هل التسمية بــ (عبد الحسين) ونحوهِ تعني العبادة له "عليه السّلام"..؟!.
السؤال: ((العبودية لا تكون إلّا للهِ وحده، يقول سبحانه وتعالى: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ}[الزمر: 66]. فلماذا إذن يَتَسَمَّى الشيعة بأسماء "عبد الحسين ، وعبد علي ، وعبد الزهراء"..؟!، ولماذا لم يُسَمِّ الأئمّةُ أبناءَهم بمثل ذلك..؟!. هل يَصُحُّ أن يكونَ معنى "عبد الحسين" هو "خادم الحسين" بعد استشهاد الحسين[عليه السلام]..؟!، وهل يُعقل أنَّه يَخدمُه وهو في قبره..؟!.)).
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم..، بادئَ ذي بدءٍ لابدّ من التوقّف عند جذور الشبهة المطروحة في السؤال، طالما أنهّا ليست من الإشكاليات المتأصلة في الفكر الإسلامي، وإنّما هي نتاجٌ فكري نشأ وترعرع في أحضان السَّلفيّة التكفيريّة التي أرسى دعائمها ابن تيمية في القرن السابع الهجري وتابعه فيها الوهّابيّة باعتمادهم أفكاره المنحرفة كمنهج لهم. فزعموا أنّ الشيعة من أهل الضلال والكفر، ويدور حالهم بين مشركين ومبتدعة ، بل قد كفّروا جميع المسلمين وزعموا أنّه ما تحت أديم السماء موحّدون إلًا أتباع ابن عبد الوهاب..!.
إنّ جذور الشبهة المذكورة ترجع إلى عدم قدرة ابن تيميّة والوهّابيّة على تحديد معايير الشرك والتوحيد بشكل دقيق يتماشى مع مبادئ العقل وموازين الشريعة. حيث اعتبروا أنّ مجرّد تعظيم أهل البيت (عليهم السلام) وإظهار الموَدّة الشديدة لهم والتأدّب في حضرتهم محضُ شركٍ بالله سبحانه، وعبوديةٌ لغيره تعالى، فعلماء الكلام يتّفقون على أنّ للتوحيد مراتب متعددة ربّما تصل إلى اثنتي عشرة مرتبة [ينظر: رسائل ومقالات للشيخ السبحاني ج1ص16]. واهتمامنا هنا يَنصَبُّ على مرتبة واحدة منها، وهي مرتبة (التوحيد في العبادة)، والتي تعني انحصار العبادة في الله سبحانه وتعالى، فلا معبود سواه. وهذا أمر واضح لا يحتمل الجدل بين المسلمين. غير أنّ الإشكال يكمن في تحديد مصاديق تلك العبادة وجزئيّاتها، فما هي الضابطة التي إذا توفرت في أعمال الإنسان كان عابداً لله، وإذا انتفت صٌنِّفَ مشركاً بالله تعالى..؟!. وهذا ما يستدعي التطرّق إلى مفهوم العبادة، فنقول:
أوّلاً: العبادة في اللغة: لقد ذكر علماء اللغة معانٍ عديدةً لمفردة العبودية أو العبادة، فقال ابن منظور: (أصل العبودية: الخضوع والتذلّل) [لسان العرب ج3ص270]، وعن الفيروز آبادي: (العبادة: الطّاعة) [القاموس المحيط ج1ص311 ]، وقال الراغب: (العبودية إظهار التذلل، والعبادة أبلغ منها، لأنّها غاية التذلل، ولا يستحقُّها إلّا مَن له غاية الإفضال وهو الله تعالى)[المفردات ص542]. وفي المنجد: ( عَبَدَ عِبَادَةً وعُبُودِيَّةً ومَعبَدَاً ومَعبَدَةً اللهَ: وحَّدَهُ وخَدَمَهُ وخَضَعَ وذَلَّ وطَاعَ له... والعَابِدُ... الخَادِمُ)[المنجد في اللغة لويس معلوف ص483]، فالمتحصّل أنّ العبادة لغة هي: (الطَاعَةُ والخِدْمَةُ الناشِئَةُ عَن الخُضُوعِ والتَذَلُّل).
لكن.. من الواضح أنّ هذه التعريفات لا يمكن الاعتماد عليها بمفردها لتفسير معنى العبادة والعبودية، وذلك لسببين: أحدهما: أنّ مفهوم العبادة الذي نبحث عنه هنا يعتبر من المفاهيم الشرعية؛ لذا يجب الوقوف على ما أراده الشارع المقدّس به. والسبب الآخر: هو أنّ التعريفات اللغوية المذكورة أعلاه تتميّز بشيء من الإطلاق والتعميم، ممّا يجعل الاعتماد عليها يتعارض مع بعض الثوابت الشرعية التي نصَّ عليها القرآن الكريم، منها على سبيل المثال:
1- وجوب التذلّل للوالدين، قال تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (*) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}[الإسراء:23-24] فلو كانت العابدة تعني مطلق الخضوع والتذلّل لكان الله قد أمرنا في هذه الآية بعبادة الوالدين، وحينئذٍ تتناقض الآية مع نفسها..!.
2- وجوب طاعة الأنبياء والأئمّة المعصومين (عليهم السلام) فلو كانت العبودية والعبادة هي الطاعة مطلقاً لكان الله تعالى قد أمرنا بالشرك في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}[النساء:59]، فتدبّر جيّداً.
وفي الجملة فإنّه لو تمّ تفسير العبادة بالاقتصار على اللغة فقط للزم انهيار كيان الشريعة بمنظوماتها الثلاث (العقائدية والتشريعية والأخلاقيّة)؛ لذا فلا محيص لنا عن الرجوع إلى رأي الشارع المقدّس؛ للتعرّف على مراده من العبادة؛ فإنّه أعلم بها منّا، وهو الوحيد الذي يملك صلاحيّة نعتها بالشرك أو نفيه عنها..!.
ثانياً: العبادة في الاصطلاح: يُحدّد الشارع المقدّس معنى العبوديّة ويُضيّق دائرة مفهوم العبادة من خلال فرضه لبعض القيود والمُخَصِّصات على ذلك المعنى اللغوي العام الذي تقدّم معنا، فلا يرى المشرّع أنّ كلّ طاعة أو خدمة هي عبادة، ولا كلّ خضوع وتذلّلٍ هو عبودية وشرك بالله تعالى، وإنّما العبادة أو العبوديّة عند الشارع هي القول أو العمل المقرون بثلاثة أركان ذكرها الأعلام في بطون أبحاثهم العقائدية [ينظر: بحوث في الملل والنحل للشيخ السبحاني ج4ص88]، وهي:
1- الاعتقاد بألوهيّة المعبود، فلا يكون مجرّد الخضوع والتذلّل أو الطاعة كافياً في صيرورة الإنسان عبداً لله تعالى أو لغيره مالم يعتقد الخاضع بألوهيّة من خضع وتذلّل وأطاع له؛ لذا قرن الله سبحانه بين ألوهيّته وعبادته في قوله تعالى:{إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}[طه: 14].
2- الاعتقاد بربوبيّته وأنّه هو المدبّر للأمور في هذا الكون، ولا مدبّر سواه عزّ وجلّ، قال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (*) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}[يونس:31-32].
3- الاعتقاد بأنّه تعالى يفعل كلّ شيء ويضرّ وينفع باستقلاليّة تامّة عن غيره، فلا يستعين بأحد ولا يحتاج إلى أحد وليس لأحدٍ عليه سلطان فيسأله أو يحاسبه كما قال تعالى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}[الأنبياء:23].
فالعبادة إذن عند الشارع المقدّس هي: (الخضوع والتذلّل اللفظي أو العملي الناشئ عن الاعتقاد بأُلوهيّة المخضوع له وربوبيّته واستقلاله في التأثير)[ينظر: الإلهيات للسبحاني ص430]، وأمّا مجرد الخضوع والتذلّل أو الطاعة غير المقترنة بهذا الاعتقاد فلا تسمّى عبادة عند الشارع المقدّس..!.
من مجموع ما سبق يتضح لنا أنّ منشأ تكفير ابن تيمية والوهابية للشيعة وسائر المسلمين هو استنادهم – بقصد أو بدونه - إلى مفهوم العبادة بالمعنى اللغوي دون المعنى الاصطلاحي الشرعي. وإلّا فمن الواضح أنّ الشيعة وكغيرهم من المذاهب الإسلامية، لا يعتقدون بأُلوهيّة أهل البيت (عليهم السلام) أو ربوبيّتهم أو استقلالهم في التأثير، وإنّما تتمحور عقيدتهم حول كونهم (عليهم السلام) عباداً مكرمين اصطفاهم الله تعالى وجعلهم من أهل الشفاعة والكرامة عنده وأوجب تعظيمهم ومحبّتهم على الأمّة..!.
فإذا عرفت جميع ذلك فإنّ الإجابة عن السؤال محل البحث تتمّ من خلال بيان الأمور التالية:
الأمر الأوّل: أنّ تسمية شخص بالعبديّة لشخص آخر لا دليل على منعها شرعاً، بل قد وردت في القرآن الكريم، قال تعالى:{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[النور:32]، فقد أجمع مفسرو الفريقين بلا خلاف بينهم على أنّ (عبادكم) هي وصف للعبيد المملوكين، والمعنى: زوّجوا عبادكم وإماءكم الذين تملكونهم[ينظر زاد المسير ج5 ص357، معالم التنزيل ج3ص241، تفسير الرازي ج22ص213، التبيان ج7 ص422، مجمع البيان ج7 ص245]، ولم يلحظ القرآن أنّ هذا التوصيف قد يُفهَمُ منه الشرك؛ لوضوح توقّف الشرك على الاعتقاد بألوهية الشخص، والعبيد لا يعتقدون ذلك في ساداتهم ومواليهم، كما أنّ طاعتهم لهم وخضوعهم أمامهم من الواجبات الشرعيّة عليهم ولا تُعدُّ نوعاً من العبادة المحرمة عقلاً وشرعاً وعرفاً حتّى يتحفّظ القرآن من الوصف المذكور.
الأمر الثاني: في قول السائل: (فلماذا إذن يَتَسَمَّى الشيعة بأسماء "عبد الحسين...) ، وجوابه واضح في أنّ السبب هو إظهار التعظيم والإجلال لأهل البيت (عليهم السلام)، امتثالاً لأمر الله تعالى، ووصايا النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) بوجوب طاعتهم ومودّتهم، مع تجرّد ذلك كلّه عن الاعتقاد بألهويتهم أو ربوبيّتهم أو تأثيرهم في الخلق باستقلالية عن الله تعالى.
الأمر الثالث: قول السائل: (ولماذا لم يُسَمِّ الأئمّةُ أبناءَهم بمثل ذلك..؟!.) وفيه:
1- إنّ مشروعية التسمية بأي اسم كان لا تتوقف على فعل المعصوم (عليه السلام) له، وإلّا للزم أن يكون لدى المعصومين أولاد بعدد أسماء البشر، أو يكون لأبنائهم أسماء بعددها..!، وإنّما ذكر علماء المسلمين كافّة أنّ حقّ الولد على الوالد في المقام هو أن يُحسن تسميته[ينظر: المغني لابن قدامة ج11ص122، كشف القناع للبهوتي ج3ص27، السرائر ج2ص646، شرح رسالة الحقوق ص589]، وفي ذلك قال أمير المؤمنين (عليه السلام):« وحقّ الولد على الوالد: أن يحسّن اسمه ويحسّن أدبه ويعلّمه القرآن » [نهج البلاغة ص564] ، أي يختار له اسماً لطيفاً متعارفاً عليه في الأوساط الاجتماعية؛ لحفظ كرامته ونفي الحرج عنه.
2- ما ذكره السائل من كون أهل البيت (عليهم السلام) لم يتسمّوا بالعبوديّة لأحد غير الله تعالى، هو مجرّد ادّعاء فاسد وفيه مصادرة واضحة؛ بعد ما عُرِفَ عن أمير المؤمنين(عليه السلام) - مع ما فيه من الكمال – من وصفه لنفسه بأنّه (عبدُ محمد "صلّى الله عليه وآله")، فقد روى ثقة الإسلام الكليني بإسناده إلى أبي الحسن الموصليّ عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) قال:« جاء حبر من الأحبار إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين متى كان ربك ؟ فقال له: ثكلتك أمّك ومتى لم يكن ؟ حتّى يقال: متى كان، كان ربي قبل القبل بلا قبل وبعد البعد بلا بعد ، ولا غاية ولا منتهى لغايته، انقطعت الغايات عنده فهو منتهى كلّ غاية، فقال: يا أمير المؤمنين ! أفنبيٌّ أنت ؟ فقال : ويلك إنّما أنا عبد من عبيد محمد "صلّى الله عليه وآله"»[الكافي ج1ص90] ، وعلّق الشيخ الصدوق على الحديث قائلاً: (يعني بذلك: عبدَ طاعته لا غير ذلك)[التوحيد ص175].
ويؤيّد ذلك ما في خبر محمد بن يزيد الطبري قال:« كنت قائما على رأس الرضا "عليه السلام" بخراسان وعنده عدّة من بني هاشم وفيهم إسحاق بن موسى بن عيسى العباسي فقال: يا إسحاق بلغني أنّ الناس يقولون: إنا نزعم أنّ الناس عبيد لنا ، لا وقرابتي من رسول الله "صلّى الله عليه وآله" ما قُلته قط ولا سمعته [سمعت أحداً] من آبائي قاله ولا بلغني عن أحد من آبائي قاله ، ولكنّي أقول: الناس عبيد لنا في الطاعة ، موالٍ لنا في الدين، فليبلغ الشاهدُ الغائبَ »[الكافي ج1ص187]، فقد سمّى الإمام (عليه السلام) شيعتهم ومواليهم بالعبيد لأهل البيت(عليهم السلام)، ولو كان ذلك غير جائز لما ارتضاه وأقرّه هنا.
الأمر الرابع والأخير: في قول السائل: (هل يصح أن يكون معنى "عبد الحسين" هو "خادم الحسين" بعد استشهاد الحسين[عليه السلام]..؟!، وهل يُعقل أنَّه يخدمه وهو في قبره..؟!.) وفيه:
قد عرفت أنّ من معاني للعبادة معنى (الخدمة)، والسائل يعترف بذلك كما ترى، لكنّه يستشكل في كيفية تحقّق تلك الخدمة بعد وفاة المخدوم لا أكثر، وفي جواب ذلك نقول:
1- من المناسب جدّاً التذكير بما تقدّم في المعنيين اللغوي والشرعي من أنّ العبادة يمكن أن تأتي بمعنى الطاعة ، فيكون معنى عبد الحسين هو المطيع للحسين (عليه السلام) ، ولا موجب لحصر العبادة بالخدمة حتّى يزعم السلفي عدم معقوليّتها..!.
2- لا ندري لماذا لا تصحّ خدمة الحسين (عليه السلام) وهو الشهيد الحيّ عند ربّه، بل وسيّد الشهداء على الإطلاق..؟!. فإنّ مفهوم الخدمة لا يتعدّى كونه: (عمل شخص لآخر)[ينظر المنجد ص171]، ولم يؤخذ في مفهومها استفادة المخدوم من الخادم، وبالتالي فإنّه يمكن خدمة سائر المعصومين (عليه السلام) من خلال خدمة شؤونهم الرسالية التي كانوا يهتمّون بها حال حياتهم، ونصرة قضاياهم المصيريّة التي طالما طلبوا النصرة فيها، فتلك قضايا حيّة لا تموت وهي امتداد للرسالة المحمّديّة الشريفة، فتكون خدمة الشيعة لهم (عليهم السلام) فيها كخدمة العلماء والدعاة اليوم لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) بواسطة خدمة رسالته الشريفة، فأين المحذور في ذلك..؟!.
3- من الواضح أنّ الخدمة لا تقتضي استفادة نفس المخدوم منها، بل يكفي فيها استفادة من يرتبط به، فيمكن خدمته (عليه السلام) من خلال خدمة شيعته ومحبّيه وزواره وإكرامهم والإحسان إليهم، فإنّ ذلك كلّه من مظاهر محبّة الحسين (عليه السلام) وتعظيمه وحفظ العهد معه والإكرام له.
وللشيعة في ذلك أسوة حسنة برسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فإنّه وبعد وفاة السيدة أمّ المؤمنين خديجة (عليها السلام) كان يكرم بعض المسلمين الذين تربطهم بها علاقة رحم أو جوار أو غيره ويُعِدُّ ذلك إكراماً لها، ففي الحديث الذي رواه وصحّحه الحاكم والألباني:« كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عند عائشة فدَخَلت عليه عجوزٌ تُدْعَى أمُّ زُفَرَ كانت ماشطة لخديجة "رضي الله عنها"، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه[وآله] وسلّم: (مَنْ أنتِ؟ قالت: أنا جَثامة المُزنية، فقال: بل أنتِ حَسانة المزنية، كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ كيف كنتم بعدنا؟ قالت: بخير بأبي أنت وأمّي يا رسول الله. فلمّا خرجت قالت عائشة: يا رسول الله، تُقْبِل على هذه العجوز هذا الإقبال؟ فقال: إنّها كانت تأتينا زمن خديجة، وإنّ حُسنَ العهد من الإيمان »[المستدرك ج1ص16، كما وانظر بحثاً للسلفية بعنوان: "حسن العهد من الإيمان" على موقع إسلام ويب]، وعقّبَ عليه شرّاح الحديث قائلين: (في هذا الحديث دلالة لحسن العهد، وحفظ الودّ، ورعاية حُرْمة الصاحب والمُعاشِر حيّاً وميّتاً، وإكرام معارف ذلك الصاحب)[فتح الباري ج7 ص103، فتح القدير للمنّاوي ج5ص170].
وعن أنس بن مالك في الحديث الذي رواه الحاكم وحسّنه الألباني قال:« كان النبي "صلّى الله عليه[وآله] وسلّم" إذا أُتيَ بالشيء يقول: اذهبوا به إلى فلانة، فإنّها كانت صديقة خديجة، اذهبوا به إلى بيت فلانة، فإنّها كانت تحبُّ خديجة »[الأدب المفرد ص58، المستدرك ج4 ص175، وقال عنه: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه]. وفي حديث صحيح رواه البخاري ومسلم عن عائشة قالت:« ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة ولقد هلكت قبل أن يتزوجني بثلاث سنين لما كنت اسمعه يذكرها ولقد امره ربه ان يبشرها ببيت في الجنّة من قصب وإن كان رسول الله "صلّى الله عليه [وآله] وسلّم" لَيذبح الشاة ثم يهدي في خُلّتها منها»[صحيح البخاري ج7ص76، صحيح مسلم ج7ص133]، وفيه قال المباركفوري: (ومطابقة الحديث للباب في إهداء النبي "صلّى الله عليه[وآله] وسلّم" اللحم لأصدقاء خديجة وخلائلها رَعياً منه لذمامها وحفظاً لعهده)[تحفة الأحوذي ج6ص134]، فانظر أخي القارئ الكريم هل يقصر أهل البيت (عليهم السلام) عن استحقاق رعاية الذمام وحُسن الإكرام وحفظ العهد..؟!. نعوذ بالله من سُبات العقول وقُبح الزلل..!، ونسأله تعالى السلامة في القول والعمل.. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
اترك تعليق