هل أمطرت السماء دماً لمقتل الإمام الحسين (ع)؟

السؤال: يقول الرافضة: إنّ الحسين (رضي الله عنه) مات عطشاناً، وقالوا: إنّ السماء بكت دماً عند استشهاده! قلنا: فلماذا لم تبكِ السماء ماءً حتّى يرتوي الحسين وأهل بيته؟ وما الذي يستفيده الحسين من هذا الدم؟

: السيد أبو اَلحسن علي الموسوي

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

لا يخفى ما في كلام هذا السلفيّ من التهكّم والاستخفاف بواحدةٍ من أعظم المصائب والرزايا التي لحقت برسول الله وأهل بيته (صلّى الله عليه وعليهم أجمعين) على خلفيّة ما قام به حزب الشيطان الطلقاء من بني أميّة وأتباعهم بارتكابهم واحدةً من أبشع الجرائم التي عرفها التاريخ متمثّلةً بقتل سيّد شباب أهل الجنّة المولى أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، ولا نملك إلّا أنْ نقول لهذا المتهكّم: (حسبك بالله حاكماً، وبمحمد خصيماً، وبجبرئيل ظهيراً ، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)، وكيفما كان فإنّ الجواب عمّا جاء في كلامه يقع في بيان جهتين:

الجهة الأولى: فيما يرتبط ببكاء السماء دماً:

من الواضح لمن طالع كتب التاريخ الإسلاميّ لدى الفريقين أنّ الحوادث الكونيّة التي رافقت مقتل سيّد الشهداء أبي عبد الحسين (عليه السلام) أو تلته لهي كثيرةٌ ومتنوّعة، ويستدعي ذكرها التطويل المفوّت للغرض من الإجابة مع إمكان مراجعة جوابٍ سابقٍ عنها بعنوان: (تكذيب بكاء السماء واحمرارها يوم مقتل الحسين)؛ لذا سنقتصر هنا على ذكر الآية السماويّة التي أشير إليها في كلام السائل وهي (مطر السماء دماً) في الوقت الذي كانت فيه شهادته (عليه السلام) في وقتٍ قائظٍ وشديد الحرارة في صيف سنة 61 للهجرة الشريفة، وسنكتفي بما صرَّحت به النصوص الواردة في كتب المخالفين المعتبرة عندهم من دون أنْ نتعرّض لشيءٍ ممّا في كتب الشيعة، فإنّه لا يبلغ معشار ما عند العامّة، فإليك بعضاً من تلك النصوص مع بعض من مصادرها ومن دون تكرار:

1- روى الصالحيّ الشاميّ عن ابن السدّيّ عن أمّ سلمة قالت: «لَمَّا قُتل الحسين- رضي الله تعالى عنه- ‌مُطرنا ‌دماً» [سبيل الهدى والرشاد ج11 ص80].

2ـ وروى البغويّ وابن عساكر والمحبّ الطبريّ والذهبيّ بإسنادهم عن جعفر بن سليمان الضبعيّ قال: «حدثتني خالتي أم سالم قالت: لَمَّا قُتل الحسين مُطرنا مطراً كالدم على البيوت والجُدر. قال: وبلغني أنّه كان بخراسان والشام والكوفة» [معجم الصحابة ج7 ص150، تاريخ دمشق ج14 ص229، ذخائر العقبى ص145، تاريخ الإسلام ج5 ص16].

3ـ وروى ابن سعد والثعلبيّ والقرطبيّ بإسنادهم إلى سُلَيم القاصّ، قال: «‌مُطِرنا ‌دمًا يوم قُتل الحسين» [الطبقات الكبرى ج6 ص455، تفسير الثعلبيّ ج23 ص537، تفسير القرطبيّ ج16 ص141].

4ـ روى البيهقيّ وغيره العشرات بأسانيد متعدّدة عن نضرة الأزديّة قالت: «لَمَّا قُتل الحسين بن عليٍّ مطرت السماء دماً فأصبحتُ وكلّ شيءٍ ملآن دماً» [دلائل النبوّة ج6 ص471، الثقات لابن حبّان ج5 ص485، سير أعلام النبلاء ج3 ص313، تهذيب الكمال ج6 ص433، إمتاع الأسماع ج12 ص241].

5ـ وقال أبو سعيد: «ما رفع حجر من الدنيا إلا وجد تحته دمٌ عبيط، ولقد ‌مطرت ‌السماء ‌دماً بقي أثره في الثياب مدةً حتى تقطعت» [نظم درر السمطين ص221، الصواعق المحرقة ج2 ص569].

يضاف إلى مصادر المسلمين: ما في مصادر غيرهم، فقد جاء في مخطوطة وقائع عصر الأنجلو سكسون، التي تعتبر أهم مصدر في تاريخ بريطانيا عن ذلك العصر، والتي تُرجمت ونُقّحت على يد مايكل ج سوانتون، وصدرت باعتبارها كتاباً عام 1996م وقد وُصفت ترجمته هذه بأنّه القراءة الأكثر اكتمالاً وإخلاصًا على الإطلاق، فقد ذكرت المخطوطة في وقائع سنة 685 النصّ التالي:

(A.D. 685 This year there was in Britain a bloody rain, and milk and butter were turned to blood )

وتمام ترجمته: (685م. هذا العام كان هناك أمطار دمويّة في بريطانيا، وتحوّل الحليب والزبدة إلى دم) [وقائع عصر الأنجلو سكسون: القرن السابع (النسخة المترجمة) على موقع مكتبة ليليان جولدمان للقانون ــ كليّة الحقوق بجامعة ييل الأمريكيّة].

ومن المعلوم أنّ اليوم الذي قُتل فيه الحسين وأهل بيته وصحبه (عليه وعليهم السلام أجمعين) هو يوم العاشر من شهر محرّم الحرام لسنة (61 هـ)، وكان يوماً قائظاً قضوا فيه عطاشى، وبعد التحقيق وضبط التواريخ ومقارنتها اتّضح أنّ هذا اليوم يتّفق تمام الاتفاق مع يوم السادس عشر من الشهر الثامن آب لسنة (685 للميلاد) الذي هو من أشدّ أوقات الصيف حرارةً [ينظر: مقال بعنوان: (ضبط تاريخ واقعة الطفّ) على موقع مجلّة رسالة القلم]، فكانت الآية آيتين: مطرٌ دمويٌّ من جانب، ومن الجانب الآخر أنْ ينزل المطرُ صيفاً على خلاف المعتاد من نزول المطر في الشتاء. والآن.. قل لي أنت: كيف تطابق ما في كتب المسلمين مع ما في المخطوطة البريطانيّة؟!.

على أنّنا نلفت عناية القارئ الكريم إلى ما ذكرناه في إجاباتٍ سابقة: أنّ أخبار الحوادث التاريخيَّة حتّى تلك المهمّة منها لا يجب أنْ يكون رواتها من الثقات أو العدول، بل قد اكتفى علماء المسلمين في قبولها بما جرت عليه سيرة العقلاء من الاكتفاء بأنْ تكون الحادثة من المعقولات؛ بحيث لا يمتنع وقوعها بل يكون ممكناً ومتصوّراً ومعقولاً، وكذلك لابدّ أنْ تكون مشهورةً ومتداولةً لدى الناس، فما بالك وقد عرفت أنّ مطر السماء دماً قد نقله العلماء من الفريقين وتداولته كتبهم وعلم به المسلمون جيلاً بعد جيل؟ هذا مضافاً إلى أنّ حوادث التاريخ هي من نوع القضايا المعرفيّة التي لا تدخل في مجال الاعتقاد بحيث يحاسب عليها الإنسان يوم القيامة أو يُكفّر من صدّق بها، كما أنّها لا تستتبع في حدّ ذاتها تنجُّز تكليفٍ شرعيٍّ جديدٍ في حقّ المكلّف، وبعبارة أخصر: هي لا تدخل في مجال العقيدة ولا في مجال العمل، وحينئذٍ: فأيَّةُ جنايةٍ للشيعة لو تكلّموا في تلك الحوادث وتناقلوها في كتبهم كما يتناقلها علماء المذاهب الإسلاميّة ومؤرّخو الديانات الأخرى؟!

الجهة الثانية: حول عدم إغاثة السماء له (عليه السلام) بالماء

اعلم أخي القارئ الكريم أنّ لله تعالى سنناً كونيّةً حتميّةً وثابتةً لا تتبدّل ولا تتحوّل كما قال تعالى: {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} [فاطر: 43]، ومن بين تلك السنن الإلهيّة الحتميّة سنّة الابتلاء، قال تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ ‌نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان: 2] ، وقال عزّ من قائل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155]، فالله سبحانه يبتلي المصلحين من الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام أجمعين) بابتلاءاتٍ خاصّةٍ تتناسب ومقاماتهم الساميّة وبنحو لا نطيقه نحن عوامّ الناس، وحينئذٍ فلو وجب عليه تعالى إغاثة المبتلى منهم كلّما ابتلاه لبطلت الحكمة من تلك السنّة، وما كان يُعرف هؤلاء المصلحون بأنّهم صادقون صابرون ومقرّبون إليه تعالى، ولا أمكن أنْ ترتفع درجات بعضهم على بعض فيتمايزون؛ ولهذا لم تحصل الإغاثة للأنبياء حين قتلهم بنو إسرائيل، كما لم تحصل لمن ابتلوا منهم بما دون القتل، فالله سبحانه كان قادراً على إهلاك نمرود من دون إلقاء إبراهيم (عليه السلام) في النار، وكان قادراً على أن يسقي هاجر وابنها إسماعيل (عليهما السلام) دون الهرولة والبحث عن زمزم، وكذا هي قدرته تعالى على معافاة أيوب (عليه السلام) فلا يبتليه بالمرض أصلاً وحينئذٍ لن يتخلّى عنه أهل بيته، وكذلك يقدر على إعادة يوسف ليعقوب (عليهما السلام) من دون أنْ تبيضّ عيناه، ولكنّها سنّة الابتلاء وليس فيها من استثناءٍ كما لا يخفى.

وبالتالي فإنّ ابتلاء هؤلاء المصلحين الربّانيّين لا يعني هوانهم على الله عزّ وجلّ، بل على العكس تماماً فإنّه تعالى إذا أحبّ عبداً ابتلاه ليرفع من منزلته ودرجته ويكرمه، فعن النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) قال: «إنّ البلاء للظالم أدب، وللمؤمن امتحان، وللأنبياء درجة، وللأولياء كرامة» [جامع الأخبار ص310]، وقد سبق لنا جوابٌ عن ذلك بعنوان: (هل يتنافى الابتلاء مع كرامة الإنسان على الله تعالى؟) فليراجع فإنَّ فيه الكفاية والغنى.

وأمّا عن الثمرة من هذه الآية الآفاقيّة (أعني مطر السماء دماً) فمن الواضح أنّها - كغيرها من الآيات التي كان الله تعالى يسدّد ويؤيّد أنبياءه بالكثير منها – كان لها الأثر الكبير في معرفة الحقّ وأهله، حيث أدرك الناس حينذاك أنّ نهضة الحسين (عليه السلام) كانت نهضةً ربّانيَّةً خالصةً، الأمر الذي أسهم بدوره في تحقيق النهضة لأهدافها من ثبات للدعوة الإسلاميّة وبقاء للشريعة وصناعة المصلحين من داخل الأمّة وخارجها حتّى راح أحرار العالم يستلهمون من تلك النهضة الدروس والعبر جيلاً بعد جيل، مضافاً إلى ما كانت تمثّله هذه الآية من دليلٍ قاطعٍ على أنّ بني أميّة لم يكونوا خلفاء لله كما يزعمون، وإنّما هم حزب الشيطان وأولياء الكفر، ممّا أدّى إلى افتضاح أمرهم وتقويض ملكهم واجتناب نهجهم.

ختاماً هذا ما وفّقنا الله تعالى لتحريره في المقام، والحمد لله ربّ العالمين.