ما حِكمةُ شقِّ الجدار لفاطمة بنت أسد؟
السؤال: ما الحِكمةُ من شقِّ جدار الكعبة لفاطمة بنت أسد (عليها السلام)، رغم وجود الباب؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
من جملة الأحداث المعروفة هي حادثة شقِّ الجدار للسيِّدة فاطمة بنت أسد (عليها السلام) وولادتها لأمير المؤمنين (عليه السلام) في جوف الكعبة.
فقد ورد عن سعيد بن جُبير، قال: «قال يزيد بن قعنب: كنتُ جالساً مع العبَّاس بن عبد المطَّلب وفريق من عبد العزّى بإزاء بيت الله الحرام، إذ أقبلت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكانتْ حاملة به لتسعة أشهر، وقد أخذها الطلق، فقالت: ربِّ إنّي مؤمنةٌ بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب، وإنّي مُصدِّقة بكلام جدِّي إبراهيم الخليل (عليه السلام)، وأنّه بنى البيت العتيق، فبحقّ الذي بنى هذا البيت، وبحقّ المولود الذي في بطني، لـمَّا يسَّرت عليَّ ولادتي. قال يزيد بن قعنب: فرأينا البيت وقد انفتح عن ظهره، ودخلت فاطمة فيه، وغابت عن أبصارنا، والتزق الحائط، فرمنا أنْ ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح، فعلمنا أنَّ ذلك أمرٌ من أمر الله (عزَّ وجلَّ)، ثمَّ خرجت بعد الرابع وبيدها أمير المؤمنين (عليه السلام)، ثمَّ قالت: إنّي فُضِّلت على من تقدَّمني من النساء، لانَّ آسية بنت مزاحم عبدت الله (عزَّ وجلَّ) سرّاً في موضع لا يحبّ أنْ يعبد الله فيه إلَّا اضطراراً، وإنَّ مريم بنت عمران هزَّت النخلة اليابسة بيدها حتَّى أكلت منها رطباً جنيّاً، وإنّي دخلتُ بيت الله الحرام فأكلتُ من ثمار الجنَّة وأرزاقها، فلمَّا أردت أنْ أخرج هتف بي هاتف: يا فاطمة، سمِّيه عليّاً، فهو عليٌّ، والله العليُّ الأعلى. يقول: إنّي شققتُ اسمه من اسمي، وأدَّبته بأدبي، ووقَّفته على غامض علمي، وهو الذي يكسر الأصنام في بيتي، وهو الذي يؤذِّن فوق ظهر بيتي، ويقدِّسني ويمجِّدني، فطُوبى لمن أحبَّه وأطاعه، وويلٌ لمَن أبغضه وعصاه» [أمالي الصدوق ص194، علل الشرائع ج1 ص183، معاني الأخبار ص156، أمالي الطوسيّ ص706، بشارة المصطفى ص27،]، وغيرها من المصادر الكثيرة.
وقد أوضح السيِّد جعفر مرتضى العامليّ (طاب ثراه) أنّ الرواية مستفيضة، وأنّ القرائن القطعيّة قائمة على ثبوتها [ينظر: الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) ج1 ص87 ـ 89].
إذا اتَّضح هذا فنقول: إنَّ الرواية تفيد أنَّ شقِّ الجدار للسيِّدة فاطمة بنت أسد (عليها السلام) هو نوع من الإعجاز والكرامة من الله تعالى، وهو ممّا فهمه الحاضرون آنذاك، فلاحظ قوله: «فعلمنا أنَّ ذلك أمرٌ من أمر الله».
فلعلَّ الحِكمة من شقِّ الجدار ودخولها منه هي أبلغيّة دلالته على الإعجاز؛ إذ لو كان دخولها من باب الكعبة لكان أمراً متعارفاً لا إعجاز فيه، وبما أنَّ مشيئته تعالى قضت بأنْ تكون الولادة الميمونة من باب الإعجاز، فصار دخولها عن طريق شقِّ الجدار، وهو ما فهمه الحاضرون آنذاك كما قلنا.
وبعبارة أخرى: لو كان دخول السيِّدة فاطمة بنت أسد (عليها السلام) من باب الكعبة لأمكن للمُغرض والمبغض الإنكار، بدعوى أنّ ذلك أمر طبيعيّ وأنّ الدخول من الباب ممّا جرت عليه العادة، أمَّا لو كان عن طريق شقِّ الجدار فلا يتسنَّى له ذلك؛ لأنَّ الله تعالى أراد لهذه الولادة أنْ تكون بظروف خارقة للعادة، فلذا جرت الحكمة في شقِّه لها.
والنتيجة المتحصَّلة من كلِّ ذلك، أنَّ حادثة شقِّ الجدار من الحوادث المستفيضة المعروفة، وأنَّه يحتمل أن تكون الحِكمة من ورائها هي لبيان الإعجاز دون الاتّفاق والعادة.. والحمد لله ربِّ العالمين.
اترك تعليق