هل السّياقُ القرآنيُّ حُجّةٌ وما مداه؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
المقصودُ منَ السّياقِ القرآني هوَ الاستفادةُ منَ الآياتِ المُحيطةِ بالآيةِ المُرادِ تفسيرُها، أي الرّجوعُ للآياتِ السّابقةِ واللاحقةِ لها إذا كانَت تشتركُ معها في سياقٍ موضوعيٍّ واحد، ولذا عرّفَه البعضُ بأنّه فهمُ النصِّ بمراعاةِ ما قبلهُ وما بعده، وبمعنىً آخر فهمُ الآيةِ بما لا يخرجُها عن الآياتِ السّابقةِ واللاحقةِ ما لم يرِد دليلٌ خاصٌّ بإخراجِها.
وقد يرادُ بالسّياقِ القرآني الرجوعُ إلى الكلمةِ في كلِّ استخداماتِها في القرآنِ والتعرّفُ على سياقاتِها المُختلفةِ مِن أجلِ الوقوفِ على دلالاتِها بشكلٍ أعمقَ وأوسع، فالكلماتُ تتكرّرُ في أكثرِ مِن سياقٍ قرآني، فبالرّجوعِ إلى تلكَ السّياقاتِ والتدبّرِ فيها يُفتحُ الطريقُ للمعاني الأقربِ إلى حقيقةِ المُراد، وهكذا يصبحُ المزيدُ منَ التدبّرِ في القرآنِ وسيلةً لفهمٍ أكثرَ لمعانيه، وقد اقترحَ بعضُ أصحابِ نظريّةِ السّياقِ تقسيماً للسّياقِ شملَ كلَّ ما يتّصلُ باستعمالِ الكلمةِ مِن علاقاتٍ لغويّةٍ وظروفٍ اجتماعيّة وخصائصَ وسماتٍ ثقافيّةٍ ونفسيّة وغيرِها، وهكذا قسّموا السّياقَ إلى أربعةِ أقسام:
1- السّياقُ اللغوي (ممّا يتّصلُ بموضعِ الكلمة).
2- السّياقُ العاطفي (حيثُ تُشحنُ كلماتٌ معيّنةٌ بمضموناتٍ عاطفيّة).
3- سياقُ الموقفِ (مِن ناحيةِ الزّمانِ والمكان).
4- سياقُ الوضعِ الثقافي (حيثُ يتّصلُ بمُجملِ الثقافةِ التي تردُ الكلمةُ فيها من ثقافةٍ وطنيّةٍ أو دينيّةٍ أو علميّةٍ أو ما أشبه).
وكلُّ ذلكَ يعدُّ مِن طرق العقلاءِ في استظهارِ معاني النصوصِ، ولا يمكنُ للمُفسّرِ إهمالُ السّياقِ الموضوعي للآياتِ أو الكلماتِ في سياقاتِها المُختلفة، ولذا لا نجدُ في الجملةِ تفسيراً خلا منَ الاعتمادِ على السّياق، وقد ظهرَ ذلكَ بشكلٍ أكبرَ في التفسيرِ الموضوعي أكثرَ منهُ في التفسيرِ الترتيبي.
وفي المُحصّلةِ الظهورُ السّياقيُّ يُعدُّ قرينةً عقلائيّةً لاستظهارِ المعنى، ويجبُ العملُ بهذهِ القرينةِ ما لم تعارِضها قرائنُ أخرى أقوى منها، ولذا قالوا: إنَّ السّياقَ إنّما يكونُ دليلاً وحجّةً في صورةِ ما لو عُلمَ أنَّ المُتكلّمَ بصددِ بيانِ موضوعٍ واحد، مِن مبدأ كلامِه إلى نهايتِه؛ ليكونَ بعضُ كلامِه قرينةً على البعضِ الآخر. فإذا وردَ ما يخالفُ ذلك، فإنّهُ يكونُ مُخالفاً للظهورِ السّياقي.
اترك تعليق