أَصْلُ تَسْبِيحِ الزَّهْرَاءِ (عَ) وَأَسْبَابُ القَصْرِ فِي صَلَاةٍ دُونَ أُخْرَى.

عَلِيٌّ أَكْبَرُ:      السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ.      بَارَكَ اللهُ فِيكُمْ وَسَدَّدَ خُطَاكُمْ.       سُؤَالِي الأَوَّلُ: مِنْ أَيْنَ جَاءَتْ تَسْبِيحَةُ الزَّهْرَاءِ؟ وَكَيْفَ أَصْبَحَتْ بِهَذِهِ الكَيْفِيَّةِ؟      سُؤَالِي الثَّانِي: لِمَاذَا كُلُّ الصَّلَوَاتِ اليَوْمِيَّةِ الوَاجِبَةِ وَالنَّوَافِلِ وَالصَّلَوَاتِ المُسْتَحَبَّةِ بِشَكْلِ زَوْجِيٍّ إِلَّا صَلَاةُ المَغْرِبِ وَلَا تُصَلَّى قَصْرًا؟

: اللجنة العلمية

     الأَخُ عَلِيٌّ المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

    ج س1 / تَسْبِيحُ الزَّهْرَاءِ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهَا مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ جَمِيعِ المَذَاهِبِ بِفَضْلِ اللهِ تَعَالَى عَلَّمَهَا إِيَّاهُ رَسُولُ اللهِ (ص) وَأَتْحَفَهَا بِهَا خَاصَّةً فَاشْتَهَرَ بِاسْمِهَا الشَّرِيفِ، وَانْتَشَرَ هَذَا الخَيْرُ الجَزِيلُ عَلَى يَدَيْهَا فَسُمِّيَ بِاسْمِهَا وَنُسِبَ إِلَيْهَا صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهَا.

    قَالَ المُحَقِّقُ الحِلِّيُّ (قده) فِي المُعْتَبَرِ (2 /148): وَالأَذْكَارُ المَنْقُولَةُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ أَفْضَلُهَا تَسْبِيحُ الزَّهْرَاءِ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) وَإِنَّمَا نُسِبَ إِلَيْهَا لِأَنَّهَا السَّبَبُ فِي تَشْرِيعِهِ. رَوَى صَالِحُ بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ: (مَا عُبِدَ اللهُ بِشَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ تَسْبِيحِ فَاطِمَةَ (عَلَيْهَا السَّلَامُ)، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ أَفْضَلَ مِنْهُ لَنَحَلَهُ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهَ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فَاطِمَةَ (عَلَيْهَا السَّلَامُ)، وَكَانَ يَقُولُ: (تَسْبِيحُ فَاطِمَةَ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) فِي كُلِّ يَوْمٍ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ صَلَاةِ أَلْفِ رَكْعَةٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ).

     وَرَوَاهُ الكُلَيْنِيُّ فِي الكَافِي (3 / 343) وَالشَّيْخُ فِي التَّهْذِيبِ (2 / 105) وَالوَسَائِلِ وَالبِحَارِ أَيْضًا.

     وَفِي البِحَارِ (82 / 383) قَالَ المَجْلِسِيُّ: عَنْ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ: أَهْدَى بَعْضُ مُلُوكِ الأَعَاجِمِ رَقِيقًا فَقُلْتُ لِفَاطِمَةَ: اذْهَبِي إِلَى رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فَاسْتَخْدِمِيهِ خَادِمًا فَأَتَتْهُ فَسَأَلَتْهُ ذَلِكَ وَذَكَرَ الحَدِيثَ بِطُولِهِ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهَ عَلَيْهِ وَآلِهِ): يَا فَاطِمَةُ أُعْطِيكِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكِ مِنْ خَادِمٍ، وَمِنَ الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا: تُكَبِّرِينَ اللهَ بَعْدَ كُلِّ صَلَاةٍ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ تَكْبِيرَةً، وَتَحْمَدِينَ اللهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ تَحْمِيدَةً، وَتُسَبِّحِينَ اللهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ تَسْبِيحَةً ثُمَّ تَخْتِمِينَ ذَلِكَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَذَلِكَ خَيْرٌ لَكِ مِنَ الَّذِي أَرَدْتِ، وَمِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، فَلَزِمَتْ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهَا هَذَا التَّسْبِيحَ بَعْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَنُسِبَ إِلَيْهَا.

     وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا بِهَذَا الشَّكْلِ كَمَا فِي صَحِيحِهِ (8 / 85): عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ أَتَتِ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) تَسْأَلُهُ خَادِمًا وَشَكَتِ العَمَلَ فَقَالَ: مَا أَلْفَيْتِيهِ عِنْدَنَا. قَالَ أَلَا أَدُلُّكِ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكِ مِنْ خَادِمٍ، تُسَبِّحِينَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَتَحْمَدِينَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَتُكَبِّرِينَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ حِينَ تَأْخُذِينَ مَضْجَعِكِ.

     ج س2 / لَا تُعْتَبَرُ صَلَاةُ المَغْرِبِ الصَّلَاةَ الوَحِيدَةَ غَيْرَ الزَّوْجِيَّةِ، بَلْ هُنَاكَ صَلَاةُ الوَتْرِ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ، وَمَعَ الشَّفْعِ تَكُونَانِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ كَصَلَاةِ المَغْرِبِ، فَلَا يَصِحُّ إِطْلَاقُ كَوْنِ صَلَاةِ المَغْرِبِ تَنْفَرِدُ بِفَرْدِيَّتِهَا وَعَدَمِ زَوْجِيَّتِهَا كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ.

     ثُمَّ يَنْبَغِي أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ الأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ لَيْسَ مَدَارُهَا عَلَى العَقْلِ أَوْ الإِدْرَاكِ البَشَرِيِّ لِعِلَلِهَا، فَالشَّارِعُ لَهُ مَنْهَجٌ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ المُتَمَاثِلَاتِ وَالجَمْعِ بَيْنَ المُتَخَالِفَاتِ وَتَشْرِيعِهِ لِأَحْكَامٍ لَا طَرِيقَ لِلعَقْلِ فِيهَا، وَلَكِنْ يُمْكِنُ تَقْرِيبُ بَعْضِ الإِحْتِمَالَاتِ فِي تَخْمِينِ بَعْضِ الوُجُوهِ الَّتِي قَدْ نَرَاهَا تَتَّفِقُ أَوْ تَفْتَرِقُ بَيْنَ الأُمُورِ المُتَشَابِهَةِ الَّتِي يَحْدُثُ مَعَهَا الإِخْتِلَافُ فِي التَّشْرِيعِ الإِلَهِيِّ للإِسْتِئْنَاسِ وَالتَّفَهُّمِ لَيْسَ إِلَّا، وَإِنْ كَانَتْ مَنْصُوصَةً فَبِهَا وَنِعْمَتْ كَمَا سَنَرَاهُ فِي الرِّوَايَةِ الآتِيَةِ فِي الكَافِي الشَّرِيفِ.

     فَمَسْأَلَةُ كَوْنِ صَلَاةِ القَصْرِ تَخُصُّ الصَّلَوَاتِ الرُّبَاعِيَّةَ فَقَطْ دُونَ الثُّنَائِيَّةِ وَأُخْتَهَا الثُّلَاثِيَّةَ حَيْثُ لَا يُوجَدُ مُبَرِّرٌ لِقَصْرِهِمَا كَالرُّبَاعِيَّةِ لِكَوْنِهِمَا لَيْسَتَا رُبَاعِيَّتَيْنِ يُمْكِنُ تَنْصِيفُهُمَا وَتَقْصِيرُهُمَا بِالتَّسَاوِي فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ حَيْثُ إِنَّ رَكْعَتَيْ الفَجْرِ إِنَّمَا هِيَ الحَدُّ الأَدْنَى فِي الفَرَائِضِ وَرَكْعَتَيْنِ أَصْلِيَّتَيْنِ بِتَشْرِيعِ اللهِ تَعَالَى فِي الأَصْلِ، وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ فَهُوَ لَيْسَ عَدَدًا صَحِيحًا وَلَا زَوْجِيًّا حَتَّى يَنْتَصِفَ بِالتَّسَاوِي كَالرُّبَاعِيَّةِ وَيُنْتِجَ رَكْعَتَيْنِ عَلَى الأَقَلِّ، وَكَوْنُ الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ لِلمَغْرِبِ جَعَلَهَا المُشَرِّعُ كَالأَصْلِيَّةِ لِتَكُونَ أَعْدَادُ رَكَعَاتِ الفَرَائِضِ فَرْدِيَّةً وَنِصْفَ عَدَدِ رَكَعَاتِ النَّوَافِلِ فَبَقِيَتْ فِي الحَضَرِ وَالسَّفَرِ حَيْثُ إِنَّ عَدَدَ رَكَعَاتِ صَلَاةِ الفَرِيضَةِ هِيَ سَبْعَةَ عَشَرَ رَكْعَةً، أَمَّا النَّوَافِلُ فَهِيَ ضِعْفُهَا أَيْ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ رَكْعَةً، عِلْمًا أَنَّ أَصْلَ تَشْرِيعِ صَلَاةِ الفَرِيضَةِ هُوَ كَوْنُهَا ثُنَائِيَّةً كُلَّهَا فِي جَمِيعِ الأَوْقَاتِ أَوْ الصَّلَوَاتِ الخَمْسَةِ، وَلَكِنَّ الرَّكْعَتَيْنِ الإِضَافِيَّتَيْنِ عَلَى الرُّبَاعِيَّةِ كَانَتا مِنْ قِبَلِ رَسُولِ اللهِ (ص)، وَكَذَا رَكْعَةُ المَغْرِبِ الثَّالِثَةِ بِتَخْوِيلِ اللهِ تَعَالَى لَهُ وَتَفْوِيضِهِ ضِمْنَ صَلَاحِيَّاتِهِ (ص) فِي الوِلَايَةِ التَّشْرِيعِيَّةِ، فَلَعَلَّ هَذِهِ الجِهَةَ هِيَ مَا يُمْكِنُنَا اسْتِفَادَتُهَا مِنْ الرِّوَايَاتِ، وَالعِلْمُ الوَاقِعِيُّ عِنْدَ اللهِ (عَزَّ وَجَلَّ)

    فَقَدْ رَوَى الكُلَيْنِيُّ فِي الكَافِي الشَّرِيفِ (1 / 266): عَنْ فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يَقُولُ لِبَعْضِ أَصْحَابِ قَيْسٍ المَاصر: إِنَّ اللهَ (عَزَّ وَجَلَّ) أَدَّبَ نَبِيَّهُ فَأَحْسَنَ أَدَبَهُ، فَلَمَّا أَكْمَلَ لَهُ الأَدَبَ قَالَ: "إِنَّكَ لَعَلَّى خُلُقٍ عَظِيمٍ"، ثُمَّ فَوَّضَ إِلَيْهِ أَمْرَ الدِّينِ وَالأُمَّةِ لِيَسُوسَ عِبَادَهُ، فَقَالَ (عَزَّ وَجَلَّ): (مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) كَانَ مُسَدَّدًا مُوَفَّقًا مُؤَيَّدًا بِرُوحِ القُدُسِ، لَا يَزِلُّ وَلَا يُخْطِئُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَسُوسُ بِهِ الخَلْقَ، فَتَأَدَّبَ بِآدَابِ اللهِ، ثُمَّ إِنَّ اللهَ (عَزَّ وَجَلَّ) فَرَضَ الصَّلَاةَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، عَشْرَ رَكَعَاتٍ، فَأَضَافَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) إِلَى الرَّكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَإِلَى المَغْرِبِ رَكْعَةً فَصَارَتْ عَدِيلَ الفَرِيضَةِ لَا يَجُوزُ تَرْكَهُنَّ إِلَّا فِي سَفَرٍ، وَأَفْرَدَ الرَّكْعَةَ فِي المَغْرِبِ فَتَرَكَهَا قَائِمَةً فِي السَّفَرِ وَالحَضَرِ فَأَجَازَ اللهُ (عَزَّ وَجَلَّ) لَهُ ذَلِكَ فَصَارَتِ الفَرِيضَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ سَنَّ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهَ عَلَيْهِ وَآلِهِ) النَّوَافِلَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً مِثْلَيْ الفَرِيضَةِ فَأَجَازَ اللهُ (عَزَّ وَجَلَّ) لَهُ ذَلِكَ، وَالفَرِيضَةُ وَالنَّافِلَةُ إِحْدَى وَخَمْسُونَ رَكْعَةً، مِنْهَا رَكْعَتَانِ بَعْدَ العَتَمَةِ جَالِسًا تُعَدُّ بِرَكْعَةٍ مَكَانَ الوَتْرِ.

     وَرَوَى القَوْمُ فِي البُخَارِيِّ (1 / 93) وَمُسْلِمٍ (2 / 142) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: فَرَضَ اللهُ الصَّلَاةَ حِينَ فَرَضَهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الحَضَرِ وَالسَّفَرِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الحَضَرِ.

     وَاللهُ العَالِمُ بِحَقَائِقِ الأُمُورِ.

     وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.