطعيّة في المقام، بالتالي يكفي الشيعيّ في حواره مع القاديانيّ القول بأنّ الله تعالى ختم النبوّة بالنبيّ محمّد (ص) ولا نبيّ بعده، كما هو حال أهل السنّة في إجابتهم على نفس هذا الإشكال، ولا فرق بين الشيعيّ والسنّيّ في هذا المقام، فكليهما يؤمنان بحجّيّة النصّ القرآنيّ في خاتميّة النبيّ محمّد، وفي نفس الوقت كليهما يقولان بدليل العقل على وجوب بعث الأنبياء، وإلّا كيف صدّقوا بالأنبياء من الأساس إذا لم يكن عندهم مرتكز عقليّ يقول بوجوب بعث الانبياء لهداية الناس؟

والأمر الآخر: حتّى لو سلّمنا جدلاً بالفهم الذي أراد المؤلّف تمريره، هو أنّ الشيعة يعتمدون على العقل دون الشرع، فإنّ دليل العقل على وجوب استمرار النبوّة يحكم باستمرارها بشرط توفّر المقتضي وانتفاء المانع، فكلّ وجوب - علقيّاً كان أم شرعيّاً - له مقتضيات وله موانع، فإذا توفّر المقتضي وارتفع المانع تحقّق الوجوب، إمّا إذا انتفى المقتضي أو توفّر المانع لا يمكن أن نحكم بالوجوب، فمقتضى بعث الأنبياء هو اللطف الإلهيّ بهداية الخلق، فإذا كانت الهداية متحقّقة انتفى المقتضي، وتبعاً لذلك انتفى حكم العقل بوجوب بعث الأنبياء، فأصل الهداية في أمّة النبيّ محمّد (ص) قد تحقّقت ببعثته المباركة وبوجود القرآن الذي تكفّل الله بحفظه، فأصل الهداية التي توجب على العقل الحكم بضرورة بعث الأنبياء هو هدايتهم إلى معرفة الله وأنّ هناك حساباً وعقاباً وسؤالاً في يوم القيامة، والمتتبّع للقرآن الكريم يجده من أوّله إلى آخره يقوّم نقطة مركزيّة وهي الدعوة إلى توحيد الله تعالى والإيمان باليوم الآخر، وهذا المقدار من الهداية متحقّق في هذه الأمّة، ولذا لا يحكم العقل بضرورة بعث نبيّ آخر بعد النبيّ محمّد (ص)، فأصل الإيمان بالله وباليوم الآخر الذي كان غائباً في الأمم السابقة قد تحقّق في هذه الأمّة، ويبقى الكلام عن درجات الهداية ومنازل الإيمان والوصول إلى الكمال الذي اراده الله للمسلم، فإنّ ذلك لا يحتاج إلى أكثر من إمام معصوم يقود الناس إلى الفهم الصحيح في جميع المسائل المتعلّقة بالإسلام بعد فراغهم من الإيمان بالله واليوم الآخر، قال تعالى: ﴿قالت الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئاً إنّ الله غفورٌ رحيمٌ﴾، فالإيمان بالله وبالرسول يحتاج إلى طاعة تفصيليّة لكلّ ما أُمروا به، وبيان ذلك يحتاج إلى إمام معصوم يكشف لنا عن مراد الله على وجه الدقّة والحقيقة، ولذا تقول الشيعة: إنّ طاعة الله ورسوله لا تكتمل إلّا بطاعة أولي الأمر من بعد رسول الله (ص) قال تعالى: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾، ولا نريد هنا الدخول في تفاصيل ذلك، إنّما يكفي أن نقول: إنّ اختلاف الشيعة مع غيرهم في أنّ الإمامة مكمّلة للإيمان بالله والإيمان بالرسول، فلا يكفي أن يقول المسلم أنّه مطيع لله وللرسول دون الطاعة لأولي الأمر، ومن هنا نفهم الحديث الصحيح المعروف بين جميع المسلمين، بلفظ قال رسول الله (ص): "من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية" (اخرجه أبو يعلى (7375)، وابن حبان (4573)، والطبراني (19/388) (910) وأخرجها الطبراني (19/334)

والفرق بين الشيعة والسنّة في ذلك ليس في ضرورة وجود هذه الإمام وإنّما في تحديد هويّته فقط، فالسنّة تقول: إنّ أولي الأمر كلّ من يحكم المسلمين برّاً كان أو فاجراً، في حين تقول الشيعة: إنّ أولي الأمر هم الأئمّة المعصومين الذين بطاعتهم نكون قد أطعنا الله تعالى.

ومضافاً إلى ذلك يمكننا اعتبار حكم الله بختم النبوّة من الموانع التي تمنع وجود نبيّ بعد النبيّ محمّد (ص) الذي به ختمت النبوّة، ولأنّ الله قد صرّح بخاتميّة النبوّة بعد النبيّ محمّد (ص) فإنّ ذلك يصبح مانعاً من حكم العقل باستمرار النبوّة بعد النبيّ محمّد (ص).

وبذلك ينهي الشيعيّ النقاش مع القاديانيّ كما ينهيه السنّي أيضاَ، ولا داعي لكلّ هذا الكتاب الذي يقوم على هذه الأمر الواضح البطلان.