هل وردت رواية في جرح السيِّدة الزهراء(عليها السلام) بالمسمار؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

لا يخفى أنَّ الصدِّيقة الزهراء (عليها السلام) قد ظُلمت ورُوِّعت من قبل القوم، ومنها جرحها في مسمار الباب، حيث روي في كتاب مؤتمر علماء بغداد ما نصُّه: (وجمع [الثاني] الحطب على باب بيت فاطمة...وأحرق الباب بالنار، ولما جاءت فاطمة خلف الباب، لتردَّ [الثاني] وحزبه، عصر [الثاني] فاطمة بين الحائط والباب عصرةً شديدة قاسية، حتَّى أسقطت جنينها، وأنبت مسمار الباب في صدرها) [يُنظر: مؤتمر علماء بغداد ص50].

والظاهر أنَّ هذا الكتاب المذكور هو المصدر الأساسي لهذا الخبر، ولذلك يكون البحث فيه في عدَّة أمور.

الأمر الأوَّل: لقد بيَّن بعض الأعلام أهمية الكتاب المذكور ومدى إمكان التعويل عليه، فمن هؤلاء مثلاً:

1ـ السيِّد المرعشي، ونصُّه: (ومن أحسنها [يعني: كتب المناظرات] وأجودها في سلاسة العبارة، وجزالة القوالب، ورصانة المطالب، ومتانة المآرب، واتقان الأدلَّة والمستندات، كتاب مؤتمر علماء بغداد، فإنه مع صغر حجمه، وخفَّة جرثومته، وقلَّة وزنة، حاوٍ لأمور هامَّة مُهمَّة من مناظرات جرت بين عالم شريف علوي شيعي، وعالم قرشي عبَّاسي سني في بغداد، بمحضر السلطان ملكشاه السلجوقي) [مُقدِّمة مؤتمر علماء بغداد ص2].

2ـ والدكتور حامد حفني داوود، ونصُّه: (هذا الكتاب الذي نقدِّمه للقراء، يُعتبر على الرغم من ضآلة حجمه، من أعظم الكتب التي تعطينا صورة واضحة المعالم لهذا الصراع العنيف الذي كان بين الشيعة وأهل السنة في القرن الخامس الهجري، وهو صراعٌ عقدي يقوم على أساسٍ من الحجج والبراهين، وطرح العويص من المشكلات عن الطائفتين، ابتغاء نيل كلِّ طائفةٍ من أختها ما تُريد من غلبةٍ وانتصار) [مؤتمر علماء بغداد ص15، تحقيق السيِّد الرضوي].

والمتحصَّل من هذا الكلام، هو أنَّ هذا الكتاب المذكور من الكتب القيِّمة والمهمِّة في مجال المناظرات والحوارات العقدية.

الأمر الثاني: من المعلوم أنَّ الخبر إذا احتفَّ ببعض القرائن القويَّة، فقد يحصل الجزم أو الاطمئنان بصحَّته واعتباره تبعاً لتلك القرائن، وهو ما يُسمَّى بالخبر المعتبر لغيره، ومنه خبر المسمار هذا، فمن تلك القرائن:

1ـ إنَّ الملاحَظ في الهجوم على بيت الزهراء (عليها السلام) هو العُنفُ والإرهابُ والقسوة، كأمثال حرق الباب، وضرب الصدِّيقة، وإسقاط الجنين، وغير ذلك من مظاهر القوَّة والعنف. وعليه، يكون خبر المسمار أمراً طبيعياً في خِضمِّ تلك الأحداث الدامية والمؤلمة، كما هو واضحٌ عند أهل الإنصاف.

2ـ إنَّ من المعروف عن طبيعة الهاجِم هو الغِلظة، والجفاف، والعنجهية، والبغض لأهل البيت (عليهم السلام)، مما يُصيِّر خبر المسمار أمراً منسجماً مع تلك الصفات التي يحملها الرجل وزمرته الهاجمة، كما لا يخفى.

3ـ إنَّ خبر المسمار هذا قد تلقَّاه بعض الأعلام بالقبول، أمثال الفقيه الشيخ محمَّد حسين الأصفهاني (قدِّس سرُّه) [يُنظر: الأنوار القدسية ص26] وغيره من الأعلام. ومن البين أنَّ قبوله من قِبل هؤلاء الأعلام يُعدُّ من القرائن المهمَّة لهذا الخبر.

والمتحصَّل من كلِّ هذا، هو أنَّ خبر (المسمار) من الأخبارِ المحفوفةِ بالقرائن الموجبة لحصول الاطمئنان بحقانية مضمونه.

الأمر الثالث: قد يشكل البعض على هذا الخبر بأنَّ المسامير لم تكن معروفة آنذاك، مما يعني عدم صحَّة هذا الخبر من الأساس؟ ولكنَّه وهمٌ، إذ قد ثبت في بعض الأخبار وجود المسامير في تلك العصور، نذكر بعضاً منها.

1ـ ففي البحار عن أنس بن مالك، عن النبي (صلَّى الله عليه وآله) أنه قال: «لما أراد الله أنْ يهلك قوم نوح أوحى إليه، أنْ شق ألواح الساج، فلما شقَّها لم يدرِ ما يَصنع بها، فهبط جبرئيل فأراه هيئة السفينة ومعه تابوت، بها مائة ألف مسمار وتسعة وعشرون ألف مسمار، فسمَّر بالمسامير كلِّها السفينة إلى أنْ بقيت خمسة مسامير» [بحار الأنوار ج11ص 328].

2ـ وروي في الكافي بسندٍ معتبر عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) رُفع أليه رجل استأجر رجلاً ليصلح بابه، فضرب المسمار فانصدع الباب، فضمَّنه أمير المؤمنين (عليه السلام)» [فروع الكافي ج5 ص244].

والنتيجة النهائية من كلِّ هذا، هي أنَّ (خبر المسمار) من الأخبار التي يُمكن التعويل عليها وفق الموازين العلمية.. والحمد لله ربِّ العالمين.