ما معنى: « ضجيعيكَ آدمَ ونوح »؟
السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه،وردَت هذهِ الفقرةُ في بعضِ زياراتِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام): مِنها: ما ذكرَه الشيخُ ابنُ المشهديّ في [المزارِ الكبير ص192] في وداعِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام): « السلامُ عليكَ يا أميرَ المؤمنين، وعلى ضجيعيكَ آدمَ ونوح، ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، أستودعُكم اللهَ وأسترعيكم وأقرأ عليكُم السلام، آمناً باللهِ وبالرسلِ وبما جاءَت بهِ ودلّت عليه، اللهمَّ اكتُبنا معَ الشاهدين ». ومِنها: ما ذكرَه أيضاً في [المزارِ الكبير ص255] ضمنَ زيارةٍ له (عليهِ السلام): « أنا عبدُك يا مولاي وابنُ عبدِك، أتيتُك زائِراً مُعترفاً بحقِّك، وليّاً لمَن واليت، عدوّاً لمَن عاديت، سِلماً لمَن سالمت، حرباً لمَن حاربت، متقرّباً بمحبّتِك وولايتِك إلى اللهِ تعالى، والسلامُ عليكَ وعلى ضجيعيكَ آدم ونوح ورحمةُ اللهِ وبركاته ». ومِنها: ما ذكرَه السيّدُ ابنُ طاوس في [إقبالِ الأعمال ج3 ص135] في زيارةٍ له (عليهِ السلام): « والسلامُ عليكَ وعلى ضجيعيكَ آدم ونوح ، والسلامُ عليكَ وعلى ولديكَ الحسنِ والحُسين ، وعلى الأئمّةِ الطاهرينَ مِن ذرّيتك ». والمرادُ بهذهِ الفقرة: هو السلامُ على نبيّ اللهِ آدم ونبيّ اللهِ نوح (عليهما السلام) المدفونَينِ بجنبِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام). وقد قالَ المُحقّقُ البحّاثةُ السيّدُ حسون البراقيّ في كتابِه حولَ تاريخِ النجفِ الموسومِ بـ [اليتيمةِ الغرويّةِ والتحفةِ النجفيّة ص213 وما بعدَه]: « وإنّه أوّلُ مَن دُفنَ بالنجفِ آدم (عليهِ السلام) كما نطقَت بذلكَ الأخبارُ مِن أنّ آدمَ أوّلُ مَن دُفنَ بأرضِ النجف، وقد ذكرَ ذلكَ الكُلينيّ والصّدوقُ والطوسيّ وابنُ طاوس والطبرسيّ وعليٌّ بنُ إبراهيم والتستريّ والقاشانيّ والمُفيد والشهيدُ والمجلسيّ، بل أجمعَ العلماءُ على ذكرِ ذلكَ يرفعوه بالسندِ الصّحيحِ عن الأئمّةِ مِن أنّ آدمَ (عليهِ السلام) لمّا حضرَته الوفاةُ قامَ بأمرِه شيث (عليهِ السلام)، ولمّا قبضَه اللهُ غسّلَه شيث وكفّنَه وصلّى عليهِ ودفنَه في بيتِ اللهِ الحرام، وبقيَ هنالكَ إلى زمنِ الطوفان... » ثمّ ساقَ الروايةَ السادسةَ الآتيةَ وعلّقَ عليها، ثمّ قالَ: « وكذلكَ إنّ نوحاً (عليهِ السلام) دُفنَ في النجف، وقد نطقَت بذلكَ الأخبار، وقد ذكرَها الفقهاءُ الذينَ قدّمنا ذكرَ بعضِهم في أوّلِ ذكرِ قبرِ آدم، فإنّهم رووا أنّ نوحاً (عليهِ السلام) لمّا ماتَ دفنَه ابنُه سام بظهرِ الكوفةِ معَ أبيه آدم (عليهِ السلام)، وسيأتي منَ الأخبارِ ما يدلُّ على ذلك. وأمّا كتبُ المزاراتِ فأجمعَت على ذلكَ مِن قولهم: (وعلى ضجيعيكَ آدم ونوح) ». وهذه جملةٌ منَ الرّواياتِ الدالّةِ على ذلك: 1ـ ما نقلَه السيّدُ عبدُ الكريم ابنُ طاوس في [فرحةِ الغريّ ص252] بإسنادِه عن أبي بصيرٍ، قالَ: « سألتُ أبا جعفرٍ (عليهِ السلام) عن قبرِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام)، فإنّ الناسَ قد اختلفوا فيه، قالَ: إنّ أميرَ المؤمنينَ (عليه السلام) دُفنَ معَ أبيه نوح في قبره ». 2ـ وما نقلهُ أيضاً في [فرحةِ الغريّ ص261] بإسنادِه عن عبدِ الرحيمِ القصير، قالَ: « سألتُ أبا جعفر (عليهِ السلام) عن قبرِ أميرِ المؤمنين، فقالَ: أميرُ المؤمنينَ مدفونٌ في قبرِ نوح، قلتُ: ومَن نوح؟ قالَ: نوحٌ النبيّ (عليهِ السلام)، قلتُ كيفَ صارَ هذا؟ فقالَ: إنَّ أميرَ المؤمنين صدّيقٌ هيّأ اللهُ له مضجعَه في مضجعِ صدّيق.. إلى آخره ». 3ـ وما نقلهُ أيضاً في [فرحةِ الغري ص262] بالإسنادِ عن عبدِ الرحيمِ القصير، قال: « سألتُ أبا جعفر ـ يعني الباقرَ ـ عن قبرِ أميرِ المؤمنين (عليهِ السلام)، فإنّ الناسَ اختلفوا فيه، فقالَ: إنّ أميرَ المؤمنين (عليهِ السلام) دُفنَ مع أبيهِ نوح (عليهما السلام) ». 4ـ وما نقلهُ أيضاً في [فرحةِ الغري ص330] بالإسنادِ عن أبي بصير، قالَ: « قلتُ لأبي عبدِ الله (عليه السلام): أين دُفنَ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام)؟ قالَ: دُفنَ في قبرِ أبيه نوح، قلتُ: وأينَ نوح؟ الناسُ يقولونَ إنّه في المسجد، قالَ: لا، ذاكَ في ظهرِ الكوفة ». 5ـ ما رواهُ في [فرحةِ الغري ص331] بالإسنادِ عن أبي عبدِ الله (عليهِ السلام) قالَ: « قبرُ عليّ في الغريّ ما بينَ صدرِ نوح ومفرِق رأسِه ممّا يلي القبلة ». 6ـ ما رواهُ ابنُ قولويه القميّ في [كاملِ الزيارات ص90]، والشيخُ المُفيد في [المزارِ ص20]، والشيخُ الطوسيّ في [تهذيبِ الأحكام ج6 ص22]، وابنُ المشهديّ في [المزارِ الكبير ص36]، وابنُ طاوس في [فرحةِ الغريّ ص337] بالإسنادِ عن المُفضّلِ بنِ عُمر، قالَ: « دخلتُ على أبي عبدِ الله (عليهِ السلام) فقلتُ: إنّي أشتاقُ إلى الغريّ...قالَ: إذا أردتَ زيارةَ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام) فاعلم أنّك زائرٌ عظامَ آدم وبدنَ نوح وجسمَ عليٍّ بنِ أبي طالب (عليهِ السلام)، قلتُ: إنّ آدمَ هبطَ بسرنديب في مطلعِ الشمس، وزعموا أنَّ عظامَه في بيتِ اللهِ الحرام فكيفَ صارَت عظامُه بالكوفة؟ قالَ: إنّ اللهَ تباركَ وتعالى أوحى إلى نوحٍ (عليهِ السلام) وهوَ في السفينةِ أن يطوفَ بالبيتِ أسبوعاً، فطافَ بالبيتِ كما أوحى اللهُ إليه، ثمّ نزلَ في الماءِ إلى ركبتيه فاستخرجَ تابوتاً فيه عظامُ آدم، فحملَ التابوتَ في جوفِ السفينةِ حتّى طافَ بالبيتِ ما شاءَ الله تعالى أن يطوف، ثمّ وردَ إلى بابِ الكوفةِ في وسطِ مسجدِها، ففيها قال اللهُ للأرض: {ابلعي ماءكِ}، فبلعَت ماءها مِن مسجدِ الكوفةِ كما بدأ الماءُ مِن مسجدِها، وتفرّقَ الجمعُ الذي كانَ معَ نوح في السفينة، فأخذَ نوحٌ التابوتَ فدفنَه في الغري، وهوَ قطعةٌ منَ الجبلِ الذي كلّمَ اللهُ عليهِ موسى تكليماً، وقدّسَ عليه عيسى تقديساً، واتّخذَ عليهِ إبراهيم خليلاً، واتّخذَ عليه محمّداً حبيباً، وجعلَه للنبيّينَ مسكناً، واللهِ ما سكنَ فيهِ أحدٌ بعدَ أبويه الطاهرين آدم ونوح أكرمَ مِن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام)، فإذا زرتَ جانبَ النجفِ فزُر عظامَ آدمَ وبدنَ نوح وجسمَ عليٍّ بن أبي طالب (عليهِ السلام)، فإنّكَ زائرٌ الآباءَ الأوّلينَ ومحمّداً (صلّى اللهُ عليهِ وآله) خاتمَ النبيّينَ وعليّاً سيّدَ الوصيّين، فإنّ زائرَه تفتّحُ له أبوابُ السماءِ عندَ دعوته، فلا تكُن عَن الخيرِ نوّاماً ». وقد علّقَ السيّدُ البراقيّ في [تاريخِ النجف ص215] على هذا الخبرِ بقوله: «وقولهُ (عليهِ السلام): (فاعلَم أنّك زائرٌ عظامَ آدم) فهذا يُنافي اعتقادَنا، وهوَ أنّ الأنبياءَ لا تبلى أجسادُهم، بل واعتقادُنا أنّ العلماءَ كذلك... بل في هذا المقامِ كلامٌ كثيرٌ ذكرَته الفقهاءُ لا يسعُ هذا المُختصرُ ذكرَه ما مضمونه: إنّ الجسدَ يُعبّرُ عنهُ بالعظام، وكذلكَ البدن، وأمّا الجسمُ فهوَ نورانيّ، والبدنُ أقلُّ مرتبةً منَ الجسمِ بالنور، وكذا الجسدُ أقلُّ رتبةً منَ البدن، ولذا الفقهاءُ (رضوانُ اللهِ عليهم) جمعوا هذه الألفاظَ في الأئمّةِ (عليهم السلام) مِن قولهم: (السلامُ عليكُم وعلى أجسادِكم وأجسامِكم.. إلخ).. وإنّ آدمَ وإن كانَ نبيّاً وأبا البشرِ وأنّ نوحاً ابنَه إلّا أنّ نوحاً أعظمُ منهُ لأنّه مِن أولي العزم، وليسَ آدمُ كذلك، فلذا عبّرَ بجسدِ آدم عظامَ آدم، ونوحٌ عُبّرَ عنه بالبدن، وعليٌّ (عليهِ السلام) بالجسم، فافهَم. وقد سألتُ عن ذلكَ جنابَ شيخِنا (سلّمَه اللهُ تعالى) الشيخَ محمّد طه نجف، فأجابَ بذلك، ثمّ قال: في ذلكَ العصرِ يُعبّرُ عن الجسدِ بالعظام. وكذا أجابَ سيّدنا حسُين القزوينيّ (حفظَه الله). وكذلكَ سألتُ مَن كانَ له بذلكَ يدٌ واطّلاع، فأجابوا بما ذكرنا ». 7ـ ما نقلَه الشيخُ الصدوقُ ـ كما في [فرحةِ الغريّ ص198ـ201] ـ بالإسنادِ عن أمّ كلثوم بنتِ عليّ قالت: « آخرُ عهدِ أبي إلى أخويَّ (عليهما السّلام) أن قال: يا بنيّ، إذا أنا متُّ فغسّلاني ثمَّ نشّفاني... ثمّ أخذَ المعولَ فضربَ ضربةً فانشقَّ القبرُ عن ضريح، فإذا هوَ بساجةٍ مكتوبٌ عليها سطران بالسريانيّة: (بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم، هذا قبرٌ ادّخرَه نوحٌ النبيّ لعليٍّ وصيّ محمّدٍ قبلَ الطوفانِ بسبعِ مائة عام) ». والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
اترك تعليق