صحة روايات رضاع الكبير عند الشيعة

هناك روايات تفيد جواز رضاع الكبير عند الشيعة وهو مايشنع به على عائشة..كهذه الرواية.. إذا رضع الرجل من لبن امرأة حرم عليه كل شيء من ولدها وإن كان الولد من غير الرجل الذي كان أرضعته بلبنه، وإذا رضع من لبن الرجل حرم عليه كل شيء من ولده وإن كان من غير المرأة التي أرضعته. الاستبصار للطوسي الجزء الثالث ص2.1.. وبالنظر للأحاديث المروية عند الشيعة عن ذلك يستفاد ما يلي:.1 - إن الأحاديث المروية أثبتت وقائع لرضاع الكبير. 2 - وشرعت لما يترتب من حكم إذا رضع الكبير. 3 - أثبتت صحة رضاع الكبير وما ترتب عليه من حكم. 4 - أثبتت قبول الأئمة ع لواقعة رضاع الكبير. 5 - فلوكان رضاع الكبير غير مستساغ أومستهجن لورد ما يشير إلى ذلك في الأحاديث المروية من طرق الشيعة بل بالعكس اثبتت صحة رضاع الكبير وما ترتب عليه.

: فريق اللجنة العلمية

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

{الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}

[أولاً]: ما تُقارَب مسائل الفقه الشرعي بهذه الطريقة الانتقائية المجتزأة من سياقاتها العلمية، فالفقه عِلم دقيق منظَّم تتبَع قضاياه الجزئية لعناوينه الكلِّية.

فهذا الأسلوب لقراءة الأحكام الفقهية خاطئ جداً.

[ثانياً]: في الفقه الشيعي لا يوجد عنوانٌ لرضاعة الكبير، لا بكتب الحديث، ولا بكتب الفقه، فهذي المسألة لا يبحثها فقهاء الشيعة أصلاً.

والأمر معكوس تماماً عند فقهاء السُّنة، فالمسألة مُعَنْوَنَة في مدوَّناتهم الحديثية والفقهية ..

منهم مثلاً:

• مسلم في صحيحه: ج٢/ ص١٠٧٦، في كتاب الرضاع، بوَّب لرضاعة الكبير، وسرد فيه ست روايات.

• أبو داود في سننه: ج٢/ ص٢٢٢، في كتاب النكاح، بوَّب لرضاعة الكبير، وسرد فيه أربع روايات.

• النسائي في سننه: ج٦/ ص١٠٤، في كتاب النكاح، بوَّب لرضاع الكبير، وسرد فيه سبع روايات.

• ابن ماجه في سننه: ج١/ ص٦٢٥، في كتاب النكاح، بوَّب لرضاع الكبير، وسرد فيه روايتين.

• مالك في موطئه: ج٢/ ص٦٠٥، في كتاب الرضاع، بوَّب لما جاء في الرضاعة بعد الكِبَر، وسرد فيه ثلاث روايات.

• الدارمي في سننه: ج٣/ ص١٤٤٧، في كتاب النكاح، بوَّب لرضاعة الكبير، وسرد فيه روايتين.

• البيهقي في سننه: ج١٦/ ص٢٧، في كتاب الرضاع، بوَّب لرضاع الكبير، وسرد فيه ست عشرة رواية.

• عبدالرزاق في مصنفه: ج٧/ ص٣٩١، في كتاب الطلاق، بوَّب لرضاع الكبير، وسرد فيه ثلاث عشرة رواية.

[ثالثاً]: أجمع فقهاء الإمامية قاطبة، على اجتماع شروط أربعة، ليتحقق انتشار الحرمة من الرضاع ..

قال المحقق الحلِّي في شرائع الإسلام: ج٢/ ٢٢٦،

«انتشار الحرمة بالرضاع يتوقف على شروط:

• الشرط الأول: أن يكون اللبن عن نكاح.

• الشرط الثاني: الكمية.

• الشرط الثالث: أن يكون في الحولين.

• الشرط الرابع: أن يكون اللبن لفحل واحد».

ومن أراد معرفة تفاصيل الشروط الأربعة والإجماع عليها، فليقرأ شرح شرائع الإسلام للشيخ النجفي: ج٢٩/ ص٢٦٤-٣٠٦.

فلا يوجد بالفقه الإمامي رضاعة بعد الحولين أساساً.

قال العلاَّمة المجلسي في ملاذ الأخيار: ج١٢/ ص١٥٤، «وأجمع الأصحاب، على أن من شرائط الرضاع المحرِّم، وقوعه قبل أن يستكمل المرتضِع الحولين».

بل أكثر من ذلك، في الفقه الجعفري: يُعزَّر تأديباً، كلُّ من يحاول ـ لأيِّ سبب ـ أن يُرضع كبيراً، لينشر بذلك الحرمة!

أخرج الكليني في الكافي: ج٥/ ص٤٤٣/ ح٤، بسند صحيح، عن محمد بن قيس، قال: «سألتُه [يعني: الإمام الباقر، أو الإمام الصادق] عن امرأة حلبتْ من لبنها، فأسقتْ زوجها، لتحرُم عليه؟ قال: أمسكها، وأوجع ظهرها!».

أخرج الكليني في الكافي: ج٥/ ص٤٤٥/ ح٥، بسند صحيح، عن الإمام الصادق (ع) قال: «جاء رجل إلى أمير المؤمنين (ع)، فقال: يا أمير المؤمنين، إن امرأتي حلبتْ من لبنها في مَكُّوكٍ، فأسقته جاريتي؟ فقال: أوجع امرأتك، وعليك بجاريتك .. وهو هكذا في قضاء عليِّ (ع)».

[رابعاً]: الرواية المسئول عنها، رواها الطوسي بالتهذيب: ج٧/ ص٣٢١/ ح١٣٢٥، وبالاستبصار: ج٣/ ص٢٠١/ ح٧٢٨،

بسند موثق، عن الإمام الصادق (ع) قال: «إذا رضع الرجل من لبن امرأة، حرُم عليه كلُّ شيء من ولدها، وإن كان الولد من غير الرجل الذي كان أرضعته بلبنه. وإذا رضع من لبن الرجل، حرُم عليه كلُّ شيء من ولده، وإن كان من غير المرأة التي أرضعته».

وهذه الرواية لا علاقة لها بمسألة رضاع الكبير ـ لا من قريب، ولا من بعيد ـ فهي أجنبية على هذي المسألة!

١- لأنها واردة لبيان بعض مصاديق القاعدة الفقهية: (يحرُم من الرضاع ما يحرُم من النسب).

وقد سردها الفقهاء مع أدلة هذه القاعدة، مثل: الشيخ يوسف البحراني بالحدائق الناضرة: ج٢٣/ ص٣١٧-٣٢٣.

قال: «استفاضت النصوص، وعضدها اتفاق الأصحاب، بأنه: يحرُم من الرضاع ما يحرُم من النسب! بمعنى: أن كلَّ امرأة حرمتْ بالنسب، حرمتْ نظيرتها الواقعة موقعها في الرضاع».

ثم أفاض بسرد الأدلة، ومنها الرواية المذكورة، حتى قال:

«إلى غير ذلك من الأخبار .. ومرجعها إلى: أن كلَّ موضع ثبت فيه المحرَّمية بالنسب، يثبت المحرَّمية بمثل ذلك في الرضاع».

٢- لأن المقصود من "رضاعة الرجل من لبن امرأة" هو في حال طفولته، لا في حال رجولته!

وقد ورد نظير هذا التعبير في عدة روايات، منها مثلاً:

أخرج الكليني في الكافي: ج٥/ ص٤٤٣/ ح١١، والطوسي في التهذيب: ج٧/ ص٣٢١/ ح١٣٢٣، والاستبصار: ج٣/ ص٢٠١/ ح٧٢٦، بسند صحيح، عن الحلبي قال:

«سألتُ أبا عبد الله (ع): عن الرجل يرضع من امرأة ـ وهو غلام ـ أيحلُّ له أن يتزوج أختها لأمِّها من الرضاعة؟ فقال: إن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة، من لبن فحل واحد، فلا يحلُّ. فإن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة، من لبن فحلين، فلا بأس بذلك».

بالنتيجة:

ما ذكره السائل: من وجود روايات تُفيد جواز رضاع الكبير عند الشيعة، وأنها تُثبت وقائع لرضاع الكبير، وأنها تُثبت صحة رضاع الكبير وما يترتب عليه من أحكام، وأن الأئمة (ع) قبلوا برضاع الكبير .. إلخ.

هذه دعوى غير صحيحة بتاتاً، بل الصواب عكسها تماماً.