ما أسباب اعراض القوم عن الامام علي التي ذكرتها السيدة الزهراء في خطابها لنساء المسلمين؟
السلام عليكم ورحمة الله
يشيرُ السائل إلى الخطبة التي ألقتها السيدةُ الزهراء (سلامُ الله عليها) في جمع من نساء الأنصار والمهاجرين حينما عُدنها في مرضها، وهي الخطبة الثانية بعد خطبتها الفدكية التي ألقتها في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) والتي أبدت فيها تظلمها من السلطة التي لم تتوقف عند حدود تعدّيها على حق الإمام علي في الخلافة، وإنما تعدّت حتى على الحقّ الخاص بفاطمة الزهراء (عليها السلام) وهي منطقة فدك التي كان نَحلها إيّاها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولذا تركزت خطبتها على حقها في فدك حتى باتت مشهورةً بالخطبة الفدكية، أما خطابها في نساء المهاجرين والأنصار فقد تركّز على خذلان القوم لأمير المؤمنين وابتعادهم عنه، حيث شرعت في بداية الخطبة بالكشف عما تحتملهُ في صدرها الشريف من آلام تهدّ الجبال، فعندما قلن لها كيف أصبحتِ قالت: " أصبحتُ والله عائفة لدنياكن، قاليةً لرجالكن، لفظتهم بعد أن عجمتهم وشنأتهم بعد أن سبرتهم، فقبحاً لفلول الحدّ واللعب بعد الجد، وقرع الصفاة وصدع القناة، وخطل الآراء، وزلل الأهواء، وبئس ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون، لا جرم لقد قلدتهم ربقتها، وحملتهم أوقتها، وشننت عليهم غارها، فجدعاً، وعقراً، وبعداً للقوم الظالمين"، فكشفت بذلك عمّا أصاب المجتمع الإسلامي من تراجع وخذلان إلى درجة أنها أصبحت لا تحبّ العيش فيه بسبب ما حدث بعد رسول الله من انقلاب على الامامة الشرعية وابتعاد معظم الصاحبة عن نصرة أمير المؤمنين، فقالت لهم (قالية لرجالكن لفظتهم بعد أن عجمتهم وشنأتهم بعد أن سبرتهم..) قالية أي مبغضة، ولفظتهم أي رميتُ بهم بعد أن مضغتهم وخبرتهم، وبعد أن بينت موقفها من رجالهم شرعت في بيان السبب وراء هذا الموقف بقولها: " ويحهم أنى زعزعوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة والدلالة، ومهبط الروح الأمين، والطبين بأمور الدنيا والدين، ألا ذلك هو الخسران المبين" فبينت بذلك مدى الخطأ الفادح الذي ارتكبوهُ عندما أبعدوا أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو أساس الرسالة وعمودها، وبقية الوحي والنبوة، ثم تصرّح بذكر الإمام علي (عليه السلام) وسبب إعراض القوم عنه، وهو شدة تمسكه بالحق وعدم مجاملته في دين الله حيث قالت: " وما الذي نقموا من أبي الحسن، نقموا منه والله نكيرَ سيفه، وقلة مبالاته بحتفه، وشدة وطأته، ونكال وقعته، وتنمرَه في ذات الله" ثم كشفت عن الخسارة التي حلت بهم بسبب إعراضهم عن أمير المؤمنين (عليه السلام) بقولها: ".. ولسار بهم سيراً سجحاً لا يكلم خشاشه، ولا يكلّ سائره، ولا يملّ راكبه، ولأوردهم منهلاً نميراً صافياً رويّاً تطفحُ ضفتاه، ولا يترنق جانباه ولأصدرهم بطاناً، ونصح لهم سراً وإعلاناً، ولم يكن يحلي من الغنى بطائل، ولا يحظى من الدنيا بنائل، غير ري الناهل، وشبعة الكافل" ثم أنها عليها السلام أبدت تعجبها من قبح الرأي الذي أتخذه القوم حيث أنهم استبدلوا الأكفاء ومن لهم الصدارة في كلّ الميادين بمن لا يقاس بهم، ومن ذلك قولها: "وعلى أي ذرية أقدموا واحتنكوا لبئس المولى ولبئس العشير، وبئس للظالمين بدلا، استبدلوا والله الذنابى بالقوادم، والعجز بالكاهل" وهكذا أرجعت الخطبة أسبابَ خذلان القوم إلى ركونهم للدنيا واختيارهم السلامة وسوء التقدير والجهل بالإسلام وقيمِه الكبرى، وقد أشار القرآن الكريم لهذا الانقلاب الذي حدث بعد وفاة رسول الله في قوله تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) وما جاء في هذه الخطبة هو وصفٌ دقيق لما اشارت له هذه الآية الكريمة.
اترك تعليق