ما هي الغاية من وجود المتشابه في القرآن الكريم؟

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

{الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}

[أولاً] معنى المحكم والمتشابه في القرآن:

للمفسِّرين أقوال كثيرة في بيان معنى المحكم والمتشابه، ولكنَّا نكتفي هنا بأشهرها وأسهلها:

• المحكم: هو الذي لا يحتاج إلى تفسير، بحيث يدلُّ على المقصود بشكل واضح.

وأكثر آيات القرآن هي من المحكم، كآيات التشريع والمواعظ والآداب.

• المتشابه: هو الذي يحتاج إلى تفسير، لأنه لا يدلُّ على المقصود بشكل واضح.

وأقلُّ آيات القرآن هي من المتشابه، كبعض آيات الخلق والتقدير والصفات والأفعال.

[ثانياً] القرآن الكريم في واقعه وحقيقته محكم لا متشابه، قال تعالى: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} [هود - الآية ١].

لكنه لمَّا أنزل إلى العالمين صار فيه محكم ومتشابه، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران - الآية ٧].

ومن أسباب وجود المتشابه في القرآن:

١- تفاوت العقول في فهم معانيه وإدراك حقائقه.

٢- خروج بعض آياته عن نطاق الحياة المادية، كالتي تصف الله (سبحانه)، أو الدار الآخرة.

وحيث أن أكثر الناس يألفون الأمور الحسِّية دون غيرها، فقد تلتبس المعاني اللغوية بينهم، ويحصل معها التشابه في بعض الآيات لا محالة.

فالقرآن الكريم هو عند الله (تعالى) وعند رسول الله (ص) وعند أهل البيت (ع) كله محكم لا متشابه، وإنما هو لدى سائر الناس فيه محكم ومتشابه.

[ثالثاً] الحكمة من وجود المتشابه في القرآن:

١- وجود آيات متشابهات يتيح للإنسان أجواءً من التفكر والتدبر في القرآن، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص - الآية ٢٩].

٢- وجود آيات متشابهات يخلق حاجة لدى البشر بضرورة الرجوع إلى النبي (ص) وأوصيائه (ع)، لفهم معاني القرآن، لأنهم أعلم الخلق بأدق تفاصيله.

• قال تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران - الآية ٧].

• وقال تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء - الآية ٨٣].

• روى الصفار في البصائر: م١/ ج٤/ ب١١/ ص٣٦٥/ ح٧٣٩-٤، بسند صحيح، عن الإمام الباقر (ع) .. في قول الله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}، قال: «رسول الله (ص) أفضل الراسخين، قد علَّمه الله جميع ما أنزله إليه من التنزيل والتأويل، وما كان الله لينزل عليه شيئاً لم يعلِّمه تأويله. وأوصياؤه من بعده (ع) يعلمونه كلَّه».

• روى العياشي في التفسير: ج١/ ص٢٦٠/ ح٢٠٦، عن الإمام الرضا (ع) ـ في حديث طويل ـ قال: «الفرض عليهم، والواجب لهم من ذلك: الوقوف عند التحيُّر، وردّ ما جهلوه من ذلك إلى عالِمه ومستنبِطه (ع). لأن الله يقول في محكم كتابه: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}، يعني: آل محمد (ص). وهم الذين يستنبطون من القرآن، ويعرفون الحلال والحرام، وهم الحُجة لله على خلقه».

٣- وجود آيات متشابهات من وسائل الله لامتحان العباد، فالفئة الزائغة توظِّف هذي الآيات لأغراضها الدنيئة، بينما الفئة العالِمة تعمل على التدبر فيها وكشف معانيها، عبر إرجاعها إلى الآيات المحكمات.

• قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران - الآية ٧].

• روى الصدوق في العيون: ج٢/ ب٢٨/ ص٢٦١/ ح٣٩، عن الإمام الرضا (ع)، قال: «من ردَّ متشابه القرآن إلى محكمه هُدِي إلى صراط مستقيم».

[رابعاً] يمكن مراجعة الكتب المختصة، لمعرفة تفاصيل المسألة:

• التمهيد في علوم القرآن: ج٣/ ص٦.

• تفسير مواهب الرحمن: ج٥/ ص٣٩.

• تفسير الميزان: ج٣/ ص١٩.

• التفسير الأمثل: ج٢/ ص٣٩٤.

• التفسير الكاشف: ج٢/ ص٩.

• تفسير النور: ج١/ ص٤٥٠.