ماهو معنى الاية المباركة من سورة الفاتحة "اهدنا الصراط المستقيم"
السلام عليكم ورحمة الله
وردَ في هذهِ الآيةِ الكريمةِ تفسيرانِ مشهورانِ, يمكنُ عَـدُّ أحدِهما بمنزلةِ التّفسيرِ العامّ, والآخرِ بمنزلةِ التّفسيرِ الخاصّ, وهَاكَ بيانَ ذلك: فأمّا التّفسيرُ العامُّ, فقَد ذهبَت طائفةٌ مِن أهلِ العلمِ إلى أنَّ المُرادَ مِن هذهِ الآيةِ هوَ ما جاءَ عنِ الإمامِ جعفرٍ بنِ مُحمّدٍ الصّادقِ عليهما السّلامُ لَـمّا قالَ في قولِه عزَّ وجلّ : ( إهدنا الصّراطَ المُستقيم), يقولُ أرشِدنا إلى الصّراطِ المُستقيم, أرشِدنا للزومِ الطّريقِ المؤدّي إلى محبّتِك, والمبلّغِ إلى دينِك, والمانعِ مِن أن نتّبعَ أهواءَنا فنعطِب ، أو نأخذَ بآرائِنا فنهلَك. (يُنظر: معاني الأخبارِ للشّيخِ الصّدوقِ, ص32, وعيونُ أخبارِ الرّضا (عليه السّلام) [ج1/ص270],والإحتجاجِ للشّيخِ الطّبرسيّ [ج2/ص129], ووسائلُ الشّيعةِ للحُرِّ العامليّ [ج27/ص49], وبحارُ الأنوارِ ج24/ص9).
وأمّا التّفسيرُ الخاصُّ, فذهبَت طائفةٌ مِن أهلِ العلمِ إلى أنَّ المُرادَ منَ الصّراطِ المُستقيمِ في هذهِ الآيةِ هوَ الإمامُ أميرُ المؤمنينَ عليٌّ بنُ أبي طالبٍ عليهِ السّلام , إذ أوردَ الشّيخُ الصّدوقُ في كتابِه معاني الأخبار, ص32 , حديثينِ صريحينِ بهذا المعنى جاءَ فيهما ما يلي: 1- حدّثنا أبي - رحمَه اللهُ - قالَ : حدّثنا محمّدٌ بنُ أحمدَ بنِ عليٍّ بنِ الصّلتِ، عَن عبدِ اللهِ بنِ الصّلتِ عَن يونسَ بنِ عبدِ الرّحمنِ، عمَّن ذكرَه ، عَن عُبيدِ اللهِ بنِ الحلبيّ ، عَن أبي عبدِ اللهِ عليهِ السّلام قالَ : الصّراطُ المُستقيمُ أميرُ المؤمنينَ عليٌّ عليه السّلام. 2- وقالَ الصّدوقُ أيضاً : حدّثنا أحمدُ بنُ عليٍّ بنِ إبراهيمَ بنِ هاشم – رحمَه اللهُ - قالَ : حدّثنا أبي ، عَن جدّي ، عَن حمّادٍ بنِ عيسى ، عَن أبي عبدِ اللهِ عليه السّلام في قولِ اللهِ عزَّ وجلّ : (إهدِنا الصّراطَ المُستقيمَ ) قالَ : هوَ أميرُ المؤمنينَ عليه السّلام ومعرفتُه ، والدّليلُ على أنّهُ أميرُ المؤمنينَ عليهِ السّلام قولُه عزَّ وجلَّ: (وإنّهُ في أمِّ الكتابِ لدينا لعليٌّ حكيمٌ ), وهوَ أميرُ المؤمنينَ عليه السلام. هذا وقَد أوردَ الصّدوقُ أحاديثَ أخرى تدلُّ على أنَّ المُرادَ بالصّراطِ هُم مُحمّدٌ وذريّتُه عليهم السّلام, فمنها قولُه في معاني الأخبارِ (ص36): حدّثنا الحسنُ بنُ محمّدٍ بنِ سعيدٍ الهاشميّ ، قالَ : حدّثنا فراتُ بنُ إبراهيمَ الكوفيّ ، قالَ : حدّثني محمّدٌ بنُ الحسنِ بنِ إبراهيمَ ، قالَ : حدّثنا ألوانُ بنُ محمّدٍ ، قالَ : حدّثنا حنانُ بنُ سديرٍ ، عَن جعفرٍ بنِ مُحمّدٍ عليهما السّلام قالَ : قولُ اللهِ عزّ وجلّ في الحمدِ : "صراطُ الذينَ أنعمتَ عليهم" يعني مُحمّداً وذريّته صلواتُ اللهِ عليهم.
وقالَ أيضاً: حدّثنا أبي -رحمَه الله - قالَ : حدّثنا عليٌّ بنُ إبراهيمَ بنِ هاشمٍ ، عَن أبيهِ عَن مُحمّدٍ بنِ سنان ، عنِ المُفضّلِ بنِ عُمر ، قالَ: حدّثني ثابتٌ الثّماليّ ، عَن سيّدِ العابدينَ عليٍّ بنِ الحُسينِ عليهما السّلام قالَ: ليسَ بينَ اللهِ وبينَ حُجّتِه حجابٌ أو سترٌ ، نحنُ أبوابُ اللهِ ، ونحنُ الصّراطُ المُستقيمُ، ونحنُ عيبةُ علمِه ، ونحنُ تراجمةُ وحيه, ونحنُ أركانُ توحيدِه ، ونحنُ موضعُ سرِّه.
وأوردَ إبنُ شهرِ آشوب في المناقبِ (ج2/ص271) عدّةَ رواياتٍ في هذا المعنى, مِنها: مِن تفسيرِ وكيعٍ بنِ الجرّاحِ عَن سُفيانَ الثّوريّ ، عنِ السّدّيّ ، عَن أسباطٍ ومجاهدٍ ، عَن عبدِ اللهِ بنِ عبّاسٍ في قولِه : إهدِنا الصّراطَ المُستقيمَ قالَ : قولوا معاشرَ العبادِ أرشِدنا إلى حبِّ النّبيّ وأهلِ بيتِه. وفي تفسيرِ الثّعلبيّ وكتابِ إبنِ شاهينَ عَن رجالِه ، عَن مُسلمٍ بنِ حيّان ، عَن بُريدةَ في قولِ اللهِ "إهدِنا الصّراطَ المُستقيمَ" قالَ : صراط محمّدٍ وآله, وغيرُها منَ الأحاديثِ بهذا الصّددِ. (يُنظر: بحارُ الأنوارِ للمجلسيّ ج54/ص360).
قلتُ: ولا مُنافاةَ بينَ التّفسيرينِ العامِّ والخاصِّ, وإنّما سيكونِ التّفسيرُ الخاصُّ مُبيّنَاً للمُرادِ منَ التّفسيرِ العامِّ كما لا يخفى.
وقَد أوردَ الشّاعرُ الحميريّ في ذلكَ قصيدةً مطلَعُها : سمّاهُ جبّارُ السّماءِ صراطَ حقٍّ فسما * فقالَ في الذّكرِ وما كانَ حديثاً يُفترى* هذا صراطي فاتّبعوا وعنهُم لا تخدعوا* فخالفوا ما سمعُوا * والخلفُ ممَّن شرعوا واجتمعوا واتّفقوا *
ومِـمّا يُؤيّدُ أنَّ الصّراطَ المُستقيمَ هوَ أميرُ المؤمنينَ وأهلُ بيتِه الأطهارِ عليهم السّلام وجودُ عدّةِ أحاديثَ صحيحةٍ ومُعتبرةٍ كانَت توجبُ وتحثُّ على إتّباعِ الإمامِ عليٍّ وأهلِ بيتِه عليهم السّلام كما في حديثِ الثّقلينِ الذي بيّنَ لكُلِّ لبيبٍ مُنصفٍ أنَّ المُتمسّكَ بالكتابِ العزيزِ وعترةِ النّبيّ صلواتُ اللِه عليهم أجمعينَ سينجو منَ الضّلالِ, وهكذا حالُ حديثِ السّفينةِ الذي بيّنَ صريحاً أنَّ مَن سيركبُ سفينةَ أهلِ البيتِ سينجو منَ الغرقِ والهلاكِ فضلاً عَن أحاديثَ أُخرى صريحةً في هذا المعنى, معَ الأخذِ بعينِ الإعتبارِ أنَّ جميعَ الفرقِ الإسلاميّةِ وإنْ كانَت تدّعي أنّها على الصّراطِ المُستقيمِ بدعوى تمسُّكِها بالكتابِ العزيزِ والسّنّةِ النّبويّةِ الشّريفةِ, لكنَّ هذا لم يمنَع مِن وجودِ خلافٍ طويلٍ عريضٍ فيما بينَها كانَ ولَـمّا يزَل , وهوَ مِـمّا يدلُّ على أنّها لم تسلُك الطّريقَ الصّحيحَ المُؤدّي إلى الصّراطِ المُستقيمِ, ولا نستطيعُ أنْ نرجعَ إلى القُرآنِ العظيمِ والسّنّةِ لنفهم منهُما أيٌّ مِن هذهِ الفرقِ هوَ المُتمسّكُ حقّاً بهما، إذ أنّهُما (أي الكتابُ والسّنّةُ), لا ينطقانِ مِن عندِ أنفسِهما, وإنّما يحتاجانِ إلى ناطقٍ, وهوَ موجودٌ مُتعيّنٌ طِبقاً لِـما تقدّمَ بيانُه, فيجبُ حينئذٍ أنّ نتمسّكَ بهذا النّاطقِ عنِ الكتابِ والسّنّةِ حتّى يتحقّقَ التّمسّكُ الحقُّ بهما, وإلّا فلا. ودمتُم سالمينَ.
اترك تعليق