موقعية الزهراء (ع) في العقيدة

ما هي موقعية السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بين الأئمة والحجج؟

: - اللجنة العلمية

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لقد دلّت البراهين العقليّة والنقليّة على لزوم الحجّة الإلهيّة التي هي واسطة بين الخالق والمخلوق، و(الحجّة الإلهيّة) عنوان يصدق على الأنبياء والرسل والأوصياء والأئمّة والصدّيقين، فمثل السيّدة مريم (عليها السلام) حجّة من حجج الله، ولكنّها بلاشكّ ليست نبيّة ولا وصيّة ولا إمامة، وإنّما هي صدّيقة كما نصّ القرآن الكريم: {وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} [سورة المائدة: 75].

ودور السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) ليس مجرّد الأمومة للأئمّة المعصومين (عليهم السلام)، بل لها دور اصطفائيّ إلهيّ – كما كان لمريم البتول (عليها السلام) –، ورفع الله تبارك وتعالى شأنها، وجعل لها موقعيّة خاصّة في الإسلام، وأنزل في شأنها آيات قرآنيّة – كآية المباهلة وآية التطهير –، كما أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) عظّمها أيّما تعظيم، وقال في شأنها كلمات عظيمة، كقوله: « فاطمة بضعة منّي »، « سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين »، وغيرها.

بل فضّلها على السيّدة مريم (عليها السلام)، ففي الحديث النبويّ: « هذه – والله – مريم الكبرى » [بحار الأنوار ج22 ص484]، وفي الدعاء المعصوميّ: « اللهم إنّي أسألك.. وبحقّ الزهراء مريم الكبرى.. » [الدعوات ص58].

ولُقِّبت في كلمات الوحي بـ « الصدّيقة »، ففي الحديث الصادقيّ: « لفاطمة – عليها السلام – تسعة أسماء عند الله عزّ وجلّ: فاطمة، والصدّيقة..» [الخصال ص414]، وفي الحديث الكاظميّ: « إنّ فاطمة – عليها السلام – صدّيقة شهيدة » [الكافي ج1 ص458].

بل هي « الصدّيقة الكبرى »، ففي الحديث النبويّ: « وزوجته الصدّيقة الكبرى ابنتي » [الأمالي ص74]، وفي الحديث الصادقيّ: « وهي الصدّيقة الكبرى » [الأمالي ص668].

ومن المعلوم أنّ الحجج الإلهيّين على مراتب متفاوتة، فإنّ بعض الرسل أفضل من البعض الآخر، وأفضلهم أولو العزم، وأعظمهم بل أعظم الخلق خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله)، وهكذا الحال بالنسبة للأنبياء والأوصياء والصدّيقين، ولهذا كانت الزهراء (عليها السلام) موصوفة بـ « مريم الكبرى »، و« الصدّيقة الكبرى » إشارةً لتفضيلها على مريم البتول وأمثالها من الصدّيقات، وقد أشار القرآن الكريم لتفاضل الرسل في قوله: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ} [سورة البقرة: 253].

ويمكن بيان موقعيّة السيّدة الزهراء (عليها السلام) بشكل أوضح في ثلاثة أمور، مع الإشارة لبعض الأدلّة:

الأمر الأوّل: الزهراء حجّة إلهيّة على الخلق:

لا إشكال في عصمة السيّدة الزهراء (عليها السلام)؛ بنصّ آية التطهير وغيرها من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، فإنّ الله تعالى أذهب عنها الرجس وطهّرها تطهيراً، كما أذهب الرجس عن النبيّ الخاتم (صلى الله عليه وآله) وطهّره تطهيراً.

وإذا كانت الصدّيقة الكبرى (عليها السلام) معصومة فلا محالة تكون أقوالها وأفعالها حجّة، يُستنَد لها في إثبات الأحكام الشرعيّة الأصليّة والفقهيّة، فهي بذلك في مصافّ الحجج الإلهيّين من الأنبياء والأئمّة (عليهم السلام) وإنْ لم تكن منهم، يعني لا فرقَ في تلقّي الحكم الشرعيّ الإلهيّ من النبيّ أو أمير المؤمنين أو فاطمة أو بقية الأئمّة (عليهم السلام).

ومن المعلوم أنّ حجيّة الصدّيقة الكبرى (عليها السلام) كحجيّة أبيها الخاتم (صلى الله عليه وآله) ليست مقتصرة على البشر فقط، بل حتّى على الجنّ والملائكة وسائر الخلق، فما من مخلوق إلّا والصدّيقة الكبرى (عليها السلام) حجّة عليه، كما هو حال أبيها وبعلها (صلى الله عليهما وآلهما).

ففي الحديث النبويّ: « أنا وعليّ وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين حجج الله على خلقه، أعداؤنا أعداء الله، وأولياؤنا أولياء الله » [الأمالي ص194].

ولا يخفى أنّ كلمة (الخلق) في قوله: « حجج الله على خلقه » مطلقة، تشمل سائر الخلق من الأوّلين والآخرين، فتشمل الملائكة والجنّ والإنس وغيرهم.

الأمر الثاني: الزهراء حجّة إلهيّة على الأنبياء والمرسلين:

لا إشكال أنّ موقعيّة النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين والسيّدة الزهراء (عليهما السلام) وأولادهما (عليهم السلام) في دائرة واحدة، بمعنى أنّ الاصطفاء الإلهيّ لهم (عليهم السلام) من سنخ واحد، فسنخ اصطفاء الزهراء (عليها السلام) من سنخ اصطفاء الخاتم (صلى الله عليه وآله)، وإنْ كان هناك تفاضل فيما بينهم.

وهذا هو المستفاد من آية التطهير وآية المباهلة وغيرها من الآيات والروايات، فإنّ قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} للخمسة أصحاب الكساء (عليهم السلام)، فسنخ تطهير أمير المؤمنين والزهراء والحسنين وإذهاب الرجس عنهم (عليهم السلام) هو من نفس سنخ تطهير النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) وإذهاب الرجس عنه. وهذا يعني أنّ موقعيّة الزهراء (عليها السلام) تقع في دائرة موقعيّة النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وهي فوق موقعيّة سائر الأنبياء السابقين وأوصيائهم (عليهم السلام)، فلا أحد يضاهيها في الرتبة والمنزلة والشرف والمقام.

وممّا يستدلّ به على ذلك: الحديث النبويّ المتقدّم: « أنا وعليّ وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين حجج الله على خلقه، أعداؤنا أعداء الله، وأولياؤنا أولياء الله »، فإنّ كلمة (خلقه) مطلقة تشمل الأنبياء والمرسلين كما تشمل سائر الناس والجنّ والملائكة.

ومنها: الحديث الباقريّ: « ولقد كانت – عليها السلام – مفروضة الطاعة على جميع مَن خلق الله؛ من الجنّ والإنس والطير والوحش والأنبياء والملائكة » [دلائل الإمامة ص28].

ومنها: الحديث الجواديّ: « إنّ الله تبارك وتعالى لم يزل متفرّداً بوحدانيّته، ثمّ خلق محمّداً وعليّاً وفاطمة، فمكثوا ألف دهر، ثم خلق جميع الأشياء فأشهدهم خلقها، وأجرى طاعتهم عليها » [الكافي ج1 ص441]. وقد أفاد المجلسيّ في شرحه: (أوجب على جميع الأشياء طاعتهم، حتّى الجمادات والسماويّات والأرضيّات( [مرآة العقول ج5 ص190].

ومنها: حديث الكفؤيّة المشهور: « لولا عليّ لَمَا كان لفاطمة كفؤ، آدم فمن دونه »، فإنّه يدلّ على أنّ جميع البشر بدءاً بالنبي آدم (عليه السلام) وسائر الأنبياء فضلاً عن سائر البشر ليسوا بأكفّاء للصدّيقة الزهراء (عليها السلام)، وهذا يدلّ عن علوّ رتبتها ورفعة منزلتها على سائر الخليقة عدا أبيها وبعلها.

الأمر الثالث: الزهراء حجّة إلهيّة على الأئمّة المعصومين:

لا يخفى أنّ أفضل الخلق هم المعصومون الأربعة عشر (عليهم السلام)، وأفضلهم هو خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله). والمستفاد من الأدلّة: أنّ الصدّيقة (عليها السلام) أفضل من أولادها.

ففي الحديث العسكريّ: « نحن حجج الله على خلقه، وجدّتنا فاطمة حجّة الله علينا » [أطيب البيان ج13 ص225].

وممّا يستدلّ به على ذلك: أنّها واسطة علميّة للأئمّة المعصومين (عليهم السلام)، كما يلاحظ بالنسبة إلى « مصحف فاطمة » – الذي ليس فيه شيء من القرآن –، فقد استفاضت الأخبار أنّه أحد مصادر علوم الأئمّة (عليهم السلام).

وهذا المصدر العلميّ أعظم من الأبواب الألف من العلم التي يُفتح من كلّ باب منها ألف باب – وهو الذي علّمه النبيّ لأمير المؤمنين (صلى الله عليهما وآلهما) –، وهو أعظم من الجامعة الذي فيه كلّ حلال وحرام حتّى أرش الخدش، وهو أعظم من الجفر الذي فيه علم النبيّين والوصيّين وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل، فإنّ المعلومات الموجودة في كتاب الصدّيقة الكبرى (عليها السلام) أعظم من المعلومات التي في هذه الكتب.

ومنها: أنّ خلق نورها (عليها السلام) متقدّم على خلق نور أولادها المعصومين (عليهم السلام)، وهذا يعني تقدّم وجودها في عالم الأنوار على أولادها (عليهم السلام)، وهو يدلّ على تفضيلها عليهم؛ لأنّ التقدّم هناك في الرتبة والكمال، ففي الحديث النبويّ: «.. وخلق من نوري عليّاً ودعاه فأطاعه، وخلق من نوري ونور عليّ فاطمةَ ودعاها فأطاعته، وخلق من نوري ونور عليّ وفاطمة الحسنَ والحسينَ ودعاهما فأطاعاه... ثمّ خلق من نور الحسين تسعةَ أئمّة ودعاهم فأطاعوه.. » [المحتضر ص266].

« اللهم إنّي أسألك بحقّ فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسرّ المستودع فيها، أن تصلّي على محمّد وآل محمّد، وأن تفعل بي ما أنت أهله، ولا تفعل بي ما أنا أهله، برحمتك يا أرحم الراحمين »

والحمد لله رب العالمين