التكليف بغير المقدور

السؤال: يقول الله تبارك وتعالى: {رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ}، ومن المعلوم أَنَّ الله لا يكلّف الإنسان فوق طاقته؛ لأنّه من التكليف بغير المقدور، وهو لا يصدر من الحكيم. وحينئذٍ لا معنى للدعاء بأنْ لا يكلّفنا بما لا نطيق، وبما هو خارجٌ عن قدرتنا. فيكون الدعاء الوارد في هذا المقطع من الآية نظير ما لو دعونا ربّنا بقولنا: (ربّنا لا تظلمنا)، فإنّ الله عادلٌ لا يظلم، فكيف يصحّ أنْ يطلب منه العبد في دعائه بأنْ لا يظلم، وكذلك ربّنا لا يكلّفنا بما هو خارجٌ عن مقدورنا، فكيف نطلب منه أنْ لا يفعل ذلك؟

: - اللجنة العلمية

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

{رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ}

وقع كلامٌ بين العلماء في معنى الموصول من الآية الكريمة، هل المراد الدعاء لرفع التكليف الذي لا يُطاق، أم لرفع العذاب الذي لا يُطاق، فإنّ الأمم السابقة كانوا يُكلّفون بالتكاليف الشاقّة، وكان العذاب الدنيويّ ينزل عليهم، فالدعاء إمّا لرفع التكليف أو لرفع العذاب أو لكليهما.

وبناءً على أنّها تدلّ على رفع التكليف الذي لا يُطاق، فإنّ عدم الإطاقة تحتمل وجهين:

أحدهما: أن يكون التكليف بما لا يُطاق بسبب كونه غير مقدور.

والآخر: أن يكون غير مطاق لصعوبته ومشقّته، كما كانت تكاليف بني إسرائيل من قتل النفس ونحوها.

وبما أنّ الآية في ظاهرها الأوليّ تحتمل الوجهين – التكليف بغير المقدور، والتكليف الشاقّ -، فينبغي الرجوع للمحكمات المفسِّرة لمثل هذا الإجمال، كقول الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} في نفس الآية السابقة، والبرهان العقليّ القاضي بقبح التكليف بما لا يُطاق، ومقتضى نفي المحكمات التكليف بغير المقدور يكون مفاد الآية هو الدعاء لرفع التكليف الشاقّ.

قال الشيخ الطوسيّ: (ومن ذلك قوله: {ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به}، فاحتمل ظاهره تكليف المشاق، واحتمل تكليف ما لا يطاق، وأحدهما لا يجوز عليه تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}، فرددنا إليه المتشابه) [التبيان في تفسير القرآن ج2 ص396].

وقال: (وقوله: {لا تحملنا ما لا طاقة لنا به} قيل: فيه قولان: أحدهما: ما يثقل علينا من نحو ما كلف بني إسرائيل من قتل أنفسهم وبتيه أربعين سنة وغير ذلك، كما يقول القائل: لا أطيق أنظر إلى فلان ولا أسمع كلامه. الثاني: ما لا طاقة لنا به من العذاب في دار الدنيا) [التبيان ج2 ص386].

وقال السيّد الطباطبائيّ: (قوله تعالى: {ربنا ولا تحملنا مالا طاقه لنا به}، المراد بما لا طاقة لنا به ليس هو التكليف الابتدائيّ بما لا يطاق، إذ قد عرفت: أنّ العقل لا يجوّزه أبداً، وأنّ كلامه تعالى - أعني ما حكاه بقوله: {وقالوا سمعنا وأطعنا} - يدلّ على خلافه، بل المراد به جزاء السيئات الواصلة إليهم من تكليف شاقّ لا يتحمّل عادة، أو عذاب نازل، أو رجز مصيب كالمسخ ونحوه) [تفسير الميزان ج2 ص445].

والحمد لله ربّ العالمين