هلْ ثوابُ بعضِ الأعمالِ مبالغٌ فيهِ ؟
سؤالٌ : أحيانا نجدُ ثوابَ الأعمالِ مبالغا فيها كثيرا مثلاً منْ صامَ يومَا منْ رجبٍ بنى اللهُ لهُ مئةَ قصرٍ بالجنةِ، منْ صلى عندَ الحسينِ عليهِ السلامُ فالركعةُ بألفِ ركعةٍ وغيرُها كثيرٌ . كيفَ لعقلِ الإنسانِ أنْ يتخيّلَ حجمَ الثوابِ دونَ أنْ يصيبَهُ الشكُ وهلْ إذا شعرَ بالمبالغةِ فهذا كفرٌ؟ ارجوا الجوابَ جزاكمُ اللهُ خيرا .
الجوابُ :
أولاً : المبالغةُ تعني التضخيمَ والتهويلَ ونقيضُها التقليلُ والتوهينُ ، وهيَ لا تخلوَ أنْ تكونَ نوعا منْ التلاعبِ بالحقائقِ ، فالمبالغُ يتجاوزُ الوصفَ الموضعيَ للحقائقِ ، فنجدُهُ عندَ المدحِ يسلكُ طريقَ التملقِ والإطراءِ المبالغِ فيهِ ، وعندَ الذمِ والهجاءِ لا يقفُ عندَ إظهارِ معايبِ الخصمِ وإنما ينفي حتى محامدَهِ ، وعلى ذلكَ منْ حيثُ المبدأُ فإنَ المبالغةَ كلمةً غيرَ مناسبةٍ لوصفِ ثوابِ الأعمالِ .
ثانيا : الثوابُ هوَ فضلٌ وتكرمٌ منْ اللهِ جلَ وعلا ، وليسَ للعبدِ استحقاق يستوجبُ بهِ الثوابَ ، قالَ تعالى : ( يمنّونَ عليكَ أنْ أسلموا ? قل لا تمنوا عليّ إسلامَكمْ ? بلْ اللهَ يمنُّ عليكمْ أنَ هداكمْ للإيمانِ إنَ كنتمْ صادقينَ ) ، فليسَ لإنسانِ أنْ يمنَّ على اللهِ بإسلامهِ أوْ بأداءِ ما عليهِ منْ عباداتٍ وواجباتٍ ، وكلُ ما ينالهُ العبدُ منْ ثوابٍ إنما هوَ منْ بابِ المنِّ والتفضلِ الربانيِ ، قالَ الشيخُ المفيدُ : ( إنَ العبدَ ليسَ أجيرا في عملهِ للمولى ليستحقَ الثوابَ عليهِ ، وإنما جرى ومشى على طبقِ وظيفتهِ ومقتضى عبوديتهِ ورقيتِه ، ولكنَ اللهَ سبحانهُ وتعالى هوَ الذي يتفضلُ عليهِ بإعطاءِ الثوابِ والأجرِ ) ( أوائلَ المقالاتِ ص 111 )
ثالثا : كيفَ يستعظمُ العقلُ ثوابَ اللهِ إذا كانَ فضلاً وتكرما منهُ تعالى ؟ فالعقلُ يستعظمُ إعطاءَ الكثيرِ منْ الفقيرِ ، ويستعظم إعطاء الجليلِ منْ الحقيرِ ، ففاقدُ الشيءِ لا يعطيهُ بحكمِ العقلِ والضرورةِ ، فكلُ منْ وصفَ الفقيرَ المعدمَ بإعطاءِ المالِ الكثيرِ ، أوْ وصفَ الحقيرَ بما هوَ جليلٌ وعظيمٌ يكون مبالِغا في وصفهِ لا محالةً ، وهذا خلافُ مسألةِ الثوابِ الذي يتفضلُّ بهِ اللهُ على العبادِ ، فضرورةُ العقلِ تقضي بأنَ عطاءَ العظيمِ لا يمكنُ أنْ يكونَ محدودا ، فلو كانَ محدودا لما كانَ عظيما ، ومنْ هنا لا يمكنُ للعقلِ أنْ يستعظمَ ثوابَ اللهِ طالما لمْ يكنْ لفضلِ اللهِ حدودٌ . وإذا رجعنا للقرآنِ الكريمِ نجدُ أنهُ يربطُ فضلَ اللهِ دائما بعظمتهِ ، قالَ تعالى : ( واللهُ يختصُ برحمتهِ منْ يشاءُ ? واللهُ ذو الفضلِ العظيمِ ) ، وقولهُ : ( يختصُ برحمتهِ منْ يشاءُ ? واللهُ ذو الفضلِ العظيمِ ) ، وقولهُ : ( يا أيها الذينَ آمنوا إنَ تتقوا اللهَ يجعلُ لكمْ فرقانا ويكفّرُ عنكمْ سيئاتِكمْ ويغفرُ لكمْ واللهُ ذو الفضلِ العظيمِ ) ، وقولهُ : ( سابقوا إلى مغفرةٍ منْ ربكمْ وجنةٍ عرضُها كعرضِ السماءِ والأرضِ أعدّتْ للذينَ آمنوا باللهِ ورسلهِ ذ لكَ فضلُ اللهُ يؤتيهِ منْ يشاءُ واللهُ ذو الفضلِ العظيمِ ) ، وقولهُ : ( وأنَ الفضلَ بيدِ اللهِ يؤتيهُ منْ يشاءُ واللهُ ذو الفضلِ العظيمِ ) وغيرِ ذلكَ منْ الآياتِ .
وفي المحصلةِ كلُ ما هوَ ثابتٌ بالنصوصِ والأدلةِ الشرعيةِ منْ ثوابٍ لبعضِ الأعمالِ الواجبةِ أوْ المستحبةِ يجبُ التصديقُ به والسعيِ لتحقيقه تعرّضا لفضلِ اللهِ ورحمتِهِ .
اترك تعليق