كيفَ يصلىَ اللهُ على النبيِ ؟
سؤالٌ : الصلاةُ على النبي محمدْ هيَ أنْ نقولَ ( اللهمَ صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدْ ) ، فهلْ صلاةُ اللهِ على النبيِ هيَ بنفسِ هذهِ الصيغةِ ، وبمعنى آخرَ كيفَ يصليّ اللهُ على النبيِ في قولهِ تعالى: ( إنَّ اللهَ وملائكتهُ يصلونَ على النبيِ يا أيها الذينَ آمنوا صلوا عليهِ وسلِّموا تسليما )
الجوابَ :
الصلاةُ في اللغةِ هيَ نحوَ منَ الصلةِ التي يظهرُ فيها التعظيمُ والمحبةُ ، فكلُ منْ يخبرُ أوْ يظهرُ محبةً للغيرِ يكون قدْ صلى عليهِ ، ومنْ هنا كانَ الدعاءُ منْ أشهرِ معاني الصلاةِ ؛ لأنَ الدعاءَ لشخصٍ هوَ تعبيرٌ عنْ محبتهِ وإرادةِ الخيرِ لهُ ، فأصلُ الصلاةِ منْ الثناءِ الجميلِ وإبرازِ الخيرِ للغيرِ ، ولهذا تشملُ الصلاةُ في اللغةِ التحيةَ ، فلو حييتُ شخصا قالتْ العربُ بأنكَ صليتَ عليهِ ، ولوْ مدحتَ شخصا قالتْ العربُ بأنكَ صليتَ عليهِ ؛ لأنهُ يعتبرُ نوعا منْ إظهارِ التعظيمِ والمحبةِ لهُ ، وعلى ذلكَ تكونُ صلاةُ اللهِ على النبيِ بمعنى أنَ اللهَ يظهرُ عظمةَ النبيِ ومحبتَه ولذلكَ دعاءُ المؤمنينَ لفعلِ ذلكَ بتمجيدهِ وتعظيمهِ ومحبتِهِ .
وذهبَ البعضُ إلى أنَ أصلَ الصلاةِ في اللغةِ هيَ الانعطافُ ، فصلىّ عليهِ أيُ أنعطفَ نحوهُ ، وقدْ ذهبَ العلامةُ الطباطبائيُ إلى هذا المعنى بقولهِ : ( إنَ أصلَ الصلاةِ الانعطافُ فصلاتُهُ تعالى انعطافهُ عليهِ بالرحمةِ انعطافا مطلقا لمْ يقيدْ في الآيةِ بشيءٍ دونَ شيءٍ وكذلكَ صلاةُ الملائكةِ عليهِ انعطافٌ عليهِ بالتزكيةِ والاستغفارِ وهيْ منَ المؤمنينَ الدعاءُ بالرحمةِ ) فاللهُ ينعطفُ نحوَ العبادِ بالرحمةِ والمحبةِ والعنايةِ واللطفِ بهمْ ، وينعطفُ العبادُ نحوَ بعضهمْ بالتعاونِ والمحبةِ والسلامِ والدعاءِ والمدحِ والثناءِ ، وبذلكَ أظهرتْ الآيةُ انعطافَ اللهِ للنبيِ ثمَ أمرَتْ المؤمنينَ بفعلِ ذلكَ . ومنْ كلِ ذلكَ يتضحُ أنَ الصلاةَ هيَ صلةٌ وانعطافٌ فيهِ تعظيمٌ وإظهارٌ للمحبةِ ، وعليهِ تكونُ الصلاةُ على النبيِ في قبالِ منْ يؤذي النبيَ ، ولذا جاءتْ الآياتُ على النحوِ التالي ( إنَ اللهَ وملائكتَهُ يصلونَ على النبيِ يا أيها الذينَ آمنوا صلوا عليهِ وسلموا تسليما * إنَ الذينَ يؤذونَ اللهَ ورسولهُ لعنهمُ اللهُ في الدنيا والآخرةِ وأعدَ لهمْ عذابا مهينا ) وفي المحصلةِ صلاةَ اللهِ على النبيِ تكشفُ ما للنبيِ منْ مقامٍ عندَ اللهِ تعالى ، فهيَ إشادةٌ وتزكيةٌ منْ اللهِ تعالى لنبيهِ ، كما أنها سكينةٌ ورحمةٌ على قلبهِ الطاهرِ . أما صلاةُ المؤمنِ على النبيِ فهيَ إقرارٌ وتصديقٌ لما للنبيِ منْ كمالٍ ؛ وذلكَ لأنَ المؤمنَ لا يمنحُ كمالاً للنبيِ بصلاتهِ عليهِ ، وإنما يعترفُ ويقرُ بما استحقهُ النبيُ منْ كمالٍ ، ولا يمكنُ للمؤمنِ أنْ يحققَ رضا اللهِ إلا بعدَ أنْ يشهدَ بمكانةِ الرسولِ كما شهدَ بها ربهُ ، وبذلكَ يكونُ المؤمنُ في أشدِ الحاجةِ إلى هذهِ الصلاةِ ، فبها يتحقق الربطُ والتواصلُ بينَهُ وبينَ رسولهِ ، ومنْ هنا كانتِ الصلاةُ على النبيِ شعارَ المؤمنِ الذي يحددُ هويتَهُ ومصدرَ انتمائيتهِ ، فلا يكونُ المؤمنُ موحدا ومسلما لأمرهِ ووحيهِ ما لمْ يكنْ تابعا لرسولِهِ ،
قالَ تعالى : ( قلَ إنَ كنتمْ تحبونَ اللهُ فاتبعوني يحببكمْ اللهُ ويغفرُ لكمْ ذنوبَكمْ ? وللهُ غفورُ رحيم) ، وقدْ ربطَ اللهُ بينَ محبةِ النبيِ وتوقيرهِ وبينَ تسبيحِ اللهِ ، حيثُ قالَ : لتؤمنوا باللهِ ورسولِهِ وتعزروهُ وتوقروهُ وتسبحوهُ بكرة وأصيلاً ) فبما أنَ المؤمنَ لا يمكنُهُ أنْ يكونَ بعيدا عنْ اللهِ لا يمكنهُ أيضا أنْ يكونَ بعيدا عنْ النبيِ ( صلى اللهُ عليهِ وآلهِ ) ..
اترك تعليق