هلْ أميرُ المؤمنينَ أفضلُ منْ رسولِ اللهِ ؟

سؤالٌ : إذا قلنا أنَ الإمامةَ أعلى منْ النبوةِ ، كما في إبراهيمَ عليهِ السلامُ ، حيثُ فضّلهُ اللهُ بالإمامةِ بعدَ النبوةِ والرسالةِ ، فهلْ هذا يعني إنَ الأميرَ عليهِ السلامُ أفضلَ بإمامتهِ منْ خاتمِ الأنبياءِ ؟ أرجو التوضيحُ

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجوابُ : مما لا شكَ فيهِ إنَ منزلةَ أميرِ المؤمنينَ عليهِ السلامُ تفوقَ جميعَ الأنبياءِ ما عدا سيدَهمْ رسولَ اللهِ ( صلى اللهُ عليهِ وآلهِ ) ، فإذا كانَ رسولُ اللهِ سيدَ الأنبياءِ والمرسلينَ وكانَ أميرُ المؤمنينَ نفسَ رسولِ اللهِ بنصِ القرآنِ ، فمنَ الطبيعيِ أنْ يكونَ أفضلَ منهمْ منزلةً ، ففي أيةِ المباهلة أنزلَ اللهُ أميرَ المؤمنينَ بمنزلةِ نفسِ رسولِ اللهِ ( صلى اللهُ عليهِ وآلهِ ) حيثُ قالَ تعالى : ( فمنْ حاجّكَ فيهِ منْ بعدما جاءكَ منَ العلمِ فقلْ تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكمْ ونساءَنا ونساءَكمْ وأنفسَنا وأنفسَكمْ ثمَ نبتهلُ فنجعلُ لعنتَ اللهَ على الكاذبينَ ) .

قالَ الرازي في تفسيرهِ نقلاً عنْ محمدِ بنِ الحسنِ الحمصي قولهُ : ( ليسَ المرادُ بقولهِ : ( أنفسُنا ) نفسَ محمدٍ ( صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَ ) ، لأنَ الإنسانَ لا يدعو نفسهُ ، بلْ المرادُ غيرها ، وأجمعوا على أنَ ذلكَ الغيرَ كانَ عليُ بنُ أبي طالبْ ( رضيَ اللهُ عنهُ ) ، فدلّتْ الآيةُ على أنَ ( نفسُ علي ) هيَ محمدْ ، ولا يمكنُ أنْ يكونَ المرادُ منهُ أنَ هذهِ النفسَ هيَ عينُ تلكَ النفسِ ، فالمرادُ أنَ هذهِ النفسِ ، مثلٌ تلكَ النفسِ ، وذلكَ يقتضي الاستواءُ في جميعِ الوجوهِ ، وتركَ العملِ بهذا العمومِ في حقِ النبوةِ ، وفي حقِ الفضلِ ، لقيامِ الدلائلِ على أنَ محمدا ( عليهِ السلامُ ) كانَ نبيا وما كانَ على كذلكَ ، ولانعقادِ الإجماع على أنَ النبيَ ( عليهِ السلامُ ) كانَ أفضلَ منْ علي ( رضيَ اللهُ عنهُ ) ، فيبقى فيما وراءهُ معمولاً بهِ . . . ) ( تفسيرُ الرازي 8 : 86 ) .

وقدْ أكدَ رسولُ اللهِ ذلكَ حينما قالَ لبنيْ وليعةَ : ( لتنتهنَ يا بنيَ وليعة ، أوْ لأبعثنَ عليكمْ رجلاً كنفسيْ ، طاعتُهُ كطاعتي ، ومعصيتُهُ كمعصيتي ) ( آمالي الشيخَ الصدوقَ 546 ) وعليهِ فإنَ أميرَ المؤمنينَ نفسَ رسولِ اللهِ في كلِ شيءٍ ما عدا النبوةَ ، وقدْ أشارَ رسولُ اللهِ إلى هذا الاستثناءِ عندما قالَ في حقِ أميرِ المؤمنينَ : ( أنتَ منيَ بمنزلةِ هارونَ منْ موسى ، إلا أنهُ لا نبيَ بعدي ) ، فاثبتَ لهُ كلَ المنازلِ ما عدا منزلةَ النبوةِ ، وقدْ قالَ أميرُ المؤمنينَ في صلتهِ برسولِ اللهِ : ( أنا منْ رسولِ اللهِ كالضوءِ منَ الضوءِ ، والذراعِ منَ العضدِ ) ، وجاءَ في عيونِ الحكَمِ أنّ أميرَ المؤمنينَ ( عليهِ السلامُ ) قالَ : ( أنا دمي دمُ رسولِ اللهِ ، ولحميَ لحمُهْ وعظميَ عظمُهْ ، وعلميَ علمُهْ وحربيَ حربُهْ ، وسلميَ سلمُهْ وأصليَ أصلُهْ ، وفرعيَ فرعُهْ ، وبحريَ بحرُهْ وجدّيَ جدّهْ ) وكانَ الصحابةُ والمقربونَ منهُ يسألونَهُ عنْ فضلهِ ومكانتهِ عندَ اللهِ فكانَ ( عليهِ السلامُ ) يبيّنُ لهمْ ذلكَ ، ففي روايةٍ عنْ صعصعةِ بنِ صوحانْ ، أنهُ دخلَ على أميرِ المؤمنينَ ( صلواتُ اللهِ عليهِ ) لمّا ضربَ ، فقالَ : يا أميرَ المؤمنينَ أنتَ أفضل أمْ آدمُ أبو البشرِ ؟ قالَ علي ( عليهِ السلامُ ) : تزكيةُ المرءِ نفسَهُ قبيحٌ ، لكنَ قالَ اللهُ تعالى لآدمْ ــ يا آدمُ اسكنْ أنتَ وزوجكَ الجنةُ وكلا منها رغدا حيثُ شئتما ولا تقربا هذهِ الشجرةَ فتكونا منْ الظالمينَ. وأنا أكثرُ الأشياءِ أباحَها لي وتركتُها وما قاربتُها .

ثمَ قالَ : أنتَ أفضلُ يا أميرَ المؤمنينَ أمْ نوحْ ؟ قالَ علي ( عليهِ السلامُ ) : إنَ نوحا دعا على قومهِ ، وأنا ما دعوتُ على ظالمي حقي ، وابنُ نوحٍ كانَ كافرا وابنايَ سيدا شبابِ أهلِ الجنةِ . قالَ : أنتَ أفضلُ أمِ موسى ؟ قالَ ( عليهِ السلامُ ) : إنَ اللهَ تعالى أرسلَ موسى إلى فرعونْ ، فقالَ : إني أخافُ أنْ يقتلونيَ ، حتى قالَ اللهُ تعالى : { لا تخفْ إني لا يخافُ لديَ المرسلونَ } وقالَ : { ربِّ إني قتلتُ منهمْ نفسا فأخافُ أنْ يقتلونَ } ، وأنا ما خفتُ حينَ أرسلني رسولُ اللهِ ( صلى اللهُ عليهِ وآلهِ ) بتبليغِ سورةِ براءةِ أنْ أقرأها على قريشٍ في الموسمِ ، معَ أني كنتُ قتلتُ كثيرا منْ صناديدهمْ ، فذهبتُ إليهمْ وقرأتُها عليهمْ وما خفتُهمْ .

ثمَ قالَ : أنتَ أفضلُ أمِ عيسى بنُ مريمْ ؟ قالَ ( عليهِ السلامُ ) : عيسى كانتْ أمّهُ في بيتِ المقدسِ ، فلما جاءَ وقتُ ولادتِها سمعتْ قائلاً يقولُ : أخرجي هذا بيتُ العبادةِ لا بيتَ الولادةِ ، وأنا أميٌ فاطمةُ بنتُ أسدْ لمّا قربَ وضعُ حملِها كانتْ في الحرمِ فانشقَ حائطُ الكعبةِ وسمعتْ قائلاً يقولُ : أدخلي فدخلتْ في وسطِ البيتِ وأنا ولدّتْ بهِ ، وليسَ لأحدِ هذهِ الفضيلةِ لا قبلي ولا بعدي ) .

معَ ذلكَ فإنَ فضائلَ أميرِ المؤمنينَ ومناقبَهُ ليستْ إلا قبسٌ منْ نورِ رسولِ اللهِ ( صلى اللهُ عليهِ وآلهِ ) ولذا كانَ أميرُ المؤمنينَ ( عليهِ السلامُ ) يقرنُ فضلهُ بفضلِ رسولِ اللهِ ( صلى اللهُ عليهِ وآلهِ ) فقدْ جاءَ في أحدِ خطبهِ قولهُ : ( . . وقدْ علمتمْ موضعيَ منْ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وآلهِ بالقرابةِ القريبةِ ، والمنزلةِ الخصيصةِ . وضعني في حجرهِ وأنا ولدٌ يضمني إلى صدرِهِ ، ويكنفني إلى فراشِهِ ، ويمسُني جسدَهُ ويشمني عرفَهُ .

وكانَ يمضغُ الشيءَ ثمَ يلقمنيهْ . وما وجدَ لي كذبةٌ في قولٍ ، ولا خطلةً في فعلٍ . ولقدْ قرنِ اللهِ بهِ صلى اللهُ عليهِ وآلهِ منْ لدنْ أنْ كانَ فطيما أعظمَ ملكٍ منْ ملائكتهِ يسلكُ بهِ طريقَ المكارمِ ، ومحاسنَ أخلاقِ العالمِ ليلَهُ ونهارَهُ . ولقدْ كنتَ أتبعهُ اتباعَ الفصيلِ أثرَ أمهِ يرفعُ لي في كلِ يومٍ منْ أخلاقهِ علما ويأمرني بالاقتداءِ بهِ .

ولقدْ كانَ يجاورُ في كلِ سنةٍ بحراءَ فأراهُ ولا يراهُ غيري . ولمْ يجمعْ بيتٌ واحدٌ يومئذٍ في الإسلامِ غيرَ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وخديجةُ وأنا ثالثُهما ) وفيْ الكافي عنْ أبي عبدِ اللهْ عليهِ السلامُ قالَ : ( أتى حبرُ منْ الأحبارِ أميرَ المؤمنينَ عليهِ السلامُ فقالَ : يا أميرَ المؤمنينَ متى كانَ ربكَ ؟ قالَ : ويلكَ إنما يقالُ : متى كانَ لما لمْ يكنْ ، فأما ما كانَ فلا يقالُ : متى كانَ ، كانَ قبلَ القبلِ بلا قبلٍ ، وبعدَ البعدِ بلا بعدٍ ، ولا منتهى غايةٍ لتنتهيَ غايتهُ ، فقالَ لهُ : إنبيٌ أنتَ ؟ فقالَ : لامكَ الهبلُ إنما أنا عبدُ منْ عبيدِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وآلهِ )