ما علاقةُ الميتافيزيقيا بالأديان؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : الميتافيزيقيا كلمةٌ يونانيّةٌ قديمةٌ يقابلُها في اللغةِ العربيّةِ كلمةُ (الماورائيّات) أو (ما وراءَ الطبيعة)، حيثُ تتكوّنُ الكلمةُ اليونانيّةُ مِن مقطعين هُما (ميتا) وتعني خلفَ أو ما وراءَ، وكلمةُ (فيزيكا) وتعني الفيزياء، وبالتالي يقصدُ بها ما يقعُ خلفَ المادّةِ، وقد أصبحَت كلمةُ (الميتافيزيقيا) مُصطلحاً فلسفيّاً يختصُّ بدارسةِ جوهرِ الأشياءِ، ويُعدُّ أرسطو مِن أوائلِ الفلاسفةِ الذينَ أصّلوا لهذا المُصطلحِ حيثُ كتبَ حولها كتاباً خاصّاً بعنوانِ (الميتافيزيقيا) حاولَ فيهِ التعرّفَ على الواقعِ مِن خلالِ دراسةِ الوجودِ كحقيقةٍ واحدة، وقد اهتمَّ بها إلى درجةِ أنّه كانَ يعتقدُ بأنَّ الميتافيزيقا هيَ أساسُ الحِكمة والفلسفة، وقيلَ أنَّ أرسطو سمّى هذا الكتابَ (بالفلسفةِ الأولى)، ثمَّ جاءَ الفيلسوفُ (أندرونيقوس الرودسي) في القرنِ الأوّلِ الميلادي بجمعِ كتبِ أرسطو وأطلقَ على الكتابِ اسمَ (الميتافيزيقا)، فتسميةُ أرسطو للكتابِ بالفلسفةِ الأولى فيهِ دلالةٌ على أنّه يرى أنَّ الميتافيزيقا هوَ أساسُ المباحثِ الفلسفيّة. ولمَن أرادَ الاطّلاعَ أكثر على هذا المُصطلحِ يمكنُه مراجعةُ الكتابِ الصادرِ عن المركزِ الإسلاميّ للدراساتِ الاستراتيجيّةِ في بيروت لـ(مهدي قوام صفري) وتعريبُ حيدر نجف، وقد جاءَ الكتابُ تحتَ عنوانِ (الميتافيزيقيا: أصلُ المفهومِ وجذورُه في تاريخِ الفلسفة) ومِن خلالِ تعريفنا لكلمةِ ميتافيزيقا اتّضحَ ارتباطُها بالأديان، باعتبارِ أنَّ مصدرَ الأديانِ هوَ الوحي والغيبُ وبالتالي ما وراءَ الطبيعة، ولذلكَ نجدُ الفلاسفةَ الغربيّينَ في بحوثِهم الفلسفيّةِ يستخدمونَ كلمةَ ميتافيزيقا للإشارةِ للأديان، بخلافِ الفلاسفةِ المُسلمينَ الذينَ يحافظونَ على نفسِ الكلمةِ الدينيّةِ وهيَ الغيب، وذلكَ لأنَّ الغيبَ في مفهومِه الإسلامي لا يتقوّمُ فقط في مقابلتِه للمادّةِ، فمعَ أنَّ الغيبَ يقابلُ الشهودَ إلّا أنَّ حقيقةَ الغيبِ لا تكونُ بالمفهومِ السلبي، بمعنى أنَّ الغيبَ ليسَ مُجرّدَ نفيٍ للشهود، وإنّما للغيبِ حقيقةٌ ذاتيّةٌ حتّى لو لم يكُن هناكَ شهودٌ أصلاً، فاللهُ سبحانَه وتعالى غيبٌ مُطلَقٌ وهوَ أصلُ كلِّ موجودٍ وخالقُه، وقد كانَ اللهُ ولا موجودَ معه، وعليهِ فإنَّ الغيبَ المُطلقَ سابقٌ للطبيعة، فلا يمكنُ حينَها أن تكونَ الطبيعةُ هي المُعرّفةَ له، وإنّما يكونُ هوَ المُعرّفَ للطبيعة، وهذا بخلافِ مُصطلحِ الميتافيزيقا الذي جعلَ منَ المادّةِ معياراً لتحديدِ معناه وهويّتِه، بحيثُ أصبحَ المُصطلحُ متقوّماً بنفي ما هوَ طبيعي، صحيحٌ أنّنا ننفي أن يكونَ اللهُ منَ الطبيعةِ ولكن لا يكونُ ذلكَ النفي هوَ المُقوّمَ لمعرفةِ الله تعالى، فعندَما نقولُ أنَّ العلمَ هوَ نفيُ الجهلِ فإنّنا لا ننفي أن يكونَ للعلمِ حقيقةٌ متقوّمةٌ بذاتِها غيرَ نفي الجهلِ عنه، فنفيُ الجهلِ مِن لوازمِ العلمِ وليسَ حقيقةَ العلم، وكذلكَ نفيُ الطبيعةِ عن اللهِ مِن لوازمِ كونِه إلهاً وليسَت هيَ حقيقتَه، وعليهِ فإنَّ كلمةَ الغيبِ في الدلالةِ الإسلاميّةِ تشيرُ إلى تلكَ الحقيقةِ المُتعاليةِ الموجودةِ بنفسِها والدالّةِ على ذاتِها بذاتِها، ويبدو أنَّ الاشتراكَ بينَ الميتافيزيقا والغيبِ وهوَ أنَّ الغيبَ في الدلالةِ الإسلاميّةِ يشملُ الغيبَ المُطلقَ والغيبَ النسبي، وموضعُ الاشتراكِ هوَ الغيبُ النسبيّ أي ما يكونُ غائباً عن الشهودِ الحسّيّ والمادّيّ، فكلُّ ما يكونُ غائِباً عن الحسِّ لأيّ سببٍ كانَ يُسمّى غيباً، بينَما الغيبُ المُطلَقُ وهوَ اللهُ تعالى لا تقتصرُ معرفتُه على المعرفةِ السلبيّةِ بنفي الطبيعةِ عنه.
اترك تعليق