كميل بن زياد ومكانته

سؤال : مَن هو صاحب دعاء كميل، وما هي مكانته ؟

: الشيخ مروان خليفات

الجواب:

هو كميل بن زياد النخعي الكوفي ( ت 82 هـ )، التابعي، العالم، العابد، الزاهد، الفقيه، المعمّر، الفارس الشجاع، والأمير المطاع، ومن أشراف العراق، وقرّائها.

والنخعيون قبيلة مشهورة معروفة بولائها لأهل البيت (عليهم السلام)، تنحدر من اليمن، ومنهم مالك الاشتر وعلقمة وإبراهيم النخعيان .

وكميل من شيعة أمير المؤمنين (ع) وثقاته وخواصّه وخدمه، له مكانة كبيرة عند شيعة أهل البيت (ع).

طبقته:

تابعيّ مخضرم، من أصحاب أمير المؤمنين والحسن (عليهما السلام) وخواصّهما، كما نصّ عليه العلماء. (لاحظ: رجال البرقي، ص6، مناقب آل أبي طالب: 3 / 201، الاختصاص، ص6-7).

قال الحافظ ابن حجر: كميل بن زياد ... التابعي الشهير... له إدراك ... أدرك من الحياة النبويّة ثماني عشر سنة. (الإصابة في تمييز الصحابة: 5 / 485)

وذكره الحاكم في معرفة علوم الحديث في النوع التاسع والأربعون قال: معرفة الأئمّة الثقات المشهورين من التابعين وأتباعهم ممّن يجمع حديثهم للحفظ والمذاكرة والتبرّك بهم وبذكرهم من المشرق إلى الغرب ... ومن أهل الكوفة ... صعصعة بن صوحان العبديّ، كميل بن زياد النخعيّ ... سعيد بن جبير الأسديّ ... (معرفة علوم الحديث للحاكم، ص240 - 243)

روى كميل عن جماعة من الصحابة، وروى عنه خلقٌ من التابعين.

قال الحافظ المزّيّ: روى عن: عبد الله بن مسعود، وعثمان بن عفّان، وعليّ بن أبي طالب، وعمر بن الخطّاب، وأبي مسعود الأنصاريّ، وأبي هريرة.

وروى عنه: رشيد أبو راشد، وأبو عمر سليمان بن عبيد الله ابن سليمان الكنديّ، وسليمان الأعمش، والعبّاس بن ذريح، وعبد الله بن يزيد الصهبانيّ، وعبد الرحمان بن جندب الفزاريّ، وعبد الرحمان بن عابس، وأبو إسحاق السبيعي. (تهذيب الكمال للمزّيّ: 24 / 218).

تشيّعه:

اعترف أهل الســـنّة بتشيّع كميل وترفّضه، إذْ قال ابن حبان : (وكان كميلٌ من المفرطين في عليّ ممّن يُروى عنه المعضلات وفيه المعجزات، منكر الحديث جدّا تتّقى روايته ولا يحتجُّ به). المجروحين، ج2 ص 221.

هكذا هم أهل الحديث اذا تفرّد راوٍ بما لا يعجبهم سمّوا حديثه منكرا أو أنّه يروي المعضلات، مع أنّ كميلاً ثقةٌ، وثّقه العجليّ وابن معين وابن سعد وغيرهم، وقول ابن حبّان غير معتبر في جرحه لكميل، ولأهل الحديث كلام في توهين تجريحات ابن حبّان ليس هذا محلّها.

وقال ابن حجر في ترجمته: (كميل بن زياد بن نهيك ... قال ابن سعد شهد مع عليّ صفين وكان شريفا مطاعا في قومه، قتله الحجّاج، وكان ثقة قليل الحديث، وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين: ثقة وقال العجليّ: كوفيٌّ تابعيٌّ ثقة وقال ابن عمّار: رافضيٌّ وهو ثقة من أصحاب عليّ، وقال في موضع آخر: كان من رؤساء الشيعة وذكره ابن حبّان في الثقات وذكره المدائنيّ في عبّاد أهل الكوفة) تهذيب التهذيب، ج8 ص402، وانظر كلام ابن سعد في الطبقات الكبرى، ج6 ص 179

ونقل ابن عساكر كلام ابن عمّار في توثيق كميل فقال: (قال: كميل بن زياد رافضيّ وهو ثقة من أصحاب عليّ، وقال في موضع آخر كميل بن زياد هو من رؤساء الشيعة كان بلاء من البلاء) تاريخ مدينة دمشق ، ج50 ص 251.

وكونه رافضياً، أي أنّه يُفضِّل عليا (عليه السلام) على الشيخين، وقولهم فيه: إنّه كان من رؤوساء الشيعة، أي من كبّارهم والقائلين بقولهم .

وقال الذهبيّ : (كميل بن زياد النّخعيّ شريف مطاع من كبار شيعة عليّ رضي اللَّه عنه...) تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، ج5 ص 516

وقال السيّد الخوئيّ في ترجمته: ( وقد روى الشيخ الحرّ في الفائدة السابعة من خاتمة الوسائل عن ابن طاووس في كشف المحجّة من كتاب الرسائل لمحمّد بن يعقوب الكلينيّ عن عليّ بن إبراهيم بسنده عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه دعا كاتبه عبد الله بن أبي رافع، فقال: أَدْخِلْ عَلَيَّ عشرةً من ثقاتي، فقال: سَـمِّهِمْ لي يا أمير المؤمنين، فقال: أَدْخِلْ أصبغ بن نباتة ... وكميل بن زياد... الحديث). معجم رجال الحديث، ج 4، ص 132 ـ 136

شجاعته:

يُعَــدُّ كميل بن زياد من شجعان العرب، وممّن اشترك في حروب أمير المؤمنين (ع)، واشترك في ثورة القرّاء على الحجّاج بقيادة ابن الأشعث، وكانت له كتيبة تعرف بكتيبة القرّاء.

قال الطبريّ: وكان رجلا ركينا وقورا عند الحرب، له بأس وصوت في الناس، وكانت كتيبته تدعى كتيبة القرّاء، يحمل عليهم، فلا يكادون يبرحون، ويحملون فلا يكذبون، فكانوا قد عرفوا بذلك. (تاريخ الطبريّ: 5 / 158)

وقال ابن مسكويه: وكان ركينا في الحرب حليما صاحب نجدة وحفّاظ من أصحاب عليٍّ بن أبي طالب عليه السلام. (تجارب الأمم: 2 / 350)

وقال ابن كثير: وكان شجاعا فاتكا على كبر سنّه. (البداية والنهاية لابن كثير: 9 / 52)

حديثه المشهور: القلوب أوعية:

لكميل الحديث المشهور عن أمير المؤمنين (عليه السلام): القلوب أوعية، إذِ اعترف به الكثيرون. روى الخطيب البغداديّ ( ت 463هـ) بسنده : ( عن كميل بن زياد النخعي قال : أخذ بيدي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب بالكوفة . فخرجنا حتى انتهينا إلى الجبّانة ، فلمّا أصحر تنفّس الصعداء ، ثُمَّ قال لي : يا كميل بن زياد إنّ هذه القلوب أوعية ، وخيرها أوعاها للعلم ، احفِظْ عنّي ما أقول لك : الناس ثلاثة ، عالم ربّانيٌّ ، ومتعلّم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كلِّ ناعق ، يميلون مع كلِّ ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق...) تاريخ بغداد، ج6 ص 376

وفي كتابه الفقيه والمتفقه ج1 ص 182 زاد : ( اللّهُمَّ بلى، لا تخلو الأرضُ مِن قائمٍ للهِ بحُجّةٍ، لئلّا تبطل حُجَجُ اللهِ وبيِّناتُه...)

ورواه علماء الشيعة وكثير من علماء السنّة بلفظ: اللّهُمّ بلى، لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة، إمّا ظاهرا مشهورا، أو خائفا مغمورا، لئلّا تبطل حجج الله وبيّناته. (المعيار والموازنة للإسكافي (المعتزلي) ص81، تاريخ اليعقوبيّ: 2 / 206، نهج البلاغة: 4 / 37، الخصال للصدوق، ص187، كمال الدين للصدوق، ص290، بأسانيد كثيرة، تحف العقول لابن شعبة، ص170، خصائص الأئمّة للشريف الرضيّ، ص106، الغارات للثقفيّ: 1 / 153، شرح الأخبار للقاضي النعمان (الإسماعيليّ): 2 / 369، الغيبة للنعمانيّ، ص136، الإرشاد للمفيد: 1 / 228، الأمالي للمفيد، ص250، الأمالي للطوسيّ، ص21 رقم 23، عيون الحكم والمواعظ، للواسطيّ، ص541، دستور معالم الحكم لمحمّد بن سلامة للقضاعيّ، ص84، نزهة الناظر للحلوانيّ، ص57، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 50 / 255، الجوهرة في نسب الإمام عليّ، للبريّ، ص84، التذكرة الحمدونيّة: 1 / 68، إحياء علوم الدين للغزاليّ: 1 / 122، كنز العمال للمتّقيّ الهنديّ: 10 / 263، وقال: ( ابن الأنباريّ في المصاحف، والمرهبيّ في العلم، ونصر في الحجّة، حل، كر)

قال الخطيب البغداديّ معلِّقا : ( هذا الحديث من أحسن الأحاديث معنى، وأشرفها لفظا، وتقسيم أمير المؤمنين، عليّ بن أبي طالب الناس في أوّله تقسيم في غاية الصحّة، ونهاية السداد، لأنّ الإنسان لا يخلو من أحد الأقسام الثلاثة ) المصدر نفسه.

وقال ابن كثير: وقد روى عن كميل جماعة كثيرة من التابعين، وله الأثر المشهور عن عليّ بن أبي طالب الذي أوله " القلوب أوعية فخيرها أوعاها " وهو طويل، قد رواه جماعة من الحفاظ الثقات، وفيه مواعظ وكلام حسن رضي الله عن قائله. (البداية والنهاية: 9 / 57)

وقال ابن عبد البر: وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عليه لكميل بن زياد النخعيّ وهو حديث مشهور عند أهل العلم يستغني عن الإسناد لشهرته عندهم. (جامع بيان العلم وفضله: 2 / 112)

دعاء كميل:

أما دعاء كميل المشهور الذي يقرأه الشيعة، فسمّي بدعاء كميل لأنّ كميل رواه عن الإمام عليّ (عليه السلام)، فنسب إليه، وهو من روائع الأدعية، وعلوّ مضامينه يدلُّ على صحّته.

قال بعض المتشدّدين في قبول الأخبار: (المتن شاهد آخر على صحّة السند، كشهادة متن دعاء كميل على صحّة صدوره) معجم الأحاديث المعتبرة، ج1 ص 254.

قال الشيخ عباس القمّيّ نقلا عن العلّامة المجلسيّ : (إنّه أفضل الأدعية، وَهُوَ دعاء الخضر عليه السلام، وقد علّمه أمير المؤمنين (عليه السلام) كميلاً، وَهُوَ من خواصّ أصحابه ، ويدّعى به في ليلة النصف من شعبان، وليلة الجُمعة، ويجدي في كفاية شرّ الأعداء، وفي فتح باب الرزق، وفي غفران الذُّنوب. وقد رواه الشَّيخ والسيِّد كلاهما، وأنا أرويه عَن كتاب ( مصباح المتهجِّد ) وَهُوَ هذا الدُّعاء . . ) (مفاتيح الجنان، 126)

روى هذا الدعاء الشيخ الطوسيّ ، فقال : ( روي أن كميل بن زياد النخعيّ رأي أمير المؤمنين عليه السلام ساجدا يدعو بهذا الدعاء في ليلة النصف من شعبان اللّهُمّ إنّي أسألك برحمتك التي وسعت كلّ شئ...) مصباح المتهجّد،ص 844

وقال السيّد ابن طاووس ( ت 664هـ) : ( ومن الدعوات في هذه الليلة ما رويناه بإسنادنا إلى جدّي أبي جعفر الطوسيّ رضي الله عنه قال : روي أن كميل بن زياد النخعيّ رأى أمير المؤمنين عليه السلام ساجدا يدعو بهذا الدعاء في ليلة النصف من شعبان . أقول : ووجدت في رواية أخرى ما هذا لفظها : قال كميل بن زياد : كنت جالسا مع مولاي أمير المؤمنين عليه السلام في مسجد البصرة ومعه جماعة من أصحابه فقال بعضهم : ما معنى قول الله عز وجل : ( فيها يفرق كلّ أمر حكيم ) ؟ قال عليه السلام : ليلة النصف من شعبان ، والذي نفس عليّ بيده أنّه ما من عبد إلّا وجميع ما يجري عليه من خير وشرّ مقسوم له في ليلة النصف من شعبان إلى آخر السنة في مثل تلك الليلة المقبلة ، وما من عبد يحييها ويدعو بدعاء الخضر عليه السلام إلّا أجيب له . فلمّا انصرف طرقته ليلا ، فقال عليه السلام : ما جاء بك يا كميل ؟ قلت : يا أمير المؤمنين دعاء الخضر ، فقال : اجلس يا كميل ، إذا حفظت هذا الدعاء فادع به كل ليلة جمعة أو في الشهر مرّة أو في السنة مرّة أو في عمرك مرّة تكف وتنصر وترزق ولن تعدم المغفرة ، يا كميل أوجب لك طول الصحبة لنا أنْ نجود لك بما سألت ، ثم قال : اكتب : اللّهُمّ إنّي أسألك برحمتك التي وسعت كلّ شئ ، وبقوّتك التي قهرت بها كلّ شيء ، وخضع لها كلّ شئ ، وذلّ لها كلّ شيء ، وبجبروتك التي غلبت بها كلّ شيء ، وبعزتك التي لا يقوم لها شيء ...) إقبال الأعمال، ج3 ص 331

وقد وردت بعض فقرات الدعاء مرويّة عن الإمام عليّ (عليه السلام) في بعض مصادر السنّة كمصنّف ابن أبي شيبة.

روى ابن أبي شيبة : ( حدّثنا أبو خالد الأحمر عن حجّاج عن الوليد بن أبي الوليد عمّن حدّثه عن عليّ أنه كان يقول في دعائه : اللّهم إنّي أسألك برحمتك التي وسعت بها كلّ شيء ، وبجبروتك التي غلبت بها كلّ شيء ، وبعظمتك التي غلبت بها كلّ شيء ، وبسلطانك الذي ملأت به كلّ شيء ، وبقوّتك التي لا يقوم لها شيء، وبنورك الذي أضاء له كلّ شيء ، وبعلمك الذي أحاط بكلّ شيء ، وباسمك الذي تبيد به كل شئ ، وبوجهك الباقي بعد فناء كلّ شيء ، يا نور يا قدّوس يا نور يا قدّوس - ثلاثا ، يا أوّل الأوّلين ويا آخر الآخرين) المصنّف، ج7 ص 82

قد يقال: إنّ الحديث في رواية الشيخ الطوسيّ ضعيف السند لإرساله، لكن هذا غير مسلّم، فقد سبق وأشرت إلى صحّته من خلال مضمونه، كما أنّ العمل بالحديث الضعيف يجوز في فضائل الأعمال والأدعية ما لم يكن موضوعا، وهذا مورد اتّفاق الفريقين، وهو ما يعبّر عنه الإماميّة بالتسامح في أدلّة السنن.

قال ابن حجر عن حديث في سنده راوٍ ضعيف : ( الحديث الثامن حديث أنس في فضل عسقلان هو في فضائل الأعمال والتحريض على الرباط في سبيل الله ، وليس فيه ما يحيله الشرع ولا العقل ، فالحكم عليه بالبطلان بمجرد كونه من رواية أبي عقال لا يتّجه ، وطريقة الإمام أحمد معروفة في التسامح في رواية أحاديث الفضائل) القول المسدّد في مسند أحمد، ابن حجر العسقلانيّ، صى44

وقال ابن خزيمة ( ت 311هـ) : ( باب ذكر الدعاء على الموقف عشيّة عرفة: إنّ ثبت الخبر، ولا إخال إلّا أنّه ليس في الخبر حكم وإنّما هو دعاء فخرّجنا هذا الخبر، وإن لم يكن ثابتا من جهة النقل). صحيح ابن خزيمة، ج4 ص 264

وقال البيهقيّ (ت 458هـ): (وقد تساهل أهل الحديث في قبول ما ورد من الدعوات وفضائل الأعمال ...) شعب الإيمان، ج2 ص 372

وصيّة أمير المؤمنين (عليه السلام) لكميل:

روى الطبريّ بسنده عن كميل في وصيّة أمير المؤمنين (عليه السلام) له – وهي وصيّة طويلة ننقل بعض فقراتها -:

يا كميل ما من علم إلّا وأنا أفتحه، وما من سرّ إلّا والقائم (عليه السلام) يختمه، يا كميل ذرّية بعضها من بعض والله سميع عليم.

يا كميل لا تأخذ إلّا عنّا تكن منّا... يا كميل إنّما المؤمن من قال بقولنا، فمن تخلّف عنّا قصّر عنّا، ومن قصّر عنّا لم يلحق بنا، ومن لم يكن معنا ففي الدرك الأسفل من النار...

يا كميل إذاعة سرّ آل محمّد ( عليهم السلام ) لا يقبل الله تعالى منها ولا يحتمل أحد عليها.

يا كميل الدين لله فلا تغترن بأقوال الأُمّة المخدوعة التي ضلّت بعد ما اهتدت وأنكرت وجحدت بعد ما قبلت.

يا كميل الدين لله فلا يقبل الله تعالى من أحد القيام به إلّا رسولا أو نبيّا أو وصيا، يا كميل هي نبوّة ورسالة وإمامة، وما بعد ذلك إلّا متولّين ومتغلّبين وضالّين ومعتدين.

يا كميل نحن الثقل الأصغر، والقرآن الثقل الأكبر، وقد أسمعهم رسول الله وقد جمعهم فنادى ( فيهم ) الصلاة جامعة يوم كذا وكذا وأيّاما سبعة وقت كذا وكذا، فلم يتخلّف أحد. فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : معاشر الناس إنّي مودٍّ عن ربّي عزّ وجلّ ولا مخبر عن نفسي ، فمن صدّقني فلله صدّق ومن صدّق الله أثابه الجنان ، ومن كذّبني كذّب الله عزّ وجلّ ، ومن كذّب الله أعقبه النيران. ثُمّ ناداني فصعدت فأقامني دونه ورأسي إلى صدره والحسن والحسين عن يمينه وشماله ، ثم قال : معاشر الناس أمرني جبرئيل عن الله تعالى ، إنّه ربّي وربّكم أن أُعلمكم أنّ القران هو الثقل الأكبر وأن وصيي هذا وابناي ومن خلفهم من أصلابهم هم الثقل الأصغر، يشهد الثقل الأكبر للثقل الأصغر ويشهد الثقل الأصغر للثقل الأكبر، كلّ واحد منهما ملازمة لصاحبه غير مفارق له حتّى يردا إلى الله فيحكم بينهما وبين العباد.

يا كميل فإذا كنّا كذلك فعلام تقدّمنا من تقدّم وتأخّر عنّا من تأخّر؟!!

يا كميل قد أبلغهم رسول الله رسالة ربّه ونصح لهم ولكن لا يحبّون الناصحين ، يا كميل قال رسول الله لي قولا أعلنه والمهاجرين والأنصار متوافرون يوما بعد العصر يوم النصف من شهر رمضان قائما على قدميه فوق منبره : عليّ وابناي منه الطيّبون منّي وأنا منهم وهم الطيّبون بعد أمّهم وهم سفينة من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هوى، الناجي في الجنّة والهاوي في لظى. (بشارة المصطفى لشيعة المرتضى، ص50 وما بعد).

لا تعجبك طنطنة الرجل إنّه من أهل النار!!

روى الديلميّ أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) خرج ذات ليلة من مسجد الكوفة متوجّها إلى داره وقد مضى ربع من الليل ومعه كميل بن زياد وكان من خيار شيعته ومحبّيه فوصل في الطريق إلى باب رجل يتلو القرآن في ذلك الوقت ويقرأ قوله تعالى: { أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبابِ } بصوت شجيٍّ حزين فاستحسن ذلك كميل في باطنه وأعجبه حال الرجل من غير أن يقول شيئا فالتفت إليه عليه السلام وقال: يا كميل لا تعجبك طنطنة الرجل إنّه من أهل النار، وسأنبئك فيما بعد! فتحيّر كميل لمشافهته له على ما في باطنه وشهادته للرجل بالنار مع كونه في هذا الأمر وفي تلك الحالة الحسنة ظاهرا في ذلك الوقت، فسكت كميل متعجّبا متفكّرا في ذلك الأمر ومضى مدّة متطاولة إلى أن آل حال الخوارج إلى ما آل وقاتلهم أمير المؤمنين عليه السلام وكانوا يحفظون القرآن كما أنزل والتفت أمير المؤمنين إلى كميل بن زياد وهو واقف بين يديه والسيف في يده يقطر دما ورؤس أولئك الكفرة الفجرة محلّقة على الأرض فوضع رأس السيف من رأس تلك الرؤس وقال يا كميل أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما أي هو ذلك الشخص الذي كان يقرأ في تلك الليلة فأعجبك حاله فقبل كميل مقدّم قدميه واستغفر الله. (إرشاد القلوب للديلمي: 2 / 226).

ولايته على هيت:

ونصّبه أمير المؤمنين (ع) والياً على هيت إبّان حكومته، ولكن حدث خطأ في أثناء ولايته، إذْ سمع أنّ جيش الشاميين يقترب من العراق، فخرج لصدّهم إلى قرقيسيا، ولكنّ الشاميين دخلوا هيت والأنبار، وكميل خارج عنها، فأرسل له أمير المؤمنين (ع) كتاباً يعاتبه على هذا الخطأ. (الكامل لابن الأثير: 3 / 376، حوادث سنة 39، نهج البلاغة: 3 / 117، كتاب 61)

ورد في نهج البلاغة: ومن كتاب له عليه السلام إلى كميل بن زياد النخعيّ وهو عامله على هيت ينكر عليه تركه دفع من يجتاز به من جيش العدو طالبا الغارة:

أما بعد: فإنّ تضييع المرء ما ولي وتكلّفه ما كفي لعجز حاضر ورأي متبّر. وإنّ تعاطيك الغارة على أهل قرقيسيا وتعطيلك مسالحك التي وليناك ليس بها من يمنعها ولا يردُّ الجيش عنها لرأي شعاع. فقد صرت جسرا لمن أراد الغارة من أعدائك على أوليائك، غير شديد المنكب، ولا مهيب الجانب، ولا ساد ثغرة، ولا كاسر شوكة، ولا مغن عن أهل مصره، ولا مجز عن أميره. (نهج البلاغة تحقيق محمد عبده: 3 / 117 كتاب 61)

وعلمَ كميل بغارة أهل الشام على الجزيرة، فتصدّى لهم بستمائة فارس، فأكثر القتل فيهم، وكتب إلى أمير المؤمنين (ع) بالفتح فجازاه خيرا وأجابه جوابا حسنا ورضي عنه وكان ساخطا عليه في حادثة هيت. (الكامل لابن الأثير: 3 / 379، حوادث سنة 39).

قال ابن أعثم: فكتب إلى كميل بن زياد: أما بعد، فالحمد لله الذي يصنع للمرء كيف يشاء، وينزل النصر على من يشاء إذ شاء، فنعم المولى ربّنا ونعم النصير، وقد أحسنت النظر للمسلمين ونصحت إمامك، وقدما كان ظنّي بك ذلك، فجرّبت والعصابة التي نهضت بهم إلى حرب عدوّك خير ما جزي الصابرون والمجاهدون، فانظر لا تغزون غزوة ولا تجلون إلى حرب عدوّك خطوة بعد هذا حتّى تستأذنني في ذلك - كفانا الله وإياك تظاهر الظالمين، إنّه عزيز حكيم، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته -. (الفتوح لابن أعثم: 4 / 228)

شهادته (رضي الله عنه):

توفي كميل مقتولا بأمر من الحجّاج. قال الذهبيّ في أثناء ذكره من مات سنة اثنتين وثمانين : (وفيها قتل الحجّاج كميل بن زياد النخعيّ صاحب عليّ وكان شريفا مطاعا شيعيّاً متعبّدا) العبر في خبر من غبر، ج1 ص 97

وكان أمير المؤمنين (ع) قد أخبره بأنّ الحجّاج سيقتله. (لاحظ: الإرشاد للمفيد: 1 / 327، مناقب ال ابي طالب: 2 / 106، الإصابة لابن حجر: 5 / 486)

قال الحافظ ابن حجر: وأخرج بن أبي الدنيا من طريق الأعمش قال دخل الهيثم بن الأسود على الحجّاج فقال له ما فعل كميل بن زياد قال شيخ كبير في البيت قال فأين هو قال ذلك شيخ كبير خرف. فدعاه فقال له: أنت صاحب عثمان؟ قال: ما صنعت بعثمان لطمني فطلبت القصاص فأقادني فعفوتُ. قال: فأمر الحجّاج بقتله.

وقال جرير عن مغيرة: طلب الحجّاج كميل بن زياد فهرب منه، فحرم قومه عطاءهم، فلما رأى كميل ذلك قال: أنا شيخ كبير قد نفد عمري، لا ينبغي أن أحرم قومي عطاءهم. فخرج إلى الحجّاج، فلمّا رآه قال له: لقد أحببت أن أجد عليك جميلا. فقال له كميل: إنّه ما بقي من عمري إلّا القليل، فاقض ما أنت قاض، فإنّ الموعد الله، وقد أخبرني أمير المؤمنين عليّ إنّك قاتلي، قال: بلى قد كنتَ فيمن قتل عثمان، اضربوا عنقه! فضربت عنقه. (الإصابة لابن حجر: 5 / 486، ولاحظ الإرشاد للمفيد: 1 / 327)

ونقل الذهبيّ أنّه الحجّاج طلب البيعة من القبائل قائلا لهم: قوموا إلى بيعتكم، فقامت القبائل قبيلة قبيلة تبايع، فيقول: من فتقول: ينو فلان، حتّى جاءته قبيلة فقال: من؟ قالوا: النخع، قال: منكم كميل بن زياد؟ قالوا: نعم، قال: فما فعل قالوا أيّها الأمير شيخ كبير، قال: لا بيعة لكم عندي ولا تقربون حتى تأتوني به. قال: فأتوه به منعوشاً في سرير حتّى وضعوه إلى جانب المنبر، فقال: ألا لم يبق ممّن دخل على عثمان الدار غير هذا، فدعا بنطع وضربت عنقه. (تاريخ الإسلام للذهبيّ: 5 / 320)

وقال ابن كثير: وذكر الحجّاج عليّاً في غضون ذلك فنال منه، وصلّى عليه كميل، فقال له الحجّاج: والله لأبعثنّ إليك من يبغض عليّاً أكثر مما تحبّه أنت، فأرسل إليه ابن أدهم وكان من أهل حمص ويقال: أبا الجهم بن كنانة فضرب عنقه. (البداية والنهاية لابن كثير: 9 / 57)

وقال الذهبيّ: قال المدائنيّ: مات كميل سنة اثنتين وثمانين ، وهو ابن تسعين سنة. (تاريخ الاسلام للذهبيّ: 6 / 177)

وقال ابن كثير: وكان شجاعا فاتكا، وزاهدا عابدا، قتله الحجّاج في هذه السنة، وقد عاش مائة سنة، قتله صبرا بين يديه. (البداية والنهاية: 9 / 57)

وقال يحيى بن معين: مات كميل بن زياد سنة اثنتين وثمانين أو أربع وثمانين وهو ابن تسعين سنة. (تاريخ دمشق: 50 / 257).

مدفنه:

دفن كميل بن زياد عند الثويّة، ويقع قبره في محافظة النجف الأشرف، حي الحسين، قرب مسجد الحنّانة، وقبره مزار معروف مشهور، عليه قبّة، يقصده الناس من أقاصي الدنيا، ويتبرّكون به. (لاحظ تاريخ الكوفة للبراقيّ، ص367)