ما مدى معرفة النبي (ص) و الامام علي (ع) بذات الله تعالى؟

السؤال: قال رسول الله (ص): «يا علي، ما عرف الله إلا أنا وأنت، وما عرفني إلا الله وأنت، وما عرفك إلّا الله وأنا». ما معنى هذا الحديث ... والى أيّ مدى يبلغ معرفة النبيّ الاعظم (ص) ووصيّه (ع) بذات الله ... جلّ جلاله؟ #

: الشيخ أحمد الكعبي

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

للوقوف على فهم النص الشريف لا بدّ من بيان أمور منها:

أوّلاً: أنّ المراد بالمعرفة هي الإقرار بالإشهاد العامّ الذي سُئل فيه الخلق {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ}، [الاعراف، 172]، إذْ يجب أن لا تكون المعرفة بالله التي يؤمن بها الإنسان معرفة ماهويّة حصوليّة. أيْ ليس الله تعالى محدوداً وليس له وجوداً ذهنيّاً؛ وذلك لأنّ الله تعالى أبعد من أن تنالَه العقول، أو تدركَه خطرات الظنون، ففي الحديث الشريف قال: قلت لأبي عبد الله (ع): (هل جعل في الناس أداة ينالون بها المعرفة؟) قال: «لا، قلت: فهل كُلِّفوا المعرفة؟ قال: لا، إنّ على الله البيان، لا يكلّف الله العباد إلّا وسعها، ولا يكلّف نفساً إلّا ما آتاها». [ الكافي ج1 ص 163].

وعن الإمام الصادق (ع) قال: «ليس لله على الخلق أن يعرفوا قبل أن يُعرِّفَهم، وللخلق على الله أن يُعرِّفَهم، ولله على الخلق إذا عرَّفهم أن يَقبَلوا». [ مرآة العقول ج2 ص226].

قال السيّد الطباطبائيّ: (إنّ المعرفة المتعلّقة بشيء إنّما هي إدراكه فما وقع في ظرف الإدراك فهو الذي تتعلّق به المعرفة حقيقة لا غيره ، فلو فرضنا أنّا عرفنا شيئا من الأشياء بشيء آخر هو واسطة في معرفته فالذي تعلّق به إدراكنا هو الوسط دون الظرف الذي هو ذو وسط ، فلو كانت المعرفة بالوسط مع ذلك معرفة بذي الوسط كان لازمه أن يكون ذلك الوسط بوجه هو ذا الوسط حتّى تكون المعرفة بأحدهما هي بعينها معرفة بالآخر فهو هو بوجه وليس هو بوجه فيكون واسطة رابطة بين الشيئين فزيد الخارجيّ الذي نتصوّره في ذهننا هو زيد بعينه ولو كان غيره لم نكن تصوّرناه بل تصوّرنا غيره ، وعاد عند ذلك علومنا جهالات) [الميزان في تفسير القرآن ج 8 ص266].

ثانيا: ما يؤكّد أهمّيّة المعرفة أنّها وردت في روايات أهل البيت (عليهم السلام) بلسان يحثّ عليها:

فعن عليٍّ (ع) أنّه قال: «أوّل الدين معرفته». [ نهج البلاغة ج1 ص14].

وعن الإمام الصادق (ع) أنَّه قال: «لو يعلم الناس ما في فضل معرفة الله تعالى، ما مدّوا أعينهم إلى ما متّع الله به الأعداء، من زهرة الحياة الدنيا ونعيمها، وكانت دنياهم أقلّ عندهم ممّا يطؤونه بأرجلهم، وتنعّموا بمعرفة الله، وتلذّذوا بها تلذّذ من لم يزل في روضات الجنان مع أولياء الله، إنّ معرفة الله عز وجل آنَسُ من كلّ وحشة، وصاحبٌ من كلّ وحدة، ونورٌ من كلّ ظلمة، وقوةٌ من كلّ ضعف، وشفاءٌ من كلّ سقم». [روضة الكافي 207-347].

وعنه (ع): «معرفة الله سبحانه أعلى المعارف». [غرر الحكم و درر الكلم، التميميّ الآمديّ ج1 ص712].

وعنه (ع): «مَن عرف اللَّه كملت معرفته». [غرر الحكم و درر الكلم، التميميّ الآمديّ ج1 ص590].

ثالثا: أنّ معنى الحديث يعكس عمق العلاقة ودرجتها ومنزلتها ومكانتها بين: (الله، والنبيّ، وعليّ) في خصوص مدى معرفة النبيّ (ص) وعلي (ع) بذات الله، إذْ يمكن فهمه على أنّه إشارة إلى أنّهم يمتلكون مقاماً رفيعاً في الفهم والمعرفة الإلهيّة، لا يصل إليها غيرهما إلّا بتوسّطهما، فهما حدّها الأوسط. فالنبيّ (ص) وهو من {دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى}، [سورة النجم 8،9]، وكما يقول زين لعابدين (ع): «أنا ابن من علا فاستعلى فجاز سدرة المنتهى فكان من ربّه قاب قوسين أو أدنى». [ الإحتجاج للطبرسي، ج2 ص311].

والواسطة في تلقّي الوحي والمعرفة، وعليّ (ع) يمثّل استمرار المعرفة. كيف لا وهو القائل: «لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً». [إحقاق الحقّ للتستريّ ج7 ص605].

إذنْ: فالحديث يشير إلى أنّ المعرفة الحقيقية لله تعالى لا تُدرك إلّا من خلال النبيّ وأمير المؤمنين. قال أبو عبد الله (ع): «إنّ الله واحد، أحد،... بنا عُرِفَ الله، وبنا عُبِدَ الله، نحن الأدلّاء على الله، ولولانا ما عُبِدَ الله». [التّوحيد، للصدوق ج1 ص152].

إنّ المعرفة من الكلّي التشكيكيّ ذات المراتب الطوليّة والعرضيّة الكثيرة التي لا يعلمها إلّا الله والراسخون في العلم محمّد وآل محمّد (عليهم السلام) كما أنّ المعرفة جلاليّة وجماليّة وكماليّة، فكمال الكمال في معرفة الله سبحانه في صفاته وأفعاله لا في ذاته فإنّه لا يعلم ما هو إلّا هو حتّى قال النبيّ ما عرفناك حقّ معرفتك. أيْ في ذاتك ولكن في الصفات والأفعال. أيْ عالم الجبروت والملكوت، فإنّه لا يعرف الله في هذين العالمين إلّا الرسول الأعظم ونفسه أمير المؤمنين، كما لم يعرف حقيقة النبيّ وحقيقة الوليّ كما هو إلّا الله سبحانه وأمّا فاطمة الزهراء فهي نفس رسول الله وروحه التي بين جنبيه كما هي كفؤ أمير المؤمنين (عليه السلام) وفي هذا الوادي المقدّس كلام شريف لا يقف عليه إلّا من كان مقدساً طاهراً، فإنّه لا يمسه إلّا المطهرون فكن منهم حتى تعرف حقائقهم والله المستعان). [ينظر: موقع السيّد عادل العلويّ ]. والحمد لله ربّ العالمين.