لماذا يشتهر خبر ضرب الزهراء عند الإمامية دون غيرهم؟
السؤال: لماذا خبر ضرب الزهراء (عليها السلام) وإسقاط جنينها مشهور عند الإمامية من الشيعة فقط، يقول الشيخ الطوسي: «المشهور الذي لا خلاف فيه بين الشيعة: أنَّ عمر ضرب بطن فاطمة حتَّى أسقطت، فسُمِّي السَّقط محسناً، والرواية بذلك مشهورة عندهم». لماذا الخبر مشهور فقط عند الإمامية من الشيعة، لماذا لم يشتهر أو يتواتر عند الإسماعيلية والزيدية، وغيرهم من فرق الشيعة؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
للجواب عن هذا التساؤل نذكر عدَّة جهات.
الجهة الأولى: لا يخفى أنَّ الزيدية والإسماعيلية قد حُرموا من تراثِ وروايات عددٍ من الأئمَّة المعصومين (عليهم السلام)، فقد حُرم الزيدية من تراث (ثمانية) من الأئمَّة (عليهم السلام)، كما حُرم الإسماعيلية من تراث (ستة) منهم، وبذلك اختصَّ الإمامية بأخبارٍ أكثر من غيرهم في هذا المجال وغيره.
الجهة الثانية: إنَّ تحقق الشهرة أو التواتر في مسألةٍ من المسائل لا يعني علم الجميع فيها، لعدم الملازمة بين حصول الشهرة أو التواتر وتحقق العلم بهما، فأنَّ مَن لم يعلم بالقضية مثلاً، أو علم بها ولكنَّه لم يعتقد بتحقق الشهرة أو التواتر فيها ـ لأجل قلَّة المخبرين في نظره مثلاً، أو غير ذلك من مُوجِبات عدم تحقق الشهرة أو التواتر ـ فهذا وإنْ لم يتحقق التواتر أو الشهرة عنده إلَّا أنَّه لا ينفي وجودهما بالفعل، فمثلاً لو اعتقد اليهودي أو النصراني أو غيرهما بعدم تواتر القرآن الكريم، فهل هذا ينفي صفة التواتر عن القرآن فعلاً؟
قال الشيخ محمَّد صنقور البحراني في باب التواتر ما هذا نصُّه: (إنَّ القضايا المتواترة وإنْ كانت موجبة لليقين بوقوعها خارجاً إلَّا أنها إنما توجب اليقين لمن وقف عليها واطَّلع على عدد المخبرين بها، وأمَّا من لم يتفق له ذلك، فإنه لن يكون على يقين بثبوتها، بل قد لا يكون ممن سمع بها أساساً، ومن ذلك يتَّضح أنَّ تواتر القضية لا يلازم وضوحها عند الجميع، فهي إنما تكون واضحة لمن سمع بالقضية ووقف على عدد من أخبر عنها) [تواتر النص على الأئمَّة ص44].
وبناءً على هذا، فعدم علم البعض بضرب السيِّدة الزهراء (عليها السلام) وإسقاط جنينها من قبل القوم لا يعني عدم تحقق التواتر أو الشهرة في ذلك، لما تقدَّم آنفاً من عدم الملازمة بين تحقق التواتر أو الشهرة والعلم بهما.
الجهة الثالثة: إنَّ ميل الزيدية وغيرهم عن منهج أهل البيت (عليهم السلام) جعلهم ينكرون الظلامة للسيِّدة الزهراء(عليها السلام)، فهذا الحافظُ أبو عبد الله العلوي من الزيدية، يروي بإسناده عن يحيى بن سلمة، قال: أخبرني أبي، عن أبي الحسين زيد بن علي، قال: قلتُ له: (إنَّ الناس يزعمون أنَّ فاطمة لُطِمَت؟ قال: كانت أكرم على أهلها منْ ذلك يا أبا يحيى) [تسمية مَن روى عن الإمام زيد بن علي ص24]. وأمَّا الإسماعيلية فهي من الفرق الباطنية فلم نعرف لهم رأي في هذه المسألة.
ولعلَّ من أجل هذا ـ أو غيره ـ ورد في أخبارنا الشريفة ما يدلُّ على ذمِّهم والطعن فيهم، والتحذير منهم، من ذلك.
1ـ ما رواه الكليني(طاب ثراه) بسنده عن عبد الله بن المغيرة قال: (قلتُ لأبي الحسن (عليه السلام): إنَّ لي جارين، أحدهما ناصب، والآخر زيدي، ولابدَّ من معاشرتهما، فمن أعاشر؟ فقال: «هما سيَّان، من كذَّب بآية من كتاب الله فقد نبذ الإسلام وراء ظهره، وهو المكذِّب بجميع القرآن والأنبياء والمرسلين» قال: ثمَّ قال: «إنَّ هذا نصب لك، وهذا الزيدي نصب لنا») [الكافي ج 8 ص 235].
2ـ وما رواه شيخنا الطوسي(طاب ثراه) بسنده عن عمر بن يزيد قال: (سألته عن الصدقة على النصَّاب وعلى الزيدية قال: «لا تصدق عليهم بشيء، ولا تسقهم من الماء إنْ استطعت، وقال: الزيدية هم النصَّاب») [تهذيب الأحكام ج 4 ص 53].
3ـ وما رواه شيخنا النعماني (طاب ثراه) في قصَّة موت إسماعيل بن الإمام الصادق (عليه السلام)، ونصُّه: (عن زرارة بن أعين، أنه قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) وعن يمينه سيِّد ولده موسى (عليه السلام) وقدامه مرقد مغطَّى، «فقال لي: يا زرارة، جئني بداوود بن كثير الرقي، وحمران، وأبي بصير»، ودخل عليه المفضَّل بن عمر، فخرجتُ فأحضرت من أمرني بإحضاره، ولم يزل الناس يدخلون واحداً إثر واحد حتَّى صرنا في البيت ثلاثين رجلاً، فلما حشد المجلس «قال: يا داوود، اكشف لي عن وجه إسماعيل»، فكشفتُ عن وجهه. «فقال أبو عبد الله (عليه السلام): يا داوود، أحيٌّ هو أم ميت؟» قال داوود: يا مولاي، هو ميت، فجعل يعرض ذلك على رجل رجل حتَّى أتى على آخر من في المجلس...«فقال: اللهم اشهد واشهدوا، فإنه سيرتاب المبطلون، يريدون إطفاء نور الله بأفواههم ـ ثمَّ أومأ إلى موسى (عليه السلام) ـ والله متمُّ نوره ولو كره المشركون»، ثمَّ حثونا عليه التراب، ثمَّ أعاد علينا القول، «فقال: الميت المحنَّط المكفَّن المدفون في هذا اللحد من هو؟» قلنا: إسماعيل. «قال: اللهم اشهد، ثمَّ أخذ بيد موسى (عليه السلام)، وقال: هو حقٌ، والحق منه إلى أنْ يرث الله الأرض ومن عليها») [الغيبة للنعماني ص٣٤٥].
والنتيجة من كلِّ ما تقدَّم: أنَّ عدم علم الزيدية وغيرهم أو إنكارهم لمسألة ضرب الصدِّيقة الزهراء (عليها السلام) لا ينفي تحقق الشهرة فيها.. والحمد لله ربِّ العالمين.
اترك تعليق