هل توجدُ شواهدُ تاريخيّةٌ ذكرَتها الأديانُ السماويّةُ عن تبشيرِ الأنبياءِ بعضُهم ببعضٍ منَ القرآنِ الكريم ومِن باقي الكتبِ السماوية؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : لم يبيّن السائلُ أيَّ نوعٍ منَ الشواهدِ التاريخيّةِ التي يبحثُ عنها، فمنَ الصّعوبةِ البحثُ عن هذهِ الشواهدِ في مُطلقِ التاريخِ الإنساني لكونِه لا يمثّلُ مصدراً لبشارةِ الأنبياء، ومِن هُنا فإنَّ القرآنَ الكريم والكتبَ السّماويّة هيَ المصادرُ التي يجبُ البحثُ فيها عن مثلِ هذه الشواهد، وبما أنَّ التوراةَ والانجيلَ قد وقعَ فيهما التحريفُ، يبقى القرآنُ هوَ المصدرُ الوحيدُ الذي يجبُ الاعتمادُ عليه، ومعَ ذلكَ هناكَ بعضُ الشواهدِ التي تدلُّ على وجودِ البشارةِ بالنبيّ الأعظمِ في التوراةِ والانجيل. فمنَ الآياتِ الدالّةِ على بشارةِ الأنبياءِ السابقينَ بالنبيّ محمّدٍ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) هيَ قوله تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكتُوبًا عِندَهُم فِي التَّورَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأمُرُهُم بِالمَعرُوفِ وَيَنهَاهُم عَن المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُم الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيهِم الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنهُم إِصرَهُم وَالأَغلالَ الَّتِي كَانَت عَلَيهِم فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُم المُفلِحُونَ) فالآيةُ نصٌّ صريحٌ على وجودِ البشارةِ بالنبيّ الأعظمِ في التوراةِ والانجيل، وعدمُ وجودِ ذلكَ في ما هوَ موجودٌ اليومَ منَ التوراةِ والانجيلِ دليلٌ على وقوعِ التحريفِ فيهما. وفي آيةٍ أخرى أخذَ اللهُ على الأنبياءِ الميثاقَ بتبليغِ أتباعِهم بوجوبِ الإيمانِ به إن هُم أدركوه، قالَ تعالى: (وَإِذ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيتُكُم مِن كِتَابٍ وَحِكمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُم رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُم لَتُؤمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقرَرتُم وَأَخَذتُم عَلَى ذَلِكُم إِصرِي قَالُوا أَقرَرنَا قَالَ فَاشهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِن الشَّاهِدِينَ) وكذلكَ في دعاءِ نبيّ اللهِ إبراهيم (عليهِ السلام) بشارةٌ واضحةٌ بقدومِ نبيّ الإسلامِ، قالَ تعالى: (رَبَّنَا وَابعَث فِيهِم رَسُولاً مِنهُم يَتلُو عَلَيهِم آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَيُزَكِّيهِم إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ) أمّا الآيةُ التي نصَّت على بشارةِ النبيّ الأعظمِ وبالاسمِ فقد كانَت على لسانِ نبيّ اللهِ عيسى (عليهِ السلام)، قالَ تعالى: (وَإِذ قَالَ عِيسَى ابنُ مَريَمَ يَا بَنِي إِسرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيكُم مُصَدِّقًا لِمَا بَينَ يَدَيَّ مِنَ التَّورَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأتِي مِن بَعدِي اسمُهُ أَحمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحرٌ مُبِينٌ) فمعَ أنَّ الآيةَ صريحةٌ في أنَّ اسمَ النبيّ قد ذكرَ في الانجيلِ إلّا أنَّ يدَ التحريفِ عملَت على طمسِ هذه الحقيقةِ حتّى لا يكونَ الإسلامُ ناسخاً للمسيحيّة، ومعَ ذلكَ فإنَّ الإشارةَ إلى النبيّ محمّدٍ موجودةٌ، وهناكَ كتابٌ اختصَّ في تفصيلِ هذا الأمرِ يمكنُ الرجوعُ إليهِ وهوَ كتابُ (بشارةُ أحمد في الانجيل) لمحمّدٍ الحُسيني الريس. ومنَ المعلومِ أنَّ اللغةَ الأصليّةِ للإنجيلِ هيَ العبرانيّةُ ثمَّ ترجمَ لليونانيّة، وإنَّ كلمةَ أحمَد ومحمّد تعني موضعَ الثناءِ والحمدِ وهيَ تُترجمُ في اللغةِ اليونانيّة دائماً بكلمةِ (بيريكليتوس) وقد ترجمَت بالانجليزيّة في النسخةِ الانجيليّة بـ(باراكليتوس) والتي تعني شفيع أو مُدافع أو المُعزي، وهذا تحريفٌ في القراءةِ للكلمةِ الأصليّةِ بيركليتوس، وهكذا سارَت الاناجيلُ على هذهِ الترجمةِ، يقولُ العلّامةُ البلاغي في كتابِه الرحلةُ المدرسيّة: الكلمةُ في الأصلِ اليوناني {بير كلو طوس} الذي تعريبُه {فيرقلوط} بمعنى {كثيرُ المحمدة} الموافقُ لاسمِ {أحمد} و {محمّد}. لكنّهم صححّوه ـ حسبَ زعمِهم ـ إلى {بيراكلي طوس} ويعبّرونَ عنه بـ{فارقليط} كما عن التراجمِ المطبوعةِ بلندن سنةَ (1821 و1831 و1841 م) ومطبوعةِ وليم بلندن (1857م) على النسخةِ الروميّةِ المطبوعةِ سنةَ (1664م) والترجمةُ العبريّة المطبوعةِ سنةَ (1901م). لكن أبدلَه بعضُ المُترجمينَ إلى لفظةِ {المُعزّى} أو {المسلّى} وشاعَ ذلك. ومَن يريدُ الوقوفَ على هذهِ الشواهدِ يمكنُه الرجوعُ لبعضِ الكتبِ المُختصّةِ التي تتبّعَت البشارةَ بالنبيّ محمّدٍ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) في التوراةِ والانجيلِ وهيَ كثيرة.
اترك تعليق