طرقُ تحصيلِ رأي المعصومِ في المسألةِ المُجمعِ عليها ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : الإجماعُ هوَ اتّفاقُ الفقهاءِ على حكمٍ شرعيّ واحد، ولا يعدُّ الإجماعُ دليلاً مُستقلّاً بنفسِه عندَ فقهاءِ الإماميّة، بحيثُ لا يمكنُ الركونُ إليه إلّا إذا كانَ كاشفاً عن دخولِ المعصومِ مِن بينِ المُجمعين، أمّا إحرازُ دخولِ رأي المعصومِ بينَ المُجمعين فيتمُّ بأيّ طريقٍ عُقلائيٍّ يورثُ الاطمئنانَ بموافقةِ المعصوم، فمثلاً لو نُقلَ إجماعُ أصحابِ الإمامِ على مسألةٍ مُعيّنةٍ فإنَّ ذلكَ كاشفٌ عن موافقةِ المعصومِ لهم، إذا لا يعقلُ أن يجتمعوا على أمرٍ يكونُ مُخالفاً لرأي إمامِهم، فمثلُ هذا الإجماعِ يكونُ حُجّةً حتّى لو لم يكُن هناكَ نصٌّ عن المعصومِ في المسألة، إلّا أنَّ هذا النوعَ منَ الإجماعِ قد لا يتحقّقُ إلّا في زمنِ حضورِ الأئمّة، أمّا الإجماعاتُ المنقولةُ في كتبِ الفقهِ فقد لا تورثُ هذا النوعَ منَ اليقين. وكذلكَ استدلّوا بقاعدةِ اللطفِ الكاشفةِ عن موافقةِ المعصومِ للمُجمعين، (وصاحبُ هذا المسلكِ هوَ شيخُ الطائفةِ رحمهُ الله فإنّهُ قالَ فيما حُكيَ عنه: اجتماعُ الأصحابِ على الباطلِ وعلى خلافِ حُكمِ اللَّهِ الواقعي خلافُ اللطف، فيجبُ لطفاً إلقاءُ الخلافِ بينَهم بإظهارِ الحقِّ ولو لبعضِهم، فلو حصلَ إجماعٌ واتّفاقٌ منَ الكلِّ نستكشفُ بقاعدةِ اللطفِ أنّه حقٌّ وهوَ حكمُ اللَّهِ الواقعي) (أنوارُ الأصول، مكارمُ الشيرازي، ج2، ص 364). بمعنى أنَّ اللهَ يريدُ الهدايةَ لخلقِه فلا يمكنُ تركُ الأمّةِ وهيَ مُجمعةٌ على أمرٍ باطل، فلطفُ اللهِ يستوجبُ التدخّلَ لمنعِ الأمّةِ مِن إطباقِها على الضلال، فلو اجتمعَت الأمّةُ على رأيٍ خطأ كانَ لابدَّ مِن تنبيهِهم عن طريقِ المعصوم، فإذا لم يرِد عن المعصومِ تنبيهٌ علِمنا موافقتَه على ما تمَّ الإجماعُ عليه، وهذا لا يُتصوّرُ إلّا في حالِ الإجماعِ التامِّ بحيثُ لو خالفَ المُجمعينَ واحدٌ أو أكثرُ منَ الفقهاءِ لا يكونُ كاشفاً عن رأي المعصوم؛ لأنَّ حينَها لا يكونُ هناكَ مانعٌ أن يكونَ رأيُ المعصومِ مُتطابقاً معَ رأي هذا الفقيهِ الواحد، ومنَ الواضحِ أنَّ الحالاتِ التي يحصلُ فيها مثلُ هذا الإجماعِ نادرةٌ جدّاً، وفي حالِ حصولِه يكونُ الإجماعُ دليلاً على حُكمِ الشرع، ولكن ليسَ بوصفِه إجماعاً وإنّما بوصفِه مُتضمّناً لرأي المعصوم. واستدلَّ البعضُ على دخولِ المعصومِ عن طريقِ الحدس، وذلكَ لكونِ الفقهاءِ مُلتزمينَ بأقوالِ المعصومينَ ويتحرّزونَ منَ العملِ بالرأي، فإذا تطابقَت أراؤهم جميعاً على مسألةٍ واحدة، فإنَّ ذلكَ يكشفُ حدساً وليسَ حسّاً على أنَّ رأيهم مِن رأي المعصوم، (وهوَ كما قالَ في الفصولِ: أن يستكشفَ عن قولِ المعصومِ عليهِ السلام أو عن دليلٍ مُعتبرٍ باتّفاقِ عُلمائنا الأعلامِ الذينَ كانَ ديدنُهم الانقطاعُ إلى الأئمّةِ عليهم السّلام في الأحكام، وطريقتُهم التحرّزُ عن القولِ بالرأي ومُستحسناتِ الأوهامِ فإنّ اتّفاقَهم على قولٍ وتسالمَهم عليهِ مع ما يُرى مِن اختلافِ أنظارِهم وتباينِ أفكارِهم ممّا يؤدّي بمُقتضى العقلِ والعادةِ عندَ أُولي الحدسِ الصائبِ والنظرِ الثاقبِ إلى العلمِ بأنّ ذلكَ قولُ أئمّتِهم ومذهبُ رؤسائِهم وأنّهم إنّما أخذوهُ منهم إمّا بتنصيصٍ أو بتقرير) وقالَ المُحقّقُ النائيني في فوائدِ الأصول: (وهوَ أن نقولَ بوجودِ المُلازمةِ العاديّةِ بينَ اتّفاقِ المرؤوسينَ على أمرِ ورضا الرئيسِ إن كانَ نشأ الاتّفاقُ عن تواطئِهم على ذلكَ فكما يكشفُ قولُ الشافعي منَ العلماءِ الشافعيّينَ وقولُ أبي حنيفةَ مِن تلامذتِه وكذا غيرُهم، كذلكَ يُكشفُ مِن إجماعِ علماءِ الشيعةِ قولُ الإمامِ المعصومِ عليهِ السلام) (أنوارُ الأصول ج2، ص 368) ولا يخفى وجودُ نقاشاتٍ مُستفيضةٍ حولَ مبحثِ حُجيّةِ الإجماعِ في كتبِ الأصولِ، وهناكَ اختلافٌ في مباني الفقهاءِ حولَ كلِّ مسألةٍ مِن مسائلِ الإجماعِ مثلَ الإجماعِ المُحصّل، والإجماعِ المنقول، والإجماعِ التعبّدي، والإجماعِ المدركي، وغيرِ ذلكَ منَ المسائلِ المبحوثةِ في هذا الأمر، إلّا أنَّ الأساسَ في المسألةِ أنَّ الإجماعَ بنفسِه لا يكونُ حُجّةً إلّا إذا علِمنا بموافقةِ المعصوم، أمّا كيفَ يحدثُ هذا العلمُ فهوَ مرهونٌ بجمعِ القرائنِ العُقلائيّةِ التي يمكنُ أن تُفيدَ العلمَ بذلك، وإذا لم يتوصّل الفقيهُ إلى هذا العلمِ لا يمكنُه الاعتمادُ على الإجماع.
اترك تعليق