هل نبيُ اللهِ إدريسُ كانَ خيميائا ؟

سؤالٌ : قيلَ لي أنَّ نبيَ اللهِ إدريسْ كانَ خيميائيا ! ما صحةُ هذا ؟ وهلْ هناكَ نبيُ منْ الأساسِ درسَ الخيمياءْ ؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجوابُ :

يربطَ بعضُ مؤرخي العربِ بينَ شخصيةِ هرمسْ وبينَ شخصيةِ نبيِ اللهِ إدريس ، ومعَ أنَ شخصيةً هرمسْ موغلةً في التاريخِ القديمِ إلا أنَ لهُ تأثيرٌ على الحضارةِ الشرقيةِ والغربيةِ ، ويرجعَ الباحثونَ تاريخَ وجودهِ إلى الألفِ الرابعة أوْ الثالثةِ قبلَ الميلادِ .

وادّعتْ كثير منْ الحضاراتِ نسبتهُ إليها مثلَ الحضارةِ الفارسيةِ والبابليةِ والمصريةِ ، في حين يعدّهُ اليونانيونَ والرومانُ واحدا منْ آلهتِهمْ ، كما أنهُ يعدُّ منَ الشخصياتِ المقدسةِ في اليهوديةِ والمسيحيةِ وإن لمْ يكنْ منْ أنبياءَ بني إسرائيلَ .

ويعرفَ هرمسُ في الكتبِ اليهوديةِ ب « أخنوخْ » وبحسبَ سفرِ التكوينِ كانَ رجلاً ورعا وتقيا وذا حكمةٍ ، وعاشَ 365 سنةً بعددِ أيامِ الدورةِ الشمسيةِ ، وقيلَ إنهُ صعدَ إلى السماءِ وهوَ على قيدِ الحياةِ ، كما أنَ لهُ بعضُ الكتاباتِ القديمةِ التي تعرفُ باسمٍ « سفرِ أخنوخْ » وهرمسْ أوْ أخنوخْ عندَ بعضِ مؤرخي العربِ هوَ نبيُ اللهِ إدريسْ ، فقدْ جاءَ في المجلدِ الأولِ منْ تاريخِ اليعقوبي : « هوَ أخنوخْ بنْ يردْ ، عبدُ اللهْ سبحانهُ ولما كانَ لهُ 65 سنةٍ ، ولدَ لهُ متوشالحْ » ، ويزيدَ اليعقوبي أنَ أخنوخْ كانَ أولَ منْ خطٌّ بالقلمِ ، وهوَ إدريسْ النبيِ ، وقدْ رفعهُ اللهُ بعدَ أنْ أتتْ لهُ 300 سنةٍ .

وذكرَهُ أيضا ابنُ قتيبةَ الدينوري في كتابهِ « المعارفَ » بقولهِ : « أخنوخْ هوَ النبيُ إدريسْ ، الذي ولدَ لهُ ابنهُ متوشالحْ ، وكانَ أحسنُ خدامِ اللهِ » . ويضيفَ ابنُ قتيبة أنَ « إدريسَ هوَ أولُ منْ خطُ بالقلمِ ، وأولُ منْ حاكَ الثيابَ ولبسَها » ثمَ وصفَ بنيتَهُ الجسميةَ قائلاً : « كانَ عريضَ الصدرِ ، قليلَ شعرِ الجسد ، وقدْ سميَ إدريسْ لكثرةِ ما كانَ يدرسُ تعاليمَ اللهِ » . وروى الطبري في « تاريخِ الرسلِ والملوكِ » عنِ النبيِ إدريسْ ، قائلاً : « أخنوخْ ، وهوَ إدريسُ النبي ، وكانَ أولَ بني آدمَ أعطيَ النبوةُ » . مستشهدا بحديثِ أبي ذرٍ الغفاري حينَ سألَ النبيَ ( صلى اللهُ عليهِ وآلهِ ) عنْ الأنبياءِ والرسلِ : « … قلتُ : يا رسولَ اللهِ منْ كانَ أولهمْ ( الرسلُ ) ؟ قالَ : آدمْ . قلتْ : يا رسولَ اللهِ إنبي مرسلٌ ؟ قالَ : نعمْ خلقهُ اللهَ بيدهِ ونفخَ فيهِ منْ روحهِ وكلمةِ قبلاً . ثمَ قالَ : يا أبا ذرَ أربعةُ سريانيونَ : آدمْ ، وشيثْ ، وأخنوخْ ، وهوَ إدريسْ ، وهوَ أولُ منْ خطَّ بالقلمِ ، ونوحْ » .

وعلى الرغمِ منْ هذا الربطِ بينَ هرمسْ ونبيِ اللهِ إدريسْ في المصادرِ الإسلاميةِ ، إلا إنَ الكاتبَ إسماعيل حامد في كتابهِ « هرمسْ الحكيمَ وعلاقتهِ بالنبيِ إدريسْ » فنّدَ هذا الربطَ واعتبرهُ منْ الإسرائيلياتِ التي تسربَتْ إلى المصادرِ الإسلاميةِ ، مشيرا إلى أنها « مزاعمُ ومغالطاتٌ لا سندَ حقيقيَ لها » وبحسبِ الباحثةِ ناهدْ زكي في مقالٍ لها بعنوان : ( قالوا عنهُ النبيُ إدريسْ . . منْ هوَ هرمسْ وكيفَ أثّرَ على المسلمينَ ؟ ) : أنَ « الهرمسية » كانَ لها جانبانِ : الأول : شعبيُ يهتمُ بالسحرِ ، والتنجيمِ ، وعلومِ الفلكِ ، والعلومِ الخفيةِ ،

والجانبُ الثاني : هوَ الهرمسيةُ العلميةَ التي تهتمُ باللاهوتِ والفلسفةِ والكيمياءِ ( الخيمياءْ قديما ) وهيَ حسبَ الباحثةِ يمنى طريفْ الخولي في كتابِها « بحوثٌ في تاريخِ العلومِ عندَ العربِ » تمثلُ عمليةً ساحرةً تهدفُ لتحويلِ المعادنِ البخسةِ إلى معادنَ ثمينةٍ مثلِ الذهبِ والفضةِ ، عنْ طريقِ ما يسمى ب « حجرُ الفلاسفةِ » ؛ وهوَ مادةٌ أسطوريةٌ كانَ يعتقدُ في الأزمانِ القديمةِ أنها قادرةٌ على تحويلِ الفلزاتِ الرخيصةِ إلى ذهبٍ .

والذي يبدو أنَ هذا هوَ سببُ الربطِ بينَ نبيِ اللهِ إدريسْ وبينَ الكيمياءِ ، بعدَ أنْ تمَ الربطُ بينهُ وبينَ هرمسْ ، ولإثباتِ هذا الأمرِ لابد منْ إثباتِ نسبةِ الكيمياءِ إلى هرمسْ أولاً ، ومنْ ثمَ ثانيا إثباتُ كونِ هرمسَ هوَ نفسهُ نبيُ اللهِ إدريسْ ، وكما هوَ واضحٌ منْ الصعبِ الخروجِ برؤيةِ قطيعةٍ حولَ هذهِ المسائلِ لقلةِ الوثائقِ التاريخيةِ ولضعفِ ما هوَ موجودٌ منها