معنى الأنداد
السؤال: ما تفسير قوله تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}. كيف يمكن أن يجعل الإنسان لله ندّاً؟
الجواب:
لغرض الوصول إلى الجواب المناسب سنبحث معنى (الندّ) وتعريفه لغويّاً وفي الاستعمال القرآنيّ وفيما جاء عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام). ومن ثَمَّ سنسلّط الضوء على تفسير هذه الآية. فنقول الندُّ في اللّغة هو: (المِثلْ والنظير) [مجمع البحرين: ج 3 ص 1763]. و(نَدِيدُ الشيءِ: مُشارِكه في جَوْهَره، وذلك ضربٌ من المُماثلة، فإنّ المِثْل يقال في أيِّ مشاركةٍ كانتْ)، [المفردات في غريب القرآن، ج1، ص 796].
وأمّا في القرآن الكريم فقد وردت كلمة (أنداد) عدّة مرّات منها:
في قوله تعالى {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}، [البقرة: 22]، وفي قوله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} [ البقرة:156]، وفي قوله تعالى {وَجَعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ}، [إبراهيم: 30]
وأمّا فيما جاء عن أئمّة أهل البيت (ع)، فإليك ما رواه الشيخ الكلينيّ عن مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (ع) عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ، «قَالَ هُمْ وَ اللَّهِ أَوْلِيَاءُ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ اتَّخَذُوهُمْ أَئِمَّةً دُونَ الْإِمَامِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً فَلِذَلِكَ» قَالَ وَ لَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ. إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَ رَأَوُا الْعَذابَ وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ. وَ قالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ، ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع «هُمْ وَ اللَّهِ يَا جَابِرُ أَئِمَّةُ الظَّلَمَةِ وَ أَشْيَاعُهُمْ»). [الكافي، ج1، ص374].
وأمّا تفسير هذه الآية، فإنّ المفهوم من البيان اللّغويّ والظاهر القرآنيّ من وصف (الأنداد) هو أنّهم وجودات يتولّاها الناس ويتعاملون معها بشكل عمليّ وفعليّ كشركاء ونظائر لله تعالى في استحقاق العبوديّة، وإن لم يدّعِ أتباعها صراحة أنّهم شركاء ومماثلين لله تعالى ومستحقّين للعبادة.
ومن خلال النظر في معنى الآيات السابقة يمكننا أن نستنتج الحقائق التالية التي تتعلّق بواقع (الأنداد) ومفهومها:
أوّلاً: أنّهم ليسوا من أولياء الله، ولا من عباده الصالحين، بل من أعداء الله تعالى والذين ضلّوا عن سبيل الله تعالى، فهم من أهل النار مع أتباعهم وأشياعهم. فهم شياطين الجنّ والإنس.
ثانياً: الذين يعبدون الأنداد يحبونّهم من دون الله تعالى، أي خلافاً لإرادة الله تعالى وخارجاً عن محبّة الله تعالى، فحبّهم للأنداد ليس في طول محبّة الله تعالى ومستمدّة من حبّه تعالى، وليسوا كأولياء الله تعالى وأنبيائه (عليهم السلام) الذين حبّهم حبّ الله تعالى، وطاعتهم طاعته، وولايتهم ولايته.
ثالثًا: عبادة الأنداد ومحبّتهم مظهر من مظاهر الشرك في العبادة والفجور، وهي اتّباع لأوامر الشيطان وطاعة له، والأكثر خطرا متابعة هوى النفس الأمّارة بالسوء، فهو أخطر الآلهة المهدّدة لحياة الإنسان.
رابعا: أن عبادة الأنداد ومتابعتهم لن تؤدّي إلى الرزق الذي يرغب فيه التابعون، بل سيرون أفعالهم تجلب لهم الندامة والحسرة.
خامسا: من لم يتّخذ الأنداد أولياء له، وكان محبّاً لله تعالى، ومحبّاً لمن يحبّه الله تعالى، ويأمر بمحبّته وطاعته، فسيكون موحّداً مخلصاً لله تعالى في توحيده وعبادته.
قال العلّامة الطباطبائيّ في هذا الصدد: (فقد بان بهذا البيان أنّ من أحبّ شيئا من دون الله ابتغاء قوّة فيه فاتّبعه في تسبيبه إلى حاجة ينالها منه أو اتّبعه بإطاعته في شيء لم يأمر الله به فقد اتّخذ من دون الله أندادا وسيريهم الله أعمالهم حسرات عليهم، وأنّ المؤمنين هم الذين لا يحبّون إلّا الله ولا يبتغون قوّة إلّا من عند الله ولا يتّبعون غير ما هو من أمر الله ونهيه فأولئك هم المخلصون لله دينا.
وبان أيضا أنّ حبّ من حبّه من حبّ الله واتّباعه اتّباع الله كالنبيّ وآله والعلماء بالله، وكتاب الله وسنّة نبيّه وكلّ ما يذكر الله بوجه إخلاص لله ليس من الشرك المذموم في شيء، والتقرّب بحبّه واتّباعه تقرّب إلى الله، وتعظيمه بما يعد تعظيما من تقوى الله، قال تعالى: {ومن يعظّم شعائر الله فإنّها من تقوى القلوب} [الحج: ٣٢]، والشعائر هي العلامات الدالّة، ولم يقيّد بشيء مثل الصفا والمروة وغير ذلك، فكلّ ما هو من شعائر الله وآياته وعلاماته المذكورة له فتعظيمه من تقوى الله ويشمله جميع الآيات الآمرة بالتقوى.
نعم، لا يخفى لذي مسكة أن إعطاء الاستقلال لهذه الشعائر والآيات في قبال الله واعتقاد أنّها تملك لنفسها أو غيرها نفعاً أو ضرّاً أو موتاً أو حيوة أو نشوراً إخراج لها عن كونها شعائر وآيات وإدخال لها في حظيرة الألوهيّة وشرك بالله العظيم، والعياذ بالله تعالى). [الميزان في تفسير القرآن، ج1، ص408]. والحمد لله ربّ العالمين.
اترك تعليق