شكوى فاطمة على الامام علي عند الرسول!!

المجلسي في جلاء العيون بالفارسية وترجمته بالعربية: (قال الإمام محمد الباقر عليه السلام في كشف الغمة بأنه اشتكت يوما فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أن عليا ما يأتيه من الأموال يقسمها بين الفقراء والمساكين؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أتريدين أن أسخط أخي وابن عمي؟ اعلمي أن سخطه سخطي وسخطي سخط الله، فقالت فاطمة: إني أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله) حسب الرواية الشيعية فاطمة كانت تكره من سيدنا علي رضي الله عنه إنفاقه المال على الفقراء والمساكين حتى تشتكيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم! هل هذا ممكن وهي الكريمة بنت الكريم وعجبا للشيعة كيف يروون مثل ذلك

: فريق اللجنة العلمية

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

{الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}

[أولاً]: ما نقله السائل عن كتاب جلاء العيون للمجلسي، فيه اختلاف قليل مع نصِّ الرواية في المصادر الأصلية.

ولعل هذا الاختلاف ناشئ عن: ترجمة النصِّ من لغة إلى لغة، أو غلط النسخة .. والأمر سهل.

والنصُّ الأصلي مرويٌّ هكذا:

«عن أبي جعفر (ع)، قال: شكتْ فاطمة (ع) إلى رسول الله (ص) علياً (ع) .. فقالت: يا رسول الله، لا يدع شيئاً من رزقه إلا وزَّعه بين المساكين! فقال لها: يا فاطمة، أتسخطيني في أخي وابن عمي؟ إن سخطه سخطي، وإن سخطي سخط الله (عز وجل)! فقالت: أعوذ بالله من سخط الله، وسخط رسوله!».

كما نقله المجلسي في بحار الأنوار: ج٤٣/ ص١٤٢/ ح٣٧، عن كشف الغمة للشيخ الإربلي، وهو فيه: ج٢/ ص١٠١.

ونقله بموضع آخر من بحار الأنوار: ج٤٣/ ص١٥٣/ ح١١، عن مصباح الأنوار للشيخ هاشم بن محمد، وهو فيه: ص١٩٧.

إلا أنه فيه: «عن جعفر بن محمد»، بدل: «عن أبي جعفر». أي: الإمام الصادق (ع)، بدل الإمام الباقر (ع).

وليس فيه الجملة الأخيرة: «فقالت: أعوذ بالله من سخط الله، وسخط رسوله!».

ولعل سبب هذا الاختلاف: سوء النسخة، أو خطأ الناسخ، أو اشتباه النقل.

[ثانياً]: المصدران الأصليان لهذه الرواية هما:

١- كشف الغمة للشيخ علي بن عيسى الإربلي.

٢- ومصباح الأنوار للشيخ هاشم بن محمد.

* أما كشف الغمة:

قال عنه المجلسي في مقدمة البحار: ج١/ ص١٠، «وكتاب كشف الغمة: للشيخ الثقة الزكي علي بن عيسى الإربلي».

إلى أن قال: ج١/ ص٢٩، «وكتاب كشف الغمة: من أشهر الكتب، ومؤلفه من العلماء الإمامية المذكورين في سند الإجازات».

والحق ما قاله المجلسي، فإن الإربلي وكتابه مشهوران بين الشيعة قديماً وحديثاً.

وللتفاصيل يمكن مراجعة:

- رياض العلماء: ج٤/ ص١٦٦.

- أمل الآمل: ج٢/ ص١٩٥/ ت٥٨٨.

- روضات الجنات: ج٤/ ص٣٤١.

- الذريعة: ج١٨/ ص٤٧/ ت٦١٩.

* وأما مصباح الأنوار:

فيرويه المجلسي عن مؤلفه بالوجادة لا بالإسناد، وذكره ضمن مصادر كتابه بحار الأنوار.

قال في مقدمة البحار: ج١/ ص٢١، «وكتاب مصباح الأنوار في مناقب إمام الأبرار (ع): للشيخ هاشم بن محمد، وقد يُنسب إلى شيخ الطائفة، وهو خطأ. وكثيراً ما يروي عن الشيخ شاذان بن جبرئيل القمي، وهو متأخر عن الشيخ بمراتب».

إلى أن قال: ج١/ ص٤٠، «وكتاب مصباح الأنوار: مشتمل على غرر الأخبار، ويظهر من الكتاب: أن مؤلفه من الأفاضل الكبار، ويروي عن الأصول المعتبرة، من الخاصة والعامة».

ثم يوجد كلام بين علمائنا في نسبة هذا الكتاب لمؤلفه:

• فقد نسبه جماعة للشيخ الطوسي، مثل:

- السيد الاسترابادي بتأويل الآيات: ج١/ ص١٠٥/ ح١٠.

- والسيد ابن نعمة الله بكنز المطالب: ج١/ ص٤٧.

- والسيد هاشم البحراني بمدينة المعاجز: ج١/ ص٥٦.

- والشيخ أحمد شكر بالكشكول، كما بهامش البحار: ج٣٠/ ص٢٧٣، نقلاً عنه.

• ونسبه جماعة للشيخ هاشم بن محمد، مثل:

- الشيخ المجلسي في بحار الأنوار: ج١/ ص٢١.

- والشيخ العاملي بأمل الآمل: ج٢/ ص٣٤١/ ت١٠٥٠.

- والسيد الكنتوري بكشف الحجب: ص٥٢٦/ ت٢٩٦١.

- والشيخ الطهراني بالذريعة: ج٢١/ ص١٠٣/ ت٤١٣٦.

والحق نسبة الكتاب للشيخ هاشم بن محمد، لكن الشيخ وكتابه مغموران، فلم ينقل عنهما أحدٌ قبل القرن العاشر، بالرغم من لطافة محتوى الكتاب، كما أن نُسخه قليلة.

بأيِّ الأحوال، هذه الرواية المنقولة، مشتركة بين الكتابين: كشف الغمة، ومصباح الأنوار، وبينهما اختلاف أشرنا إليه.

ويبدو أن الشيخ هاشماً أعلى طبقة من الشيخ الإربلي، فالأول من القرن السادس، والثاني من القرن السابع.

ولعل الثاني اقتبس عن الأول ـ مباشرة، أو بواسطة ـ لكن دون أن يسمِّيه، لأن بعض نصوصهما متشابهة في السَّرد والترتيب والمصادر لدرجة التطابق!

ومنها: الرواية محل الكلام، فإنها وما قبلها وما بعدها في كتابَيْهما بشكل متطابق، إلا بعض الكلمات اليسيرة!

[ثالثاً]: هذه الرواية في كلا المصدرَيْن الرئيسَيْن مرسلة، لا سند ولا مستند لها، فلا يُعرف رواتها، ولا يُعرف مصدرها.

مضافاً لغرابتها ونُدرتها، وتفرُّد المؤلفَيْن بروايتها .. فهي ليست بمعتبرة، ولا يصح الاحتجاج بها على الشيعة!

ثم إن المؤلفَيْن بكتابَيْهما، ينقلان رواياتهما غالباً من كتب السُّنة، لا من كتب الشيعة .. فليُراجع القارئ مصادرهما ليبين له ذلك بوضوح.

يؤكد هذا، الإربلي في مقدمة كشف الغمة: ج١/ ص٤، قال: «واعتمدتُ ـ في الغالب ـ النقل من كتب الجمهور، ليكون أدْعَى إلى تلقِّيه بالقبول».

فلماذا تُنسب هذي الرواية للشيعة؟! ولا تُنسب للسُّنة؟! بالرغم من توفر الظروف الموضوعية لذلك!

وجودها في كتاب شيعي لا يعني بالضرورة أنها شيعية، كيف؟ وهذان الكتابان مشحونان من الروايات السُّنية! فلماذا لا تكن هذه من تلك؟!

[رابعاً]: يجوز أن يكون معنى هذه الرواية: أن الصدِّيقة الطاهرة (ع)، شكتْ زوجَها أمير المؤمنين (ع)، لأبيها رسول الله (ص)، شكايةَ شفقة ورحمة، لا تبرُّم وتضجُّر.

لأنه (ع) يحمل بين جنبيه مشاريع إلهية وإنسانية عظمى، ويعطيها كلَّ جهده وطاقته، حتى بات يُنهك قواه معها، ولا يبالي بما يجري عليه لأجلها.

تماماً مثلما تشتكي المرأة من كثرة عمل أو دراسة الرجل، وعدم اهتمامه لراحته وصحته بالشكل المناسب، تشتكيه عطفاً ورقَّة له، لا تأفُّفاً وسآمة منه.

وهذا ملاحظ بوضوح في كثير من البيوتات والمجتمعات.

فأجاب رسولُ الله (ص) ابنتَه (ع): بأن أقوال وأفعال عليٍّ (ع) بأيِّ شاكلة كانت، ما توجب الشكوى، لأنها في رضاي ورضا الله (تعالى)، ولا يمكن أن يصدر عنه ما يسخطني ويسخط الله (سبحانه)، فرضاه رضانا، وسخطه سخطنا.

هذا التوجيه للرواية ينسجم مع الروايات الكثيرة بمصادر المسلمين ـ شيعة، وسنة ـ فمنها مثلاً:

ما رواه أبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء: ج١/ ص٦٨، وغيره في غيره، ونكتفي ها هنا به ..

* عن أبي سعيد الخدري، قال: «شكى الناسُ علياً، فقام رسول الله (ص) خطيباً، فقال: يا أيها الناس، لا تشكوا علياً، فوالله إنه لأُخَيْشِنٌ في ذات الله (عز وجل)!».

* وعن كعب بن عجرة، قال: «قال رسول الله (ص): لا تسبُّوا علياً، فإنه مَمْسُوسٌ في ذات الله (تعالى)!».

أي: أن علياً (ع) من فَرْطِ حبِّه لله (تبارك)، كثيراً ما يمسُّه الأذى والشدة في سبيل رضاه وقربه (سبحانه).

كما يجوز أن يكون مفاد هذه الرواية لهدف تعليمي بحت، كأن يريد النبيُّ وابنتُه (ص) تربية الأمَّة على التسليم لوليِّ الله (ع) مطلقاً، وعدم الاعتراض عليه في شيء، لأن رضاه رضا الله ورسوله، وسخطه سخط الله ورسوله.

[خامساً]: لا يمكن للزهراء البتول (ع) أن تكره ما يقوله أو يفعله أمير المؤمنين (ع)، وأن تعترض عليه، وأن تُسخطه وتُسخط الله ورسوله فيه!

 

لأن بيتهما من أقدس البيوت، وعلاقتهما من أقدس العلاقات، وهي من أعلم الناس بهَدْيِه وسَمْتِه، وهي شريكته في جهاده في سبيل الله بالنفس والنفيس.

حتى خلَّد الله (سبحانه) مواقفهما الكريمة، في قرآن يتلى آناء الليل وأطراف النهار ..

* قال (تعالى): {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر - الآية ٩].

روى الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل: ج٢/ ص٣٣١/ ح٩٧٢، عن أبي هريرة، قال: «إن رجلاً جاء إلى النبي (ص)، فشكا إليه الجوع! فبعث (ص) إلى بيوت أزواجه، فقلنَ: ما عندنا إلا الماء! فقال (ص): من لهذا الليلة؟ فقال عليٌّ: أنا يا رسول الله! فأتى فاطمة فأعلمها، فقالت: ما عندنا إلا قوت الصِّبية، ولكنَّا نؤثر به ضيفنا! فقال عليٌّ: نوِّمي الصِّبية، وأنا أطفئ السراج للضيف، ففعلتْ. وعشَّوا الضيف، فلما أصبح أنزل الله فيهم هذه الآية: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ}».

* وقال (تعالى): {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان - الآية ٨].

روى الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل: ج٢/ ص٤٠٣/ ح١٠٥٣، عن ابن عباس، «في قوله (تعالى): {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}، قال: أنزلتْ في عليٍّ وفاطمة، أصبحا وعندهم ثلاثة أرغفة، فأطعموا مسكيناً ويتيماً وأسيراً، فباتوا جياعاً، فنزلتْ فيهم هذه الآية».

وبعد هذا .. هل يُعقل أن تنزعج سيدة نساء العالمين (ع) من إنفاق أمير المؤمنين (ع) في سبيل الله (تعالى)؟! وأن تشتكيه إلى رسول الله (ص)؟!