لماذا تزوج النبي (ص) من عائشة؟
سؤال: عن سبب تزوج رسول الله (صلى الله عليه وآله) عائشة وحفصة مع أنّ آبائهن منافقون أو كافرون! والقول أنّه لتأليف قلوبهم أمر غير مستساغ؛ إذ إن أبا بكر وعمر من أقلّ بيوتات قريش شرفاً ومكانة، أو ّان رسول الله لا يعلم الغيب ولا يدري بحال زوجاته وأهلهن؟
الجواب:
أوّلاً: لابدّ من التأكيد على أنّ معرفة الحِكمة من زواج النبيّ (صلى الله عليه وآله) أو عدم معرفتها لا يؤثّر في التقييم الموضوعيّ للشخصيّة الحقيقيّة لعائشة وحفصة، ولا علاقة لزواجهن من رسول الله بما عليه حالهن من الصلاح أو الفساد، فليس بين أيدينا قاعدة تجزم بأنّ زوجات النبيّ معصومات من الانحراف والضلال، بل القاعدة على عكس ذلك حيث يقول تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}، فاختيار النبيّ لأيّ زوجة ليس فيه ضمان مستقبليّ لها.
فمثلاً:
لا يمكن إهمال محاربة عائشة للإمام عليّ (عليه السلام) في الجمل، والتي راح ضحيّتها آلاف الصحابة؛ لأّنها فقط كانت زوج النبيّ، فحتّى لو اعترفنا بأنّ زواجها من النبيّ له نحو من الفضل، إلّا أّن ذلك لا يدعو للتغاضي عمّا أحدثته بخروجها على إمام زمانها في الجمل.
وعليه، يراد برفع شعار (زوج النبيّ) التشويه على محاسبة عائشة على أفعالها، ومن بينها حربها في الجمل.
والدراسة الموضوعيّة لسلوكها وما أحدثته في التاريخ هو الذي يجب أن يحدّد موقفنا منها، والعجيب أنّ بعض الباحثين عندما يمرّ على معركة الجمل، يهمل كلّ الآثار المترتّبة على ذلك، ويركّز جهده على تلميع صورتها بوصفها زوجة لرسول الله، وهو بذلك يوحي بأنّ زواجها من رسول الله يّمثل صكّ ضمان لكلّ ما تقوم به من أفعال، مع أنّها حاربت الإمام عليّ حتّى تقتله، أو على الأقل حتّى تنحّيه عن الخلافة، وبالتالي لم تخرج في حربها على الإمام عليّ بحثاً عن رضا الله تعالى، ومن هنا لم نجد أحداً في الأمّة برّر لها ذلك تبريراً دينيّاً وشرعيّاً، فالله لم يأمرها بذلك، بل نهاها عن مغادرة بيتها إلّا لضرورة شرعيّة: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}، وخروجها على الإمام علي (عليه السلام) بالتأكيد ليس فيه ضرورة شرعية، بل لا يوجد حتّى مجرّد شبهة يمكن أن تقودنا إلى احتمال أنّها خرجت بحثاً عن رضا الله تعالى.
وعليه: فإنّها مسؤولة شرعيّاً وقانونيّاً وأخلاقيّاً عن الدماء التي سُفكت، وعن عدم الاستقرار الذي أحدثته في الدولة الإسلاميّة، وعن كلّ الأموال التي هُدرت بسبب الحرب، وكذلك مسؤولة عن الأيتام والأرامل والعوائل التي شُرّدت وفقدت مصدر رزقها، وتستمرّ المسؤوليّة للآثار بعيدة المدى التي تلازم الجرحى من إعاقات وأمراض نفسيّة، والمسؤوليّة الكبرى هي ما حدث من انحرافات ثقافيّة ودينيّة تسبّبت في انقسام المسلمين وتمذهبهم وتشتّتهم إلى اليوم.
فهل كلّ هذا يُهمل ويُستبعد لا لشيء سوى كونها زوجة النبيّ؟!
ثانياً: يقول تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ}، لماذا ضرب الله لنا مثلاً بزوجة نوح وزوجة لوط؟
فإمّا أن يكون هذا المثل له علاقة بأمّة محمّد (صلى الله عليه وآله)، وإما أن لا يكون له علاقة؟ فإنْ لم يكن له علاقة، فلماذا ضربه الله لنا مثلاً؟ وما هي فائدته إذا لم يكن له أثر على هذه الأمّة؟
أمّا إذا قلنا أنّ المقصود من هذا المثل هو أمّة النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله)، فحينها لابدّ أن نقطع بأنّ المقصود من هذا المثل هو بعض زوجات النبي (صلى الله عليه وآله) دون غيرهما من نساء الأمّة، فنوح ولوط (عليهما السلام) كانا من أنبياء، ومع ذلك لم يغنيا شيئاً عن زوجتيهما، وإخبار الله لنا بذلك فيه تحذير مباشر لهذه الأمّة بأن لا تغترّ بعنوان (زوجات النبيّ)، ومع الأسف لم تستوعب الأمّة هذا التحذير، ووقعت بالفعل في الانحراف بسبب عائشة.
ثالثاً: مع أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان عارفاً ببواطن الأمور بما علمه الله، إلّا أّنه مكلّف في جميع أعماله بالعمل على حسب الظاهر، وعلى ذلك رتّب رسول الله علاقاته مع الناس بما فيها الزواج، وإذا ثبت ذلك - وهو ثابت عند جميع المسلمين - يتأكّد لنا أنّ اختيارات النبيّ في الزواج هي على حسب الظاهر لا على حسب الباطن، وحينها لا يبقى هناك مبرّر للسؤال عن سبب زواج النبي من فلانة أو علانة.
رابعاً: يمكن القول أنّ زواج رسول الله من عائشة هو ابتلاء لهذه الأمّة من أجل اختبارها وتمحيصها، وهذا ما حدث بالفعل بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقد امتحنت هذه الأمّة ومازالت بسبب زوج النبيّ عائشة، وما زالت الأمّة منقسمة بين مناصر لها ومعارض، فما زالت الاتّجاهات الإسلاميّة إلى اليوم تتمايز على أساس الموقف من عائشة وأبيها، والموقف من حفصة وأبيها، وما هذا السؤال إلّا دليل على وجود هذا الابتلاء وحضوره إلى اليوم.
فبعد أن ضرب الله مثلاً بزوجة نوح ولوط تحدّث عن اثنين من زوجات النبي بقوله: {إِنْ تَتُوبَا إِلَي اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ}، فهذه الآية تشير إلى هذا الابتلاء الذي وقعت فيه الأمّة، فبعض الأمة ما زال لم يعترف بحدوث الانحراف من عائشة وحفصة، مع الآية طالبتهما بشكل واضح بضرورة التوبة، فإذا كان هذا الموقف يمثل الاتّجاه الأوّل وهو الذي يمثّل مدرسة الخلفاء، فإنّ الاتّجاه الثاني هو الذي يؤكّد عدم توبتهما بدليل موقفها من الإمام عليّ (عليه السلام)، ولذا لم يجد هذا الاتّجاه سبيل غير الاصطفاف مع مَن يمثّل ولاية الله ورسوله وصالح المؤمنين، وهذا ما نجده في الآية التي تمثّل شعاراً لشيعة أهل البيت (عليهم السلام) وهي قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}.
اترك تعليق