كيفَ للخضرِ (ع) أن يُعلّمَ الامام علي (ع) دعاءً والامام هو أعلمُ الخلقِ بعدَ رسولِ الله ؟

نحنُ نعتقدُ أنّ أميرَ المؤمنينَ (عليهِ السلام) أعلمُ الخلقِ بعدَ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، فكيفَ للخضرِ (عليهِ السلام) وهو أقلُّ فضلاً وعلماً منه أن يُعلّمَه دعاءً، والأميرُ (عليهِ السلام) يعلّمُه إلى كُميلٍ بنِ زياد (رحمَه الله)؟ هل يمكنُ للمفضولِ أن يُعلّمَ الفاضل؟

: السيد عبدالهادي العلوي

السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه،إنّ الدعاءَ الشريفَ المشهورَ بدعاءِ كُميل ممّا علّمَه أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السلام) ونقلَه لكميلٍ بنِ زياد النخعيّ؛ إذ رأى كميلٌ الإمامَ (عليهِ السلام) يدعو به في سجودِه ليلةَ النصفِ مِن شعبان، وفي روايةٍ أخرى: أنّ الإمامَ (عليهِ السلام) أخبرَه بفضلِ تلاوةِ دعاءِ الخضرِ في ليلةِ النصفِ مِن شعبان، فسألَه كميلٌ عن الدعاء، فنقلهُ الإمامُ له ودوَّنَه كميلٌ، وليسَ بهذهِ الرواياتِ أيُّ إشارةٍ إلى أنّ الخضرَ علّمَ الإمامَ (عليهِ السلام) الدعاءَ، وإنّما نقلَه الإمامُ ورغّبَ إليهِ وحثّ عليه؛ لِمَا فيهِ منَ الفضلِ والخيرِ والبركة، وشأنُه ـ حينئذٍ ـ شأنُ سائرِ الأدعيةِ التي نقلها الأئمّةُ (عليهم السلام) عن الأنبياءِ السابقينَ والأولياءِ الصالحينَ وأخبروا بفضلِها وشرافتِها.  قالَ الشيخُ الطوسيّ في [مصباحِ المُتهجّد ص884]: « رُويَ أنّ كميلاً بنَ زيادٍ النخعيّ رأى أميرَ المؤمنين (عليهِ السلام) ساجداً يدعو بهذا الدعاءِ في ليلةِ النصفِ مِن شعبان: اللّهُمَّ إنِّي أَسأَلُكَ بِرَحمَتِكَ الّتِي وَسِعَت كُلَّ شَيء... إلخ ». ونقلَ السيّدُ ابنُ طاووس الحليّ في [إقبالِ الأعمال ج3 ص331] روايةً أخرى ـ بعدَما نقلَ كلامَ جدِّه الطوسيّ ـ: « قالَ كميلٌ بنُ زياد: كنتُ جالساً مع مولاي أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام) في مسجدِ البصرةِ ومعَه جماعةٌ مِن أصحابه، فقالَ بعضُهم: ما معنى قولِ اللهِ عزّ وجلّ: {فِيهَا يُفرَقُ كُلُّ أَمرٍ حَكِيمٍ}؟ قالَ (عليهِ السلام): ليلةُ النصفِ مِن شعبان، والذي نفسُ عليٍّ بيدِه إنّه ما مِن عبدٍ إلّا وجميعُ ما يجري عليهِ مِن خيرٍ وشرٍّ مقسومٌ له في ليلةِ النصفِ مِن شعبان إلى آخرِ السنةِ في مثلِ تلكَ الليلةِ المُقبلة، وما مِن عبدٍ يحييها ويدعو بدعاءِ الخضرِ (عليهِ السلام) إلّا أُجيبَ له، فلمّا انصرفَ طرقتهُ ليلاُ، فقالَ (عليهِ السلام): ما جاءَ بكَ يا كُميل؟ قلتُ: يا أميرَ المؤمنين، دعاءُ الخضر، فقالَ: اجلِس يا كُميل، إذا حفظتَ هذا الدعاءَ فادعُ بهِ كلَّ ليلةِ جُمعة، أو في الشهرِ مرّة، أو في السنةِ مرّة، أو في عُمرِك مرّة، تُكفَ وتُنصَر وتُرزَق ولن تُعدَم المغفرة، يا كميلُ أوجبَ لكَ طولُ الصّحبةِ لنا أن نجودَ لكَ بما سألت، ثمّ قالَ: اكتب: اللّهُمَّ إنِّي أَسأَلُكَ بِرَحمَتِكَ الّتِي وَسِعَت كُلَّ شَيء... إلخ ». ثمَّ إنَّ البراهينَ قائمةٌ على أنّ كلَّ علمٍ وخيرٍ ينزلُ منَ اللهِ تعالى على أحدٍ منَ الخلق، ينزلُ أوّلاً على خاتمِ الأنبياءِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) ثمّ على أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام) ثمّ إلى الأئمّةِ (عليهم السلام) ثمّ يصلُ إلى المنزولِ إليه، وفي الزيارةِ الجامعةِ الكبيرة: « إن ذُكرَ الخيرُ كنتُم أوّلهُ وأصلهُ وفرعهُ ومعدنهُ ومأواهُ ومُنتهاه »، قالَ المُحققُّ التقيّ المجلسيّ في [روضةِ المُتّقين ج2 ص55]: « المشهورُ بينَ المُحقّقينَ أنّ كلَّ فيضٍ ورحمةٍ نزلَت منَ الابتداءِ وتنزلُ أبدَ الدهر، يُبتَدئ به (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، وبواسطتِه ينتشرُ إلى الكائنات، كما يدلُّ عليه الأخبار »، ومِن تلكَ الأخبار: ما رواهُ الشيخُ الكُلينيّ في [الكافي ج1 ص255] بإسنادٍ صحيحٍ عن زرارةَ بنِ أعين، قالَ: « سمعتُ أبا جعفرٍ (عليهِ السلام) يقولُ: لولا أنّا نزدادُ لأنفدنا، قالَ: قلتُ: تزدادونَ شيئاً لا يعلمُه رسولُ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله)؟ قالَ (عليهِ السلام): أما إنّه إذا كانَ ذلكَ عُرِضَ على رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، ثمّ على الأئمّةِ، ثمَّ انتهى الأمرُ إلينا »، وفي روايةٍ أخرى: عن أبي عبدِ الله (عليهِ السلام: « ليسَ يخرجُ شيءٌ مِن عندِ اللهِ (عزّ وجلّ) حتّى يُبدأ برسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، ثمّ بأميرِ المؤمنينَ (عليهِ السّلام)، ثمّ بواحدٍ بعدَ واحد؛ لكيلا يكونَ آخرُنا أعلمَ مِن أوّلنا ». وعلى هذا، فما ينزلُ على الأئمّةِ (عليهم السلام) منَ العلمِ والخيرِ فيُبدأ به رسولُ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) أوّلاً، ثمّ أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السلام)، وهكذا حتّى ينتهي إلى الإمامِ، فضلاً عمّا ينزلُ على الأنبياءِ والرّسلِ والأوصياءِ والأولياءِ والعبادِ الصالحين منَ العلمِ والخيرِ والفضلِ والكمالِ والرفعةِ والخصوصيّةِ، فإنّها إنّما جرَت لهم ونزلَت عليهم ببركةِ محمّدٍ وآلِ محمّد (صلّى اللهُ عليهم) وبتوسّطِهم؛ فإنّهم الأسماءُ الحُسنى والآياتُ الكُبرى والوسائلُ إلى الله ومجاري الخيرِ إلى الخلق، فكلّ خيرٍ يُرى في العالمِ فهوَ ببركتِهم (صلواتُ اللهِ عليهم).  والحمدُ للهِ ربّ العالمين.