{لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ}
السؤال: ما هو تفسير قوله سبحانه: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الإنشقاق:19] عند أهل البيت (عليهم السلام)؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم أخي السائل الكريم أنّ الوارد في كتبنا الحديثيّة في تفسير هذه الآية الكريمة رأيان متقاربان:
أحدهما: ما رواه الكلينيّ في الكافي بسنده إلى عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى لتركبنّ طبقا عن طبق قال يا زرارة أولم تركب هذه الأمّة بعد نبيّها طبقا عن طبق في أمر فلان وفلان وفلان [الكافي ج1ص210].
قال المجلسيّ: أي كانت ضلالتهم بعد نبيّهم مطابقة لما صدر من الأمم السابقة من ترك الخليفة واتّباع العجل والسامريّ وأشباه ذلك، كما قال عليّ بن إبراهيم في تفسير تلك الآية، يقول: حالا بعد حال، يقول: لتركبنّ سنّة من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة، لا تخطئون طريقهم ولا يخطئ شبر بشبر وذراع بذراع وباع بباع حتّى أن لو كان من قبلكم دخل جحر ضبّ لدخلتموه. قالوا: اليهود والنصارى تعني يا رسول الله؟ قال: فمن؟ أعني لتنقضنّ عرى الإسلام عروة عروة، فيكون أوّل ما تنقضون من دينكم الأمانة وآخره الصلاة. ويحتمل أن يكون المعنى تطابق أحوال خلفاء الجور في الشدّة والفساد. [بحار الأنوار جزء 24 صفحة350].
وقال المازندرانيّ: قوله: (أولم تركب هذه الأمّة بعد نبيّها طبقا عن طبق) الاستفهام للتقرير، والطبق - بالتحريك - الحال المطابقة بحال أخرى، أي قد ركبت هذه الأمّة بعد نبيّها حالا بعد حال مطابقة لاختها في الشدّة أو في الشناعة أو في العداوة لأهل البيت (عليهم السلام) في أمر فلان وفلان وفلان.. [شرح أصول الكافي ج11ص98].
والآخر: ما رواه الطبرسيّ في الاحتجاج في باب احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على زنديق جاء مستدلّا عليه بأي من القرآن متشابهة ... قوله: "لتركبنّ طبقا عن طبق " أي: لتسلكنّ سبيل من كان قبلكم من الأمم: في الغدر بالأوصياء بعد الأنبياء، وهذا كثير في كتاب الله عز وجل، وقد شقّ على النبيّ ما يؤل إليه عاقبة أمرهم، واطّلاع الله إيّاه على بوارهم، فأوحى الله عزّ وجلّ إليه، " فلا تذهب نفسك عليهم حسرات "ولا تأس على القوم الكافرين" [الاحتجاج ج1ص370].
فإذا عرفت ذلك، فأعلم أنّ أئمّة الهدى (عليهم السلام) قد أشاروا إلى مشابهة ما يجري في هذه الأمّة بمن سبقها من الأمم كأمّة موسى (عليه السلام) في أمر الوصيّة لـمّا شغب اليهود على وصيّ موسى يوشع بن نون (عليهما السلام) وكان هذا الشغب بقيادة صفراء بن شعيب زوجة موسى (عليه السلام) وكذلك شغب الصحابة على وصيّ النبيّ محمّد (صلِّى الله عليه وآله) بقيادة عائشة بنت أبي بكر زوجة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) على وصيّه عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، إذْ روى الشيخ الصدوق بسنده: ”عن عبد الله بن مسعود قال: قلت للنبيّ (عليه السلام): يا رسول الله من يغسلك إذا مت؟ قال: يغسل كلّ نبيّ وصيّه، قلت: فمن وصيّك يا رسول الله؟ قال: عليّ بن أبي طالب قلت: كم يعيش بعدك يا رسول الله؟ قال: ثلاثين سنة، فإنّ يوشع بن نون وصيّ موسى عاش بعد موسى ثلاثين سنة، وخرجت عليه صفراء بنت شعيب زوجة موسى (عليه السلام) فقالت: أنا أحقّ منك بالأمر فقاتلها فقتل مقاتليها وأسرها فأحسن أسرها، وأن ابنة أبي بكر ستخرج على عليّ في كذا وكذا ألفا من أمّتي فتقاتلها فيقتل مقاتليها ويأسرها فيحسن أسرها، وفيها أنزل الله عز وجل: "وقرن في بيوتكنّ ولا تبرجنَ تبرّج الجاهليّة الأولى " يعني صفراء بنت شعيب.
قال الصدوق: فهذا الشكل قد ثبت بين الأئمّة والأنبياء بالاسم والصفة والنعت والفعل، وكلّ ما كان جائزا في الأنبياء فهو جائز يجري في الأئمّة حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة، ولو جاز أن تجحد إمامة صاحب زماننا هذا لغيبته بعد وجود من تقدّمه من الأئمّة (عليهم السلام) لوجب أن تدفع نبوّة موسى بن عمران (عليه السلام) لغيبته إذْ لم يكن كلّ الأنبياء كذلك، فلمّا لم تسقط نبوّة موسى لغيبته وصحّت نبوّته مع الغيبة كما صحّت نبوّة الأنبياء الذين لم تقع بهم الغيبة فكذلك صحّت إمامة صاحب زماننا هذا مع غيبته كما صحّت إمامة من تقدّمه من الأئمّة الذين لم تقع بهم الغيبة“. [كمال الدين وتمام النعمة ص 26].
نكتفي بهذا القدر والحمد لله أوّلاً وآخراً.
اترك تعليق