آثار الولاية التكوينيَّة
السؤال: ما هي ثمرة الولاية التكوينيَّة للمعصوم؟
الجواب:
الولاية التكوينيَّة للمعصوم ( ع) مفهومٌ يشير إلى قدرة أهل البيت أو الأنبياء (ع) على التصرف بإذن الله تعالى في شؤون الكون والوجود، بمعنى أنهم يمتلكون سلطاتٍ وقدراتٍ استثنائيَّة تخوّلهم للتأثير في الطبيعة أو الحوادث الكونيَّة بما يتناسب مع دورهم التربويّ والتوجيهيّ في تحقيق الإرادة الإلهيَّة. وهذه القدرة ليست ذاتيَّةً أو مستقلةً، بل هي بإرادة الله تعالى وتسخيرها لهم، مما يجعلها جزءاً من النظام الإلهيّ العام. [انظر: نفحات القرآن للشيرازيّ ج9 ص121].
ثمرات الولاية التكوينيَّة منها:
١. تكشف عن علمه تعالى: المعصومون ( ع) من حقهم الطبيعيِّ التصرف في الكون بالمشيئة الإلهيَّة وهذا يكشف عن علمه بأسباب الفعل؛ لقوله تعالى {قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ} الذي أثبت لآصف الولاية التكوينيَّة ، مع أنه كان عنده علمٌ قليلٌ من الكتاب، ومنه يعلم أنَّ أهل البيت (ع) الذين يمتلكون علم الكتاب كلَّه – بمقتضى قوله تعالى: {وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}، لابد أن تكون ولايتهم التكوينيَّة بشكلٍ أوسع وبالتالي تكشف عن سعة علمهم [الولاية التكوينيَّة لآل محمد ص42].
قال العلَّامة الطباطبائيُّ (قده) في تفسير الآية أعلاه: (وإنَّما قاله له إظهاراً لفضل النبوَّة وأنَّ الذي أقدره الله عليه بتعليمه علماً من الكتاب أعظم مما يتبجّح به العفريت من القدرة). [الميزان في تفسير القرآن ج15 ص364].
٢. تعرب عن كرامة المعصوم وقربه من الله تعالى: فإنَّ الله تعالى يمنح الأولياء التصرّف في الكون وإدارة شؤون العالم؛ إكراماً لهم وإظهاراً لمكانتهم عنده والمقبوليَّة لديه. [الولاية التكوينيَّة لآل محمد ص54].
٣. التربية والهداية: استخدام المعصوم (ع) لهذه القدرة قد يتم بطريقةٍ غير مباشرةٍ لتوجيه الأفراد نحو الحقِّ والعدل، وإثبات أنَّ الله تعالى قريبٌ من عباده من خلال أوليائه؛ لقوله تعالى: { ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور} [ الطلاق: 12] ولقوله تعالى:{ وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا } [الأنبياء: 73]. قال العلامة الطباطبائيُّ (قده) في تفسيرها: (ولا تنفك النبوَّة عن الهداية بمعنى إراءة الطريق ، فلا يبقى للإمامة إلا الهداية ، بمعنى الايصال إلى المطلوب ، وهي نوعُ تصرّفٍ تكوينيِّ في النفوس بتسييرها في سير الكُمَّل ، ونقلها من موقفٍ معنويٍّ إلى موقفٍ آخر ، وإذا كانت تصرفاً تكوينيًّا وعملاً باطنياَّ فالمراد بالأمر الذي تكون به الهداية ليس هو الامر التشريعيّ الاعتباريّ ، بل ما يفسره في قوله : { انما امره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } فهو الفيوضات المعنويَّة والمقامات الباطنيَّة التي يهتدي بها المؤمنون بأعمالهم الصالحة ، ويتلبَّسون بها رحمةً من ربهم. وإذا كان الإمام يهدي بالأمر - والباء للسببيَّة أو الآلة - فهو متلبسٌ به أولا ، ومنه ينتشر في الناس على اختلاف مقاماتهم ، فالإمام هو الرابط بين الناس وبين ربهم في اعطاء الفيوضات الباطنيَّة واخذها . . والإمام دليلٌ هادٍ للنفوس إلى مقاماتها ), [الميزان في تفسير القرآن ج 14 ص304].
٤. التصرف في الكون رحمةً بالأمَّة: تدخلات المعصوم (ع) في أوقات الأزمات، مثل دفع البلاء أو إنقاذ المؤمنين من الشدائد، تُعتبر من ثمار الولاية التكوينيَّة، إذ تكون رحمة بالأمة وإعانة لها في طريق الهداية، واستمرار بقائهم.
كما ورد في الزيارة الجامعة: «بكم ينزل الغيث وبكم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه وبكم ينفس الهم ويكشف الغم ويرفع الضر». [من لا يحضره الفقيه ج2 ص615].
وقد روى العالم الجليل الشّيخ الصّدوق رحمه الله بسنده عن الإمام الرضا (ع) قال الإمام: «نحن حجج الله في أرضه، وخلفاؤه في عباده، وأمناؤه على سرّه .ونحن كلمة التقوى والعروة الوثقى ونحن شهداء الله وأعلامه في بريّته، بنا يمسك السّموات والأرض أن تزولا وبنا ينزل الغيث وتنشر الرحمة، لا تخلو الأرض من قائمٍ منّا ظاهرٍ أو خافٍ ، ولو خلت يوماً بغير حجّة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله». [إكمال الدين ج1 ص 202].
٥. إدارة شؤون الأمة المعنويَّة والروحيَّة: المعصومون (ع) يتولون تربية النفوس وإرشادها إلى الكمالات الإنسانيَّة. وتدخلهم في شؤون العالم يُسهِم في تحقيق التوازن الروحيّ والمعنويّ.
قال السيّد عليّ عاشور: (الولاية... تعطي النبيَّ (ص) القدرة على التحكم والتصرف بالميولات الداخليَّة للإنسان ، كمسألة الحبّ والبغض ، كما في أحاديث كثيرة في تعليق الغيمان على أن يكون النبيُّ أحبَّ إلى الإنسان من نفسه، بل ورد : « لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ اليه من نفسه، وأهلي أحبَّ اليه من اهله ». وهذه الأمور ليست من الأمور التشريعيَّة، بل هي من الأمور التكوينيَّة أقدر الله تعالى نبيه عليها) [الولاية التكوينيَّة لآل محمد ص144].
٦. يثبت لصاحب الولاية مكانة المظهريَّة: يعزز مفهوم الولاية التكوينيَّة من نظرة التقدير والاتّباع للأشخاص الذين يمتلكون هذه الصلاحيات، بالإضافة لما لديهم من ميزاتٍ أخرى توجب توقيرهم وتقديرهم كالكرم والشجاعة والعلم وسماتهم المكتسبة من تربية الله تعالى لهم، وهو ممّا يعطيهم مكانة خاصة داخل المجتمع؛ لأن الولاية الثابتة لهم ولاية مظهريَّة واذنيَّة، لا ولاية في عرض ولاية الله تعالى التكوينيَّة وقدرته، ولا في طولها.
قال أمير المؤمنين ( ع): «الحمد لله المتجلي لخلقه بخلقه» [نهج البلاغة ص155].
وقال السيد عاشور: (ويضرب لذلك مثالا المرآة ، فإنها عندما تعكس صورة الشخص فليس الصورة المعكوسة في عرض الشخص ولا في طوله ، انما هي بالدقة تدل على الشخص ، وآية عليه وعلامة ، فليس لها شيءٌ ذاتيٌّ مستقل ولا عرضيٌّ من نفسها ، انما كل الصورة هو من الشخص ، فهي مظهرٌ وتجلٍّ لصاحبها. فكذلك الوليُّ الحقيقيُّ لله تعالى ، فعند تصرّفه بالأمر التكوينيّ فهو يعكس قدرة الحق تعالى ويظهر عظمته وقدرته ، ويجلي أمره التكوينيّ). [الولاية التكوينيَّة لآل محمد ص45].
٧. إعجاز في إثبات الحق: المعاجز التي تظهر على أيديهم (مثل إحياء الموتى، شفاء المرضى، أو التحكّم في الظواهر الطبيعيّة) هي تجلّيات للولاية التكوينيَّة، وتأتي لإثبات نبوّتهم أو إمامتهم ( ع). قال السيّد عليّ عاشور: (قد تجتمع المعجزة مع التصرّف كما حصل لعيسى ( ع ) : حيث كانت معجزته على نبوّته إحياء الموتى وشفاء المرضى ، وكان تصرّفه التكوينيّ بإنزال المائدة على الحواريين). [الولاية التكوينيَّة لآل محمد ص41].
باختصار، ثمرة الولاية التكوينيَّة للمعصوم تتمثّل في تسخير قدرات استثنائيَّة في إطار تحقيق الأهداف الإلهيَّة من الهداية والعدل وإحقاق الحقّ، فإنّ هذه القدرات تُمارس بإذن الله تعالى وفي حدود حكمته وإرادته جلّ وعلا.
هذا وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربّ العالمين.
اترك تعليق