مُصطلحُ أهلِ البيتِ في آيةِ التّطهيرِ لا يشملُ نساءَ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) 

يقول الله تعالى في القرآن وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) هنا الله يشمل زوجة النبي مع اهل البيت لماذا زوجات الرسول محمد ص غير مشمولات وشكرا

: السيد رعد المرسومي

السّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه: 

إنّ الذي جعلَ السّيّدةَ سارة زوجةَ نبيّنا إبراهيم عليهِ السّلام مِن أهلِ البيتِ هوَ هذهِ الآيةُ نفسُها التي أشرتَ إليها في منطوقِ سؤالِك، وعليهِ فهذهِ الآيةُ تُعَـدُّ دليلاً قرآنيّاً صريحاً وخاصّاً يجعلُ منَ السّيّدةِ سارة المُخاطبةِ في هذهِ الآيةِ مِن أهلِ بيتِ نبيّنا إبراهيم عليهِ السّلام، ولا يمكنُ تعميمُ هذا الكلامِ إلى موردٍ آخر، لأنّ هذهِ القضيّةَ خاصّةٌ ببيتِ النّبيّ إبراهيمَ عليهِ السّلام فقط، لأنّهم هُمُ المقصودونَ صريحاً بهذا الخطابِ وليسَ غيرُهم، ومثلُ هذا الدّليلِ والخطابِ مفقودٌ في زوجاتِ الرّسولِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، وإلّا فأينَ الدّليلُ القُرآنيّ الصّريحُ الخاصّ بأزواجِ النبيّ الأكرمِ محمّدٍ (صلّى اللهُ عليه وآله) - في أيّ موضعٍ مِن مواضعِ القُرآنِ العظيمِ –الذي يُخاطبهنَّ على أنّهن مِن أهلِ البيتِ؟! الجوابُ: لا يوجدُ أيُّ دليلٍ قرآنيٍّ يخاطبُ نساءَ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) على أنّهنَّ مِن أهلِ البيت.  

نعم، علماءُ أهلِ السّنّةِ إحتجّوا بالسّياقِ الواردِ في سورةِ الأحزابِ لإدخالِ نساءِ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) في ضمنِ أهلِ البيتِ، ثمَّ أيّدوا ذلكَ بأنّ مِن لغةِ العربِ المعروفةِ أنّ زوجةَ الرّجلِ تُعَدُّ مِن أهلِه؛ ولكنَّ علماءَ الإماميّةِ فنّدوا ذلكَ بالأدلّةِ الدّامغةِ، فأجابوا عَن شبهةِ السّياقِ بما حاصلُه: أنّه لا خلافَ بينَ أهِل العلمِ وخصوصاً المُفسّرينَ منهُم أنّ قاعدةَ السّياقِ تجري في كلامِ اللهِ تعالى، وتطّردُ في جميعِ المواضعِ التي يُستعانُ بها على فهمِ المُرادِ منَ الآيةِ، إلّا إذا وُجِدَ دليلٌ يصرفُ الكلامَ عَن سابقِه ولاحقِه، فحينئذٍ يُضرَبُ صَفحاً عن هذه القاعدة، ويُتمسّكُ بالدّليل. وإليكَ نصَّ هذهِ القاعدة: ((أنّها بيانُ اللّفظِ أو الجملةِ في الآيةِ بما لا يُخرجُها عنِ السّابقِ واللاحقِ إلّا بدليلٍ صحيحٍ يجبُ التّسليمُ له)) وَفقاً لِـما وردَ في كتابِ ((دلالةِ السّياقِ القرآنيّ)) للدّكتورِ عبدِ الحكيمِ بنِ عبدِ اللهِ القاسمِ (ج1/ص93). وينظرُ أيضاً: ((قواعدُ التّرجيحِ عندَ المُفسّرينَ)) تأليفُ حُسين بنِ عليّ الحربيّ (ج1/ص125 - 127). 

وهذا ما عليهِ جمهورُ المُفسّرينَ في تطبيقِ هذهِ القاعدةِ. فإذا عرفتَ ذلكَ فإنّ الدّليلَ الشّرعيّ الذي ينفي حُجّيّةَ السّياقِ في هذا الموضعِ مِن سورةِ الأحزابِ هوَ ما بيّنَهُ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) في الأحاديثِ الصّحيحةِ الواردةِ عنهُ في بيانِ المقصودِ بأهلِ البيتِ في آيةِ التّطهير، إذ ثبتَ عنهُ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) في أكثرِ مِن حديثٍ صحيحٍ أنّ آيةَ التّطهيرِ مِن سورةِ الأحزابِ الواردِ فيها عبارةُ (أهلِ البيتِ) تخصُّ الخمسةَ أهلَ الكساءِ ولا تشملُ غيرَهم، فمِن ذلكَ: ما ثبتَ عَن أمّ سلمةَ في أكثرِ مِن طريقٍ أنّها قالَت: نزلَت هذهِ الآيةُ ﴿إنّما يريدُ اللهُ ليُذهبَ عنكُم الرّجسَ أهلَ البيتِ ويُطهّرَكُم تطهيراً﴾ في بيتي فأخذَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) بيدِ عليٍّ وفاطمةَ والحسنِ والحُسينِ بعدَ أن غشّاهُم بالكساءِ, فقالَ: «اللّهمَّ هؤلاءِ أهلُ بيتي وحامّتي فأذهِب عنهُم الرِّجسَ وطهِّرهم تطهيراً»، فقالَت أمُّ سلمةَ: فأدخلـتُ رأسي البيتَ فقلتُ يا رسولَ اللهِ وأنا معكُم؟ قال: إنّكِ على خيرٍ (مرّتين). 

تخريج الحديثِ: أخرجَ الحديثَ الطّبرانيُّ في «المُعجمِ الكبيرِ» (ج3/ ص52-53)، والتّرمذيّ في (سُننِه) في بابِ (مناقبِ فاطمةَ)، وغيرِهما. 

قلتُ: قالَ التّرمذيّ: «هذا حديثٌ حسنٌ، وهوَ أحسنُ شيءٍ رويَ في هذا الباب». 

ومنها أيضاً: عَن حاتمٍ بنِ إسماعيلَ المدنيّ قالَ: حدّثنا بكيرُ بنُ مسمارَ عَن عامرٍ بنِ سعدٍ عَن أبيهِ قالَ: «لَـمّا نزلَت هذهِ الآيةُ ﴿إنّما يريدُ اللهُ ليُذهبَ عنكُم الرّجسَ أهلَ البيتِ﴾، دعا رسولَ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلِه) عليّاً والحسنَ والحُسينَ وفاطمةَ فقالَ: اللّهمّ هؤلاءِ أهلُ بيتي». 

تخريجُ الحديثِ: أخرجَ الحديثَ الطّحّاويّ في «شرحِ مُشكلِ الآثار» (1/333)، وإبنُ جريرٍ الطّبريّ في (تفسيرِه)، وإبنُ كثيرٍ في (تفسيرِه) كذلكَ، وغيرُهم. 

الدّراسةُ والتّعليق:  

قلتُ: سندُ الحديثِ حسنٌ مِن أجلِ حاتمٍ بنِ إسماعيلَ المدنيّ، فإنّه صدوقٌ يَهِم كما قالَ الحافظُ إبنُ حجرٍ العسقلانيّ، وبقيّةُ رجالِـه كلّهم ثقـاتٌ، لكنّه لم ينفرِد بهذا الحديثِ بَل توجدُ لهُ متابعةٌ رواها إبنُ جريرٍ الطّبريّ في (تفسيرِه)، إذ قالَ: حدّثنا إبنُ المثنّى حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ ثنا بُكيرٌ بنُ مسمار عَن عامرٍ بنِ سعدٍ عَن أبيه.  

قلتُ: ورجالُه ثقاتٌ.

ومنها أيضاً: قولُ الإمامِ الحسنِ (ع) ـ أحدُ أصحابِ الكساءِ ـ لَـمّا خاطبَ أهلَ الكوفةِ قائِلاً: «يا أَهلَ الكوفة إتّقوا اللهَ فينا، فإنّا أُمراؤكم، وإنّا أضيافُكم، ونحنُ أهلُ البيتِ الذينَ قالَ اللهُ فيهم: إنّما يُريدُ اللهُ ليُذهبَ عنكُم الرّجسَ أهلَ البيتِ»؟! 

روى ذلكَ إبنُ سعدٍ في «الطّبقاتِ» (ج6/ص380). وإبنُ عساكرَ الشّافعيّ «تأريخُ دمشق» (ج13/ص269).والذهبيّ «سيرُ أعلامِ النّبلاء» (ج3/ص270).واللّفظُ له: عَن يزيدَ بنِ هارونَ أخبرَنا العوّامُ بنُ حوشبَ عَن هلال بنِ يسّاف قالَ: سمعتُ الحسنَ, فذكرَ الرّوايةَ، ورجالَه كلّهُم ثقاتٌ. ثُـمّ إنّ هناكَ طريقاً آخرَ لهذهٍ الرّوايةِ ذكرَهُ الطّبرانيّ في «المُعجمِ الكبير» (ج3/ص93) رقمُ الحديثِ (2761)، وإبنُ عساكرَ ، والذّهبيّ وغيرهم.

أضِف إلى ذلكَ وجودَ أحاديثَ صحيحةٍ أخرى في البابِ، فنكتفي بهذا المِقدار. 

فيُستفادُ مِن ذلكَ وخصوصاً منَ الأحاديثِ الواردةِ عَن أمّ سلمةَ أنّ مَن أدخلَهم النبيُّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلِه) في هذا الكساءِ كانوا هُم المعنيّينَ بأهلِه ، ومَن لم يُؤذَن لهُ بالدّخولِ معَه في هذا الكساءِ كأمّ سلمةَ التي روَت هذا الحديثَ وشاهدَت هذهِ الحالةَ فهُم خارجونَ عَن مفهومِ أهلِ البيتِ بالمعنى المُصطلحِ عليه شرعاً. زِد على ذلكَ أنّ حديثَ الكساءِ قد روتهُ أيضاً السّيّدةُ عائشةُ كما في صحيحِ مُسلمٍ ومُسندِ أحمدَ وغيرهما، فضلاً عَن وجودِ رواياتٍ أخرى رواها أحمدُ في المُسندِ (3/559)، والتّرمذيّ في سُننِه (5/31) وغيرُهما عنِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلِه) أنّه كانَ يمرُّ ببيتِ عليٍّ وفاطمةَ والحسنينِ شهوراً فيطرقُ البابَ عليهم ويُنادي قائلاً: (الصّلاةَ الصّلاة إنّما يريدُ اللهُ ليُذهبَ عنكُم الرّجسَ أهلَ البيتِ ويُطهّرَكم تطهيراً). فمِن مجموعِ ذلكَ تمسّكَ عُلماءُ الإماميّةِ وأتباعُهم بما وردَ عنِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلِه) في بيانِ المقصودِ مِن أهلِ البيتِ في هذهِ الآيةِ، في حينِ سلكَ الآخرونَ طريقاً غيرَ ذلكَ، وهو ممّا جعلَهم يوسّعونَ مِن مفهومِ أهلِ البيتِ حتّى إنّ بعضَهم زادَ على نساءِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) بأن جعلَ مِن مصاديقِ أهلِ البيتِ آلَ جعفرٍ وآلَ عقيلٍ وآلَ العبّاسِ. فلذا حصلَ الخلافُ بينَهم وبينَ الإماميّةِ في هذا المورد. 

وأمّا الدّليلُ اللغويّ فلا شكّ في أنّ زوجةَ الرّجلِ تعدُّ مِن أهلِه كما هوَ معروفٌ، ولكِن ليسَ الإشكالُ هاهُنا في الدّليلِ اللغويّ أو العُرفيّ، إذ لا يختلفُ في ذلكَ أحدٌ مِن أهلِ العلمِ سواءٌ أكانوا منَ السّنّةِ أم منَ الشّيعةِ كما لا يخفى، وإنّما أصلُ الخلافِ يكمنُ في الدّليلِ الشّرعيّ المُستفادِ مِن بيانِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلِه) للمُرادِ مِن أهلِ البيتِ ، وقد تقدّمَ بيانُ ذلكَ آنفاً، والعاقلُ المُنصفُ يُدركُ جيّداً أنّ المُتمسّكَ بما وردَ عنِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) في تفسيرِ القُرآنِ وبيانِ المُرادِ مِن آياتِه هوَ النّاجي منَ الضّلالِ المُبينِ. ودمتُم سالِمين.