هل وجود المعصوم يحمي الأمّة من الاختلاف؟

السؤال: هل الإمام المعصوم يحمي الأمّة من الانقسام والاختلاف؟ أفيدونا ولكم جزيل الشكر؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الإجابة:

أشرنا في إجابة سابقةٍ: إلى أنّ العصمة ضرورة عقليّة قبل أن تكون ضرورة شرعيّة، فالعقل يحكم بوجوب اتّباع المعصوم كما يحكم بقبح تركه واتّباع غيره، فكلّ عاقل في هذه الحياة إذا خُيّر بين اتّباع المعصوم وبين اتّباع غير المعصوم فإنّه بالضرورة سيرجّح اتّباع المعصوم، فاتّباع الأفضل والأكمل من بديهيّات العقل وضروراته.

ومن ناحية أخرى: تسالم العقلاء على أنّ وجود مرجعيّة معصومة يلتزم الناس باتّباعها تمثّل ضمانة حتميّة لوحدتهم وتماسكهم ضمن نهج وطريق واحد، وفي المقابل كلّما تعدّدت القيادات المتباينة فيما بينها كلّما توزّعت ولاءات الناس بين هذه القيادات، وتبعاً لذلك تتباين اتّجاهات الناس وتختلف خياراتهم.

وعليه، فإنّ القيادة المعصومة هي الطريق الذي يحقّق وحدة الناس، بينما القيادات المتعدّدة والمتباينة هي السبب في تشتّت الجهود وحصول الاختلاف والانقسام بين الناس، وقد توافق جميع العقلاء على هذه الحقيقة البديهيّة، فلا يمكن توحيد أيّ مجموعة من الناس - كبيرة أو صغيرة - ضمن رؤية واحدة وتوجّه واحد، إلّا إذا كانت هذه المجموعة منخرطة ضمن قيادة واحدة مع شرط الطاعة والتسليم لقرارات تلك القيادة، والضمانة الوحيدة التي تمنع هذه المجموعة من الانحراف هو اتّصاف هذه القيادة بالعصمة.

أمّا إذا حصل التوحّد والالتفاف حول قيادة واحدة وكانت هذه القيادة غير معصومة، فإنّ وقوع هذه المجموعة في الانحراف والخطأ يعدّ نتيجة حتميّة.

وطبقاً لحكم العقلاء يمكننا أن نقول: إنّ حصول وحدة معرفيّة وعقائديّة وثقافيّة وسياسيّة بين جميع المسلمين تتوقّف على وجود مرجعيّة دينيّة واحدة، فالإسلام لا يمكن أن يكون واحداً إذا لم تكن له مرجعيّة واحدة، ولا يمكن للأمّة أن تضمن مساراً مستقيماً ما لم تكن تلك المرجعيّة معصومة.

فإذا خُيّر الإنسان المسلم بين أن يختار اللهُ تعالى له إماماً معصوماً ليتّبعه، وبين أن يختار هو لنفسه إماماً من بين عامّة الناس، فاختيار الله تعالى هو الراجح عند كلّ عاقل؛ لأنّ العقل لا يجد سبباً للفرقة بين الناس غير تعدّد القيادات، وإذا فوّض الله أمر القيادة الدينيّة للأمة فإنّ ذلك يؤدّي حتماً إلى تعدّد تلك القيادات، وهذا ما يفسّر لنا وجود هذا العدد الكبير من المذاهب والتيّارات الإسلاميّة.

وإذا حاولنا الرجوع إلى واقع الأُمّة في العهد الأوّل من الرسالة، لوجدناها أُمّة واحدة تحت زعامة النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله)، ولا يمكن أن نفسّر هذا الأمر إلّا بالقول أنّ الرسول كان يمثّل مرجعيّة معصومة التفّ حولها الجميع، وبالتالي فإنّ وجوده الشريف كان هو الضامن لوحدة المسلمين، أو كان بمثابة صمّام أمان لهذه الأُمّة، وبمجرد انتقال الرسول (ص) إلى الرفيق الأعلى، انفرط شمل الأُمّة، وانفلتَ عَقد وحدتها من بعده.

ولو فرضنا جدلاً، أنّ الله تعالى أطال في عمر نبيّنا الأكرم (ص) إلى يومنا هذا، كما أطال عمر نبيه نوح (ع)، فهل يمكن أن نتصور وجود هذا الاختلاف والانقسام في الأمّة؟

كذلك الحال لو فرضنا وجود إمام معصوم، معيّن من قبل الله ورسوله، متسلّماً زمام الأمور، ولم تُقصِه الأمة، فحينئذٍ لا يمكن تصور أيّ فِرَقٍ أو طوائف؛ إذْ يمثّل هذا الإمام المحور الذي تدور حوله الأُمّة، الأمر الذي يجعلنا نحكم يقيناً بأنّ إيمان الشيعة بضرورة الإمام المعصوم، إيمان ينطلق من الحرص على مستقبل الرسالة ووحدة المسلمين، فلم يسلّ سيف بين المسلمين إلّا بسبب تمرّد الأمّة على الإمامة المعصومة من أهل البيت (عليهم السلام).

وفي حال استبعدنا خيار الإمامة المعصومة المنصّبة من قبل الله تعالى، فإنّ الأمّة ليست قادرة على إيجاد البديل، ولا يمكن أن نحمّلها مسؤولية القيام بذلك بوصفه خارج عن قدراتها، ومن هنا فمن الطبيعي أن يقوم صاحب الرسالة بتعيين وتنصيب مَن يتكفّل بحماية المسار المستقبليّ للرسالة، فصاحب الرسالة هو المسؤول عن تحقيق كلّ ما يكون ضماناً لحفظ رسالته، من توفير كلّ الشروط التي تضمن وحدة الرسالة ومستقبلها، والإمامة المعصومة من أهمّ تلك الشروط.

ومن المعلوم أنّ الله تعالى هو الذي تكفّل باختيار الرسل، ولم يوكل هذا الأمر للناس، فليس باستطاعتهم معرفة من يكون مؤهّلاً لهذه الأمانة.

هذا الأمر ذاته ينطبق على مَنْ يتكفّل بحفظ الرسالة من بعد الرسول، بل قد يكون حفظ الرسالة وتجسيدها وفهمها، أكثر تعقيداً، ممّا يعني ضرورة تدخّل الإرادة الإلهيّة لتنصيب مَنْ يقوم بهذا الدور.

وفي المحصّلة، يمكننا أن نجيب على السؤال وبشكل مباشر، فنقول: نعم، وجود المعصوم – نبيّاً كان أو إماماً - ضمانٌ لعصمة الأمّة من الانقسام والاختلاف، ولكن بشرط اتّباع الأمّة له والانقطاع إليه.