ما سبب نزول هذه ألآيه المباركه من سورة مريم ((فخلف من بعدهم خلف إضاعو الصلاة واتبعو الشهوات فسوف يلقون غيا ))
السلام عليكم ورحمة الله : هذهِ الآية جاءت عقبَ آياتٍ أشارت إلى صنفٍ من الناس, وهم الأنبياءُ وأتباعهم النجباءُ الذين كان أدبهم العامّ في حياتهم أنّهم يعيشون على الخضوع عملاً, وعلى الخشوع قلباً لله عزّ اسمه, فإنّ سجودهم عند ذكر آيات اللهِ تعالى مثال الخضوع ، وبكاؤهم هو لرقّةِ القلب وتذلّل النفس آية الخشوع ، وهما معاً كنايةٌ عن استيلاء صفةِ العبوديّة على نفوسهم بحيث كلّما ذكّروا بآية من آياتِ الله بَانَ أثره في ظاهرهم كما استولت الصفة على باطنهم ، فهم على أدبهم الإلهيّ وهو سمة العبوديّة, وتراهم إذا خلوا مع ربّهم في صلاتهم يُطوّعون النفسَ الأمّارة للعقل وتمرينها على موافقته, وهو لا يحصلُ من دون حضور القلب وأفعاله المذكورة والتفاته إلى مشارق أنوار الحقّ ومطالع أسراره, والصلاة بهذا الوجه أعني المشتملة على الأعمال البدنيّة والأفعال القلبيّة من أكمل فضائل العاقل العارف بالله وآياته ، وهي التي ورد في وصفها والحثّ عليها قوله تعالى ( إنَّ الصّلاة تنهى عن الفحشاء ) وقوله تعالى ( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ) وقوله ( صلى الله عليه وآله ) : « الصلاة عمود الدِّين » وقوله « الصّلاة مفتاح الجنّة » وقوله « من صلّى ركعتين ولم يحدّث نفسه فيهما بشيء من الدُّنيا غفر الله ذنوبه » وقوله « قرَّة عيني في الصّلاة » وقوله : « الصّلاة قربان كلُّ تقيّ », وإضاعتها من جنود الجهل وصفات الجاهل وهي عبارة عن تركها بالمرّة أو الإتيان بالأعمال البدنيّة مجرَّدة عن الأفعال القلبيّة, لأنّ الإضاعة تختلف باختلاف حال الجهل ورسوخه, فربَّ جاهلٍ يبلغ جهله إلى حدّ يتركها بالكلّية لسواد قلبه وزوال بصيرته واعتقاده وربَّ جاهل يصلّي ولا يخطر بباله أن يصلّي إلى آخر الصلاة لتسلّط النفس والشيطان عليه واشتغال قلبه بغير الله والتفاته إلى ما سواه. ومن بعد هذه الأوصاف التي بيّنت حقيقة هذا الصنف, جاءت هذه الاية لتبيّن لنا أنّ هناك صنفاً آخر من الناس خَلَفَ الصنف الأوّل يُعَـدُّ أسوأَ خلفٍ لخير سلفٍ من حيث إنّهم أضاعوا الصلاة واتّبعوا الشهوات فشملهم الذَّم والوعدُ بأنّهم سيلقون غيّاً أي خيبةً وعذاباً, وهذا هو السببُ في مجيء هذه الآية عقب تلك الآيات الواردة في هذا السياق.(ينظر مجمع البيان للطبرسيّ عند تفسير هذه الآية,وكتاب سنن النبيّ (ص) للطباطبائيّ ,ص41 , وشرح أصول الكافي للمازندرانيّ (ج1/ص261). ودمتُم سالمين.
اترك تعليق