إذا كان الإمام يعلم الغيب، فكيف لا يعلم كسر الضلع؟

السؤال: أنتم تقولون: إنَّ الإمام علياً يعلم الغيب، بل يعرف ما حدث وما سيحدث حتَّى يوم القيامة، وفي الوقت نفسه تقولون: إنَّ الإمام علياً علم بكسر ضلع فاطمة أثناء غُسله لها، أليس هذا تناقضاً واضحاً؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

بداية لابدَّ أنْ يُعلم بأنَّ اعتقادنا بعلم الإمام بالغيب تابعٌ للدليل العلميّ وليس العاطفة، كما هو مفصَّلٌ في كتب العقيدة والكلام، وكذلك قصَّة كسر الضلع للسيِّدة الزهراء (ع)، فقد رويت في جُملةٍ من الروايات [يُنظر: أمالي الصدوق ص100]، ولبيان هذا الأمر أكثر نعقد الكلام في مقامين:

المقام الأوَّل: نعتقد بأنَّ النبيَّ والإمام يعلمانِ الغيب بتعليمٍ من الله تعالى، كما أشير إليه في قوله تعالى: ﴿عَالِمُ الغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أحَداً إلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ [الجن:26 ـ27]. فإنَّ الاستثناء فيها دليلٌ على الثبوت.

1ـ ورد في الكافي بالإسناد عن سدير الصيرفيّ قال: (سمعتُ حمران بن أعين يسأل أبا جعفر (ع)...وفيه: فقال له حمران: أرأيت قوله (جلَّ ذكره): ﴿عَالِمُ الغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أحَداً﴾؟ فقال أبو جعفر (ع): «﴿إلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾، وكان والله محمَّدٌ ممن ارتضاه. وأمَّا قوله: ﴿عَالِمُ الغَيْبِ﴾، فإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) عالمٌ بما غاب عن خلقه، فيما يُقدِّر من شيءٍ ويقضيه في علمه قبل أنْ يخلقه، وقبل أنْ يفضيه إلى الملائكة، فذلك يا حمران علمٌ موقوفٌ عنده، إليه فيه المشيئة، فيقضيه إذا أراد، ويبدو له فيه فلا يمضيه، فأمَّا العلم الذي يُقدِّره الله (عزَّ وجلَّ) فيقضيه ويمضيه، فهو العلم الذي انتهى إلى رسول الله (ص) ثمَّ إلينا») [أصول الكافي ج1 ص256].

2ـ وروى أيضاً بسنده عن أبي بصير، عن أبي جعفر (ع) قال: «إنَّ لله (عزَّ وجلَّ) علمين: علماً لا يعلمه إلَّا هو، وعلماً علَّمه ملائكته ورسله، فما علَّمه ملائكته ورسله (ع) فنحن نعلمه» [أصول الكافي ج1 ص256].

3ـ وروى أيضاً بسنده عن جماعةٍ بن سعد الخثعمي أنه قال: (كان المفضَّل عند أبي عبد الله (ع) فقال له المفضَّل: جعلت فداك، يفرض الله طاعة عبدٍ على العباد ويحجب عنه خبر السماء؟ قال: «لا، الله أكرم وأرحم وأرأف بعباده من أنْ يفرض طاعة عبدٍ على العباد ثمَّ يحجب عنه خبر السماء صباحاً ومساءً») [أصول الكافي ج1 ص261]. إلى غير ذلك من الروايات الواردة في هذا المعنى.

المقام الآخر: بعد أنْ تبيَّن أنَّ الإمام (ع) يعلم الغيب بإذن الله تعالى؛ لما ذكرناه في المقام الأوَّل، نقول: إنَّ السيرة الجارية في حياة المعصوم هي التعامل وفق الظواهر والسَّير الطبيعيّ؛ ولذلك ورد عن النبيِّ الأعظم (ص) أنَّه كان يحكم بين الناس وفق البيِّنات والأيمان وليس بعلمه الغيبيّ [يُنظر: فروع الكافي ج7 ص414]. ونظير ذلك علم الله تعالى الغيبيّ بكفر إبليس وتمرُّده على العبادة في المستقبل ومع ذلك خاطبه بالسجود لآدم (ع) كما صُرِّح به في القرآن.

ومن ذلك كلِّه يتَّضح، أنَّ علم أمير المؤمنين (ع) بكسر ضلع الزهراء (ع) كان من باب الظاهر والجري الطبيعيّ، وإنْ كان عالماً بذلك بتعليم الله تعالى له، فإنَّ سيرتهم ـ كما قلنا ـ جرت على أنْ يكون التعامل مع الأمور وفق الظاهر وليس الغيب؛ ولأجله فلا تناقض بين علمه بالغيب، وبين علمه بكسر الضلع حين التغسيل.

والنتيجة من كلِّ ذلك، أنَّ علم الإمام بالغيب وإنْ كان ثابتاً وفق الدليل المعتبر، إلَّا أنَّه يتعامل وفق الظواهر والأسباب الطبيعيَّة والحمد لله ربِّ العالمين.