تفسير: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي}

ما تفسير الآية التي قال فيها النبي لوط عليه السلام لفاعلي الفاحشة في زمانه: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ}؛ إذ كيف يضحّي النبيّ ببناته المؤمنات، ويزوّجهنّ لمرتكبي الفاحشة؟

: - اللجنة العلمية

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ورد عرض النبي لوط (عليه السلام) بناته على قومه في آيتين، الأولى: {قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [سورة هود: 78]، والآخرى: {قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} [سورة الحجر: 71].

فالآيتان الكريمتان تبيّن أنّ القوم جاؤوا للنبيّ لوط (عليه السلام) وأرادوا ارتكاب الفاحشة بضيوفه – وهم الملائكة –، فنصحهم وأنذرهم فلم يستجيبوا، فعرض عليهم في تلك الحالة الزواج ببناته لئلّا يرتكبوا الفاحشة.

وقد وقع عند المفسّرين تساؤل في أمرين: أحدهما: هل عرض عليهم بناته الصلبيّين أو لا؟ والآخر: كيف يُزوَّج الكافر بالمؤمنة؟ أي: كيف يزوّج النبيّ المؤمنة بمرتكبي الفاحشة؟

نذكر في المقام ما ذكره الشيخ ناصر مكارم الشيرازيّ في المقام، فقال:

(يقول القرآن الكريم في هذا الصدد: {وجاءه قومه يهرعون إليه}، وكانت حياة هؤلاء القوم مسودة وملطخة بالعار {ومن قبل كانوا يعملون السيئات}، فكان من حق لوط أن يضيق ذرعاً يصرخ ممّا يرى من شدة استيائه، و{قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم}، فأنا مستعد أن أزوجهن إياكم {فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد} يصدّكم عن هذه الأعمال المخزية وينصحكم بالإقلاع عنها.

ولكن هؤلاء القوم المفسدين أجابوا لوطاً بكل وقاحة وعدم حياء و {قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد}.

وهنا وجد لوط هذا النبيّ العظيم نفسه محاصراً في هذه الحادثة المريرة فنادي و {قال لو أن لي بكم قوة} أو سند من العشيرة والأتباع والمعاهدين الأقوياء حتى أتغلب عليكم {أو آوي إلى ركن شديد}).

ثمّ قال:

(العبارة التي قالها لوط عند هجوم القوم على داره وأضيافه: {هؤلاء بناتي هن أطهر لكم} فتزوجوهن إنْ شئتم فهن حلال لكم ولا ترتكبوا الإثم والذنب، وقد أثارت هذه العبارة بين المفسرين عدة أسئلة:

أوّلاً: هل المراد من هؤلاء بناتي بنات لوط على وجه الحقيقة والنسب؟ في حين أنّ عددهن - وطبقاً لِمَا ينقل التاريخ - ثلاث أو اثنتان فحسب، فكيف يعرض تزويجهنّ على هذه الجماعة الكثيرة؟ أم ّأن المراد من قوله هؤلاء بناتي بنات القبيلة والمدينة، وعادةً ينسب كبير القوم ورئيسهم بنات القبيلة إليه ويطلق عليهن (بناتي).

الاحتمال الثاني يبدو ضعيفاً؛ لأنّه خلاف الظاهر.

والصحيح هو الاحتمال الأول؛ لأنّ الذين هجموا على داره وأضيافه كانوا ثلّة من أهل القرية، لا جميعهم، فاقترح عليهم لوط ذلك الاقتراح.

أضف إلى ذلك: أنّ لوطاً كان يريد أن يبدي منتهى إيثاره وتضحيته لحفظ ماء وجهه وليقول لهم: إنّي مستعد لتزويجكم من بناتي لتقلعوا عن آثامكم وتتركوا أضيافي، فلعل هذا الإيثار المنقطع النظير يردعهم ويوقظ ضمائرهم الذي غطّته السيئات.

ثانياً: هل يجوز تزويج النبات المؤمنات أمثال بنات لوط من الكفار حتّى يقترح عليهم لوط ذلك؟

وقد أجيب على هذا السؤال من طريقين:

الأوّل: إنّ مثل هذا الزواج في مذهب لوط - كما كان في بداية الإسلام – لم يكن محرماً، ولذلك فإنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) زوّج ابنته زينب من أبي العاص قبل أن يسلم، ولكن هذا الحكم نسخ بعدئذ.

الثاني: إنّ المراد من قول لوط (عليه السلام) كان زواجاً مشروطاً بالإيمان، أي هؤلاء بناتي فتعالوا وآمنوا لأزوجهنّ إيّاكم.

ويتّضح أنّ الإشكال على النبيّ لوط - من أنّه كيف يزوّج بناته المطهّرات من جماعة أوباش - غير صحيح، لأنّ عرضه عليهم ذلك الزواج كان مشروطاً بالإيمان وليثبت منتهى علاقته بهدايتهم) [تفسير الأمثل ج7 ص16-18].