هل الإمام أدنى منزلة من النبيّ والرسول؟
السؤال: عن زرارة قال: «سألتُ أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله (عزَّ وجل): {وكان رسولا نبيَّا} ما الرسول وما النبيّ؟ قال: النبيّ الذي يرى في منامه ويسمع الصوت ولا يعاين الملك، والرسول الذي يسمع الصوت ويرى في المنام ويعاين الملك، قلت: الإمام ما منزلته؟ قال: يسمع الصوت ولا يرى ولا يعاين الملك». وعليه الرسول أفضل من النبيّ، والنبيّ أفضل من الامام! عكس ما يقول به الشيعة؟
الجواب:
روى الشيخ الكُلينيُّ عن زرارة قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: {وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا}، ما الرسول؟ وما النبيّ؟ قال: النبيّ الذي يرى في منامه ويسمع الصوت ولا يعاين الملك، والرسول الذي يسمع الصوت ويرى في المنام ويعاين الملك، قلت: الإمام ما منزلته؟ قال: يسمع الصوت ولا يرى ولا يعاين الملك» [الكافي ج١ ص١٧٦].
فأخرجها في باب (الفرق بين الرسول والنبيّ والمحدّث)، وجعلها الرواية الأولى من روايات الباب. وهذا العنوان نفسه يكشف عن السياق المقصود من الرواية، وهو بيان الفروقات الوظيفيّة بين هذه العناوين الثلاثة، لا المفاضلة بينها من حيث المقام والقرب من الله تعالى.
- ومن هنا - يظهر أنَّ الإشكال ناشئٌ عن الخلط بين جهتين مختلفتين من التفضيل: جهة الوظيفة المرتبطة بتلقي الوحي، وجهة المنزلة الكماليَّة التي ينالها الإنسان الكامل.
وبناءً على ذلك، يكون الجواب المختصر هو: لا، هذه الرواية لا تثبت تفاضل المقامات بمعيار الرؤية والسماع ومعاينة الملك، ولا تنقض ما يعتقد به الشيعة من أنَّ مقام الإمام قد يكون أرفع من مقام النبيّ أو حتى من بعض الرسل، باستثناء خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله).
وسيتضح ذلك من خلال التفصيل التالي:
وقع المستشكل في تناقضٍ عندما استدل بالرواية على نفي أرجحيَّة مقام الإمام مقارنةً بالنبيّ أو الرسول، مع أنَّ الرواية نفسها لا تتحدّث إطلاقاً عن المفاضلة في الكمالات أو المنزلة الروحيَّة، لا بالنفي ولا بالإثبات، وإنما هي بصدد توصيف الوظيفة الظاهريَّة المتعلّقة بكيفية تلقي كلٍّ من الإمام والنبيّ والرسول للعلم الإلهيّ أو للإعلام الغيبيّ.
فالإمام الباقر (عليه السلام) في هذه الرواية لا يقول: إنّ أحدهم أفضل من الآخر، بل يقول: إنّ الإمام «يسمع الصوت»، والنبيّ «يسمع الصوت ويرى في المنام»، والرسول «يسمع الصوت ويرى في المنام ويُعاين الملك». وهذا البيان أقرب ما يكون إلى شرح الفروق الوظيفيّة لا الفروق القيميّة.
ولذلك، فاستنتاج أنّ الإمام أدنى مرتبةً معنويةً أو أقلُّ كمالاً من النبيّ أو الرسول - لأن طريقته في التلقي أضيق -، هو استنتاجٌ خارجٌ عن إطار النص، بل هو افتراضٌ مسبق يُسقطه المستشكل على الرواية، دون أنْ تتكفَّل الرواية بإثباته.
وبناءً عليه، فالخطأ المنهجي هنا هو أنَّ المستشكل استدلَّ على المدعى بما ليس دليلاً عليه؛ فمدعاه هو نفي الأفضليّة، بينما دليله هو رواية لا تتكلم عن الأفضلية أصلاً، بل عن طبيعة أداء الوظيفة. وهذا هو عين ما يُسمى في المنطق بـ الاستدلال بالمدّعى، أي أن يستنتج شخصٌ ما أراد إثباته دون أنْ تكون بين المقدمة والنتيجة رابطةٌ منطقيَّة صحيحة.
وعليه، فإن التفضيل بين النبيّ والرسول والإمام لا يُؤخذ فقط من جهة كيف يُلقى إليهم العلم أو الوحي، بل من جهة من هو الأقرب إلى الله، ومن هو الأكمل نفساً، ومن هذه الزاوية تأتي عقيدة الشيعة في الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)، فبحسب رواياتهم المتضافرة أنهم أفضل من سائر الأنبياء، وقد يستثني البعض أولي العزم من الرسل، ولكن المشهور هو افضليتهم مطلقاً إلَّا على خاتم الأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله).
كما أنَّ الشيعة يستندون إلى آياتٍ قرآنيّةٍ تثبت أنَّ الإمامة أعلى من النبوة والرسالة، كقوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} [البقرة: 124]، فإبراهيم (عليه السلام) كان نبيَّاً ورسولاً قبل أنْ يُجعل إماماً؛ وهذا يدلُّ على أنَّ الإمامة هنا منزلةٌ مضافةٌ بعد النبوة والرسالة، روى الكلينيّ عن زيدٍ الشحّام قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إنّ الله تبارك وتعالى اتّخذ إبراهيمَ عبداً قبل أن يتّخذهُ نبيَّاً، وإنّ الله اتخذهُ نبيَّاً قبل أنْ يتخذه رسولاً، وإنّ الله اتخذهُ رسولاً قبل أنْ يتّخذهُ خليلاً، وإنّ الله اتخذهُ خليلاً قبل أنْ يجعلهُ إماماً فلمّا جمع له الاشياءَ قال إنّي جاعلك للناسِ إماماً قال فمِن عظمِها في عينِ إبراهيمَ قال ومن ذريتي قال لا ينالُ عهدي الظالمين قال لا يكونُ السّفيهُ إمامَ التقي» [الكافي ج1 ص 259].
ويضاف إلى ذلك: أن الإمام هو وارث النبيّ في العلم والهدى، وامتدادٌ له في الأمة، بل وحافظ لرسالة الرسول، فهو ليس دون النبيّ في مقام الهداية والعصمة والمعرفة بالله، والفرق بينهما هو أنَّ النبيّ صاحب الرسالة والوحي، والإمام هو الوصي على رسالته، فلا يأتي بوحيٍ جديدٍ ولا شريعةٍ أخرى، وإنما يقوم مقام النبيّ والرسول في غيبته.
وفي المحصلة، الإشكال مردودٌ لأنَّه قائمٌ على الخلط بين الوظيفة الظاهرة (كالرسالة والتشريع) وبين المقام الواقعي للإنسان الكامل، وقد فرّقت مدرسة أهل البيت بين النبيّ الذي يُبعث برسالة، وبين الإمام الذي يحفظ الرسالة ويكون حجة الله في الأرض، وقد يكون الإمام ـ كما هو الحال في أئمتنا ـ أعلم وأكمل من الأنبياء إلَّا خاتمهم (صلى الله عليه وآله)، كما يظهر من عشرات النصوص الروائَّية والكلاميَّة في تراث أهل البيت (عليهم السلام).
اترك تعليق