كيف تلقح الرياح السحاب؟
(وَأَرسَلنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسقَينَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُم لَهُ بِخَازِنِينَ)، معنى الآيةِ الحقيقيّ يحتوي خطأ علميّاً فادحاً وفي تفسيراتِ القُرطبي وابنِ كثير والطبريّ وتفسيرِ الجلالين ...... قالوا بأنَّ الرّياحَ تلقّحُ السّحابَ فيما قالَ البعضُ الآخر منَ المُفسّرينَ بأنَّ المقصودَ هوَ تلقّحُ الغيومِ والشجرِ بالمياهِ فليسَت الرياحُ مَن تلقّحُ الغيومَ إنّما تيّاراتُ الهواءِ الناتجةُ عن تبخّرِ المياهِ المُتصاعدةِ عن البِحار!
الجواب:
لم نفهَم على وجهةِ الدقّةِ الخطأ العلميَّ الذي يشيرُ إليهِ صاحبُ السؤال، فمعنى الآيةِ كما جاءَ في التفاسيرِ التي أشارَ إليها لا يخالفُ العلمَ في شيءٍ، وقولهُ: (فليسَت الرياحُ مَن تلقّحُ الغيومَ إنّما تيّاراتُ الهواءِ الناتجةُ عن تبخّرِ المياهِ المُتصاعدة عَن البحار) هوَ قولٌ غيرُ مفهومٍ بالمرّة، فما هوَ الفرقُ عندَه بينَ الرّياحِ وبينَ تيّاراتِ الهواء؟ وهل تيّاراتُ الهواءِ ناتجةٌ عن تبخّرِ المياهِ أم هيَ التي تنقلُ ذلكَ البُخار؟
وبالرّجوعِ للتفاسيرِ التي أشارَ إليها نجدُ أنَّ القرطبيَّ يقولُ في تفسيرِ هذهِ الآية: "ومعنى لواقح حوامل؛ لأنّها تحملُ الماءَ والترابَ والسحابَ والخيرَ والنفع. قالَ الأزهري: وجعلَ الرّيحَ لاقحاً لأنّها تحملُ السّحاب؛ أي تُقلّهُ وتصرّفُه ثمَّ تمريهِ فتستدرُّه، أي تنزلهُ؛ قالَ اللهُ تعالى: حتّى إذا أقلّت سحاباً ثقالاً أي حملَت".
ويقولُ ابنُ كثير: "وقولهُ: (وأرسلنا الرّياحَ لواقح) أي: تلقّحُ السحابَ فتدرُّ ماءً، وتلقّحُ الشجرَ فتتفتّحُ عن أوراقِها وأكمامِها.. وقالَ الأعمشُ، عن المنهالِ بنِ عمرو، عن قيسٍ بنِ السكن، عن عبدِ الله بنِ مسعود في قولِه: (وأرسَلنا الرّياحَ لواقح) قالَ: ترسلُ الرياح، فتحملُ الماءَ منَ السماء، ثمَّ تمرى السحاب، حتّى تدرَّ كما تدرُّ اللقحة"
وجاءَ في تفسيرِ الطبري: "والصّوابُ منَ القولِ في ذلكَ عندي: أنَّ الرياحَ لواقحُ كما وصفَها به جلَّ ثناؤه مِن صفتِها، وإن كانَت قد تلقّحُ السحابَ والأشجار، فهيَ لاقحةٌ مُلقّحةٌ، ولقحُها: حملُها الماءَ وإلقاحُها السّحابَ والشّجرَ: عملُها فيه، وذلكَ كما قالَ عبدُ الله بنُ مسعود. حدّثنا أبو كريب، قالَ: ثنا المحاربيّ، عن الأعمشِ، عن المنهالِ بنِ عمرو، عن قيسِ بنِ سكن، عن عبدِ الله بنِ مسعود، في قولِه (وَأَرسَلنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ) قالَ: يرسلُ اللهُ الرّياحَ فتحملُ الماءَ، فتجري السّحاب، فتدرُّ كما تدرُّ اللقحةُ ثمَّ تُمطِر"
وكلُّ ذلكَ ليسَ فيه ما يخالفُ العلم، فآليّةُ تشكّلِ الغيومِ والسّحابِ ونزولِ المطرِ بحسبِ عُلماءِ الأرصادِ تعتمدُ بالأساسِ على الرّياح، فالرّياحُ تحملُ بخارَ الماء مِن سطحِ البحارِ والمُحيطات إلى طبقاتِ الجوِّ العُليا، وبما أنَّ ذرّاتِ الماءِ تحتاجُ إلى تجميعٍ وتكثيفٍ حتّى تُصبحَ غيوماً فحينَها لابدَّ مِن وجودِ عاملٍ آخر يقومُ بدورِ التلقيحِ ليحوّلَ ذلكَ البخارَ إلى ماء، وهذا ما تقومُ به الرّيحُ حيثُ تحملُ الرّيحُ معَها ذرّاتِ الغُبارِ والملحِ الناعمة، وهذهِ الذرّاتُ عندَما تصعدُ إلى الجوِّ ولارتفاعِ عدّةِ كيلومترات حيثُ درجةُ الحرارةِ مُنخفضةٌ جدّاً، تتجمّعُ حولَها ذرّاتُ الماءِ فتُشكّلُ بذلكَ قطراتِ الماءِ ومِن ثمَّ المطر، وهذا الوصفُ هوَ ذاتُه الذي أشارَ إليه المُفسّرونَ وليسَ شيئاً آخر.
اترك تعليق