هل مصطلح معصوم ليس مصطلحاً قرآنيّاً؟

السؤال: لفظة تسترعي الانتباه هي لفظة: (المعصومون)، إذ إنّ التعبير عن الشخص بكلمة (معصوم) لم يرد في القرآن الكريم حتّى بشأن الأنبياء، وقد وصف الله تعالى في كتابه الملائكة الذين لا يعصونه مطلقًا بقوله: {لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ}، فمصطلح (معصوم) ليس مصطلحاً قرآنيّاً، ولذا فوروده في الزيارة الجامعة دليل بشريّتها وعدم صدورها من أئمّة أهل البيت، يعني الزيارة موضوعة قطعاً!

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

أولاً: العصمة في اللغة تعني الحفظ والوقاية، والعاصم هو المانع والحامي، يقول الشيخ المفيد: (إنّ العصمة - في أصل اللغة - هي ما اعتصم به الإنسان من الشيء كأنّه امتنع به عن الوقوع في ما يكره، ومنه قولهم: اعتصم فلان بالجبل، إذا امتنع به، ومنه سمّيت العصم، وهي وعول الجبال لامتناعها بها) [أوائل المقالات ص134].

وليس هناك فرق بين المعنى اللغويّ للعصمة ومعناها الاصطلاحيّ، فالعصمة في المصطلح كما عرّفها الشيخ المفيد هي: (لطفٌ يفعلُهُ اللهُ تعالى بالمكلّف، بحيث تمنع منه وقوع المعصية، وترك الطاعة؛ مع قدرته عليهما) [النكت الاعتقادية ص45- 46].

وكذلك الحال في الاستخدام القرآنيّ، فقد وردت مشتقّات العصمة في القرآن الكريم ثلاث عشرة مرة بنفس المعنى اللغويّ والاصطلاحيّ للعصمة، فعلى سبيل المثال: في موقف النبيّ يوسف مع زليخا وامتناعه عمّا طلبته منه يقول تعالى: {قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ}، فاستعملت لفظة العصمة في الآية - كما هو واضح - بمعنى المنع والامتناع.

وكذلك الحال في قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا}، والاعتصام بحبل الله يعني العصمة من الاختلاف والفرقة، فالاعتصام والعصمة بمعنى واحد وهو المنع.

وبهذا المعنى أيضاً قوله تعالى عن لسان ابن نوح: {قَالَ سَآوِي إلَى جَبَل يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أمْرِ اللهِ}.

ثانياً: إنّ كلمة العصمة والمعصومين ليست محصورة فقط في الزيارة الجامعة حتّى نقول إنّها كلمة دخيلة، بل هناك الكثير من الأحاديث والروايات التي جاء فيها ذكر هذه الكلمة، ومثال لذلك:

عن ابن عباس عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال: « أنا وعليّ والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون » [عيون أخبار الرضا ج2 ص 66].

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: « والإمام المستحقّ للإمامة له علامات منها: أن يعلم أنّه معصوم من الذنوب كلّها، صغيرها وكبيرها، لا يزال في الفتيا، ولا يخطئ في الجواب، ولا يسهو، ولا ينسى، ولا يلهو ... » [بحار الانوار ج90 ص 64].

وعن أبي سعيد قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: « أهل بيتي أمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء، قيل: يا رسول الله، فالأئمة بعدك من أهل بيتك؟ قال: نعم، الأئمّة بعدي اثنا عشر، تسعة من صلب الحسين، أمناء معصومون، ومنّا مهديّ هذه الأمة، ألا إنّهم أهل بيتي وعترتي من لحمي ودمي، ما بال أقوام يؤذونني فيهم؟ لا أنالهم الله شفاعتي » [بحار الانوار ج 36 ص 291].

وغيرها كثير من الروايات الصريحة في إطلاق لفظ المعصومين على الأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام).

ثالثاً: الزيارة الجامعة الكبيرة مرويّة عن الإمام عليّ بن محمّد الهادي (عليهم السلام)، وهي زيارة جليلة القدر، عظيمة المضامين، تدلّ جزالة ألفاظها وجلالة مضامينها على صدورها عن أهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام)، وقد روى هذه الزيارة الشيخ الصدوق محمّد بن عليّ بن بابويه، في كتابه [من لا يحضره الفقيه ج2 ص385]، ورواها أيضاً شيخ الطائفة الشيخ محمّد بن الحسن الطوسيّ في كتابه [تهذيب الأحكام ج6 ص95]، وقد صحّح سند هذه الزيارة جمع من أكابر علماء الطائفة، ومَن أراد الوقوف على وجوه اعتبارها يمكنه مراجعة هذا الرابط:

https://almohsin.org/?act=artc&id=241