عقيدة الحلول عند النصيرية والدروز

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

{الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}

الأخ السائل المحترم / السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

[أولاً] المراد بعقيدة الحلول هو: أن الله (تعالى) يحلُّ في غيره ـ أيًّا كان ذلك الغير ـ بحيث يُفترض وجود محلٍّ والله (تعالى) يحلُّ فيه، فيكون الله (تعالى) تابعاً لذلك المحلِّ ومتقوِّماً به، مثلما تحلُّ الألوان في الأجسام وتتقوَّم بها.

وهذي العقيدة، أجمع المسلمون كافة على بطلانها، لأنها تتناقض مع بداهة العقل. ولا ريب في امتناع الحلول على الله (تعالى)، لأنه سيكون محتاجاً إلى غيره، وكل محتاج هو ممكن، فيكون الله (تعالى) ممكناً لا واجباً، وهذا محال.

ونُسب هذا القول لبعض فِرَق النصارى والصوفية والغلاة!

شرح الأصول الخمسة للقاضي المعتزلي: ص٢٩٧.

الأربعين في أصول الدين للفخر الرازي: ج١ ص١٦٥-١٦٧.

شرح المقاصد للسعد التفتازاني: ج٤ ص٥٤-٦٠.

شرح المواقف للشريف الجرجاني: ج٨ ص٣٢-٣٥.

قواعد المرام لابن ميثم البحراني: ص١٩٣.

أنوار الملكوت للعلاَّمة الحلي: ص٨٠-٨١.

الأنوار الجلالية للمقداد السيوري: ص٧١-٧٤.

كشف البراهين لابن أبي جمهور: ص١٨٣-١٨٤.

إلى غيرها من المصادر الإسلامية الكثيرة جداً.

وممَّن نسبه للنصيرية إشارة أو صراحة:

الأشعري في مقالات الإسلاميين: الصنف١٣ ص١٤.

البغدادي في الفَرْق بين الفِرَق: ب٤ ف٨ ص٢٣٩.

الاسفراييني في التبصير في الدين: ب١٣ ف٩ ص١٢٩.

الشريف الجرجاني في التعريفات: باب النون ص٢٤١.

[ثانياً] يصعب نسبة هكذا عقيدة إلى النصيرية والدورز، ما لم تثبت عنهم بمستندات موثوقة. وذلك لأنهم اضطرُّوا إلى التخفي والانطواء على أنفسهم، وعاشوا ظروفاً معقدة وضغوطاً صعبة. ومن يتصفح تاريخهم يجد أنه لا مندوحة لهم من التكتم والتحفظ الشديدَيْن في بيان معارفهم.

وكُتب المِلَل والنِّحَل مليئة بذمِّهم وتفسيقهم وتكفيرهم. وهي أخذتْ عن بعضها البعض، فلا يمكن الاعتماد على ما نقلَته عنهم. إلا بالرجوع إلى كُتب تلك الفِرَق، أو بالتعايش معهم في أوطانهم، حتى تتجلَّى الحقيقة للباحث، ويقف بنفسه على أصول عقائدهم وتفاصيل أفكارهم.

لا سيما أن ما كُتب عنهم أكثره بأقلام غيرهم ـ بل بعضه بأقلام مناوئيهم ـ وهو مشحون بالتناقضات. وهذا شيء يُتوقع صدوره في أناس خاضوا المعترك السياسي لقرون. وهُم ينكرون كثيراً من الأمور المنسوبة لهم، فيما وقفنا عليه ممَّا قالوه عن أنفسهم في مدوَّناتهم!

بحوث في المِلَل والنِّحَل للسبحاني: ج٨ ص٣٤١-٣٦٢، وج٨ ص٣٩٥-٤٢٢.

نعم، نُسب لهم شيء من القول بالحلول (حلول الروحاني في الجسماني) مثل: الشياطين الأشرار، والملائكة الأخيار، إذا حلُّوا في الإنسان، كجبرائيل (ع) يحلُّ في دِحْيَة الكَلْبي!

كما في شرح الفصول النصيرية للاسترابادي: ص٨٩.

وهذا القول ـ سواء صحَّت نسبتُه إليهم أم لم تصِح ـ فإنه واضح البطلان، وظهور شيء في صورة شيء آخر لا يقتضي الحلول، فجبرائيل (ع) ظهَر في صورة دِحْيَة، وما حلَّ فيه!

[ثالثاً] القول بحلول الله (تعالى) في أمير المؤمنين (ع) أو في الحاكم الفاطمي ـ أو في غيرهما من خَلقه ـ أمرٌ محال عقلاً، فلا يمكن أن يقع. وقدرة الله (تعالى) مطلقة، ولكنها لا تتعلَّق بالأمور المحالة، فلا يمكن أن يريدها الله (تعالى).

ثم الله (تعالى) يعرِّف نفسه إلى عباده بآياته المتنوعة، عبر الآفاق والأنفس وبيانات الأنبياء والأئمة (ع).

ويدلُّ على ذلك:

١- قوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت ٥٣].

٢- وقوله تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ ۝ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات ٢٠-٢١].

٣- وقوله تعالى: {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ ۝ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [الجاثية ٣-٤].

• مثال المعرفة الآفاقية:

قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة ١٦٤].

• مثال المعرفة الأنفسية:

قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ۝ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ۝ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون ١٢-١٤].

• مثال المعرفة البيانية:

قال تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة ١٥١].

• وجمَع المعارف الثلاث أميرُ المؤمنين (ع) في قوله:

«فَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلَه، ووَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَه، لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِه، ويُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِه، ويَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِالتَّبْلِيغِ، ويُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ، ويُرُوهُمْ آيَاتِ الْمَقْدِرَةِ، مِنْ سَقْفٍ فَوْقَهُمْ مَرْفُوعٍ، ومِهَادٍ تَحْتَهُمْ مَوْضُوعٍ، ومَعَايِشَ تُحْيِيهِمْ، وآجَالٍ تُفْنِيهِمْ، وأَوْصَابٍ تُهْرِمُهُمْ، وأَحْدَاثٍ تَتَابَعُ عَلَيْهِمْ»، نهج البلاغة: ج١ ص٤٣ خ١.

وَرُوِيَ عن أمير المؤمنين (ع) عدة روايات يبيِّن فيها معرفة الله (تعالى)، عبر آياته الآفاقية والأنفسية والبيانية، كما في:

المحاسن للبرقي: ج١ ص٢٣٩ ح٢١٦ وح٢١٧.

الكافي للكليني: ج١ ص٨٥ ح٢، وص٩٧ ح٦، وص١٣٨ ح٤.

التوحيد للصدوق: ب٨ ص١٠٩ ح٦، ب٤١ ص٢٨٥ ح٢، وص٢٨٨ ح٦، وب٤٣ ص٣٠٤ ح١، وص٣٠٨ ح٢.

فلو كان الحلول الباطل من طرق المعرفة الدينية، لما تركه القرآن الكريم والسُّنة الشريفة من البيان للناس!

[رابعاً] كلُّ من ينتسب إلى الإسلام من فرق المسلمين هو منهم، وتجري عليه أحكامهم، له ما لهم، وعليه ما عليهم، ما لم يظهَر منه خلاف ذلك.

والقول بالحلول، لو ثبت عمَّن ينتسب إلى الإسلام، وهو منتبه إلى بطلانه، وملتفت إلى مناقضته للعقل وللنقل، فإجراء أحكام المسلمين عليه في غاية الإشكال.

بل إذا رجع قوله هذا، إلى إنكاره أو عدم اعترافه: بالألوهية أو التوحيد أو الرسالة أو المعاد أو بعض ضرورات الإسلام، فإنه يكفر بذلك، ويُعتبر من الغلاة.

العروة الوثقى لليزدي: ج١ الثامن ص١٤٣، وص١٤٥ م١٩٩-٢، وص١٤٦ م٢٠٠-٣، مع تعليقات فقهاء الشيعة عليها.