الولاية التكوينية والولاية التشريعية لأهل البيت (ع)

يقول الشيعة: إن من مقاماتهم السامية (أي: أهل البيت عليهم السلام) هو تسخير الكون، وتسليم مقاليده بيدهم، فهم من بعد خلقه بيد الله عز وجل يفعلون ما يشاؤون، ولا يشاؤون إلا أن يشاء الله. [وأجرى طاعتهم عليها، وفوض أمورها إليهم، فهم يحلون ما يشاؤون، ويحرمون ما يشاؤون، ولن يشاؤوا إلا أن يشاء الله تبارك وتعالى].. هل مضمون الرواية صحيح ومتفق عليه عقائدياً؟ ويصح أن نقول: هذه هي عقيدة الشيعة؟

: فريق اللجنة العلمية

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

{الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}

أولاً: قبل الإجابة على هذا السؤال، ينبغي أن يُعرف جيداً:

أن عقيدة الشيعة الإمامية في النبي (ص) والأئمة (ع)، أنهم عباد الله، اختصَّهم بخلافته، واصطفاهم لدِينه، وجعلهم حُججاً على خَلقه. وهم بَشر مربوبون لله، يطيعونه ولا يعصونه، وينقادون لإرادته ومشيئته، وليس لهم من أمرهم شيء، لا حياة ولا رزقاً ولا موتاً. وأن الله ميَّزهم ببراهينه، وائتمنهم على وحيه وشرعه، ووهبهم العقل والعلم والحُجة. لا يجوز الغلو فيهم، ولا يجوز النصب لهم، ويجب إنزالهم منازلهم التي رتبها الله لهم.

هذه عقيدة الشيعة الإمامية في النبي (ص) والأئمة (ع)، اتفقوا عليها قديماً وحديثاً، ولا يحق لأحدٍ نسبة غير ذلك لهم، ومن نسب إليهم ما لم يقولوه فهو: إما مخطئ، أو مبالغ، أو كاذب، كائناً من كان.

ثانياً: هذا السؤال ينقسم إلى قسمين ..

١- السؤال عن الولاية التكوينية لأهل البيت (ع).

٢- السؤال عن الولاية التشريعية لأهل البيت (ع).

ثالثاً: الرواية الشريفة المستشهد بها في السؤال، أخرجها الشيخ الكليني في الكافي: ج١ ص١٤١ ح٥.

وهي ضعيفة الإسناد على رأي المشهور، كما قال العلاَّمة المجلسي في مرآة العقول: ج٥ ص١٩٠ ح٥.

ويمكن مراجعة شرحها في الكتاب المذكور، وأيضاً في شرح أصول الكافي للملاَّ المازندراني: ج٧ ص١٤٧-١٤٨.

رابعاً: ثبوت أصل الولايتين "التكوينية والتشريعية" لأهل البيت (ع) مما لا خلاف فيه بين علمائنا، ولكنهم اختلفوا في سعة وضيق حدودهما، وأيضاً في بعض تفاصيلهما.

وقد عَنْوَنَ بعض قدماء محدِّثينا لبعض روايات التفويض إلى النبي (ص) وإلى الأئمة (ع) .. مثل:

• الشيخ الصفار في بصائر الدرجات: ج٢ ب٤ ص٦٨٥، وأخرج فيه ١٨ حديثاً، وج٢ ب٥ ص٦٩٣، وأخرج فيه ١٣ حديثاً، وفيها المعتبر.

• الشيخ الكليني في الكافي: ج١ ص٢٦٥، وأخرج فيه ١٠ أحاديث، وفيها المعتبر.

كما أن بعض علمائنا صنَّفوا في مناقشة أدلة الولايتين من القرآن والسنة، وبيان معناهما وتطبيقاتهما .. مثل:

• السيد علي الميلاني في (إثبات الولاية العامة للنبي والأئمة عليهم السلام).

• السيد جعفر مرتضى العاملي في (الولاية التشريعية).

• السيد ضياء الخباز في (الولاية التكوينية بين القرآن والبرهان).

خامساً: للتفويض عدة معانٍ، بعضها: لا تردُّد للشيعة في بطلانه، وبعضها: لا تردُّد لهم في صحته، وبعضها: حصل بينهم خلاف فيه .. ونحن هنا نشير إليها مجملاً.

١- التفويض في الخَلق والرزق والإماتة والإحياء، بمعنى: أن الله (تعالى) فوَّض إلى أهل البيت (ع) أمر خَلقه، فهم (ع) يخلقون ويرزقون ويحيون ويميتون.

وهذا يحتمل وجهين:

[الأول]: أنهم (ع) يفعلون جميع ذلك بقدرتهم وإرادتهم، وهم (ع) الفاعلون لذلك حقيقة.

وهذا الوجه كُفر وشِرك، اتفق العقل والنقل على فساده.

[الثاني]: أن الله (تعالى) يفعل هذه الأمور بالاقتران مع إرادتهم (ع)، كشقِّ القمر، وإحياء الموتى .. وغير ذلك.

وهذا الوجه لا يمنعه العقل، ولكن النقل يحدِّده بالمُعجز، فهي المقدار المتيقن، وما زاد على ذلك فيحتاج لدليل.

٢- التفويض في أمر الدِّين .. وهذا يحتمل وجهين:

[الأول]: أن الله (تعالى) فوَّض إليهم (ع) عامة أن يحلِّوا ما شاءوا، ويحرِّموا ما شاءوا، من غير وحيه أو إلهامه الخاص.

وهذا الوجه باطل، لا يقول به عاقل.

[الثاني]: أن الله (تعالى) أكملهم (ع)، بحيث لا يقولون إلا ما يوافق إرادته ومشيئته، ففوَّض إليهم بعض الأمور، مثل: زيادة بعض ركعات الفرائض، وتعيين بعض النوافل بصلاة أو صيام .. ونحو ذلك مما هو مذكور في محله.

وهذا الوجه لا يمنعه العقل، ودلَّ عليه النقل المستفيض، لأن أصل الزيادة هو بالوحي، وكذلك التعيين هو بالإلهام، وذلك إظهار لشرفهم وكرامتهم (ع).

٣- التفويض في أمور الخَلق إليهم (ع)، بمعنى: أن الله (تعالى) فوَّض إليهم (ع) سياستهم، وتأديبهم، وتعليمهم، وتزكيتهم .. وما إلى ذلك.

وهذا المعنى حق، دلَّ عليه العقل والنقل.

٤- التفويض في بيان المعارف والأحكام إليهم (ع)، بمعنى: أن لهم (ع) الكلام والسكوت حسب المصلحة، كما أن لهم (ع) بيان الأمر الواقعي أو الالتزام بالتقية.

وهذا المعنى ثابت، تشهد له الروايات المستفيضة.

٥- التفويض بمعنى تخييرهم (ع)، أن يحكموا في الوقائع: بظواهر الشريعة، أو بعلمهم الواقعي.

وهذا المعنى دلَّت عليه بعض الروايات.

٦- التفويض في الإعطاء والمنع، بمعنى: أن الله (تعالى) خلق لهم الأرض وما فيها، وجعل لهم الأنفال والخُمس، فلهم (ع) أن يعطوا من شاءوا، ويمنعوا من شاءوا.

وهذا المعنى دلَّت عليه كثير من الروايات.

وبهذا البيان المختصر لمعاني التفويض، يتضح للقارئ الكريم: ما يجوز منها وما لا يجوز في حق أهل البيت (ع)، وأن من يتَّهم الشيعة الإمامية بالقول بالتفويض المُطلَق، هو مشتبه أو مفترٍ، فليتقِ الله وليتثبَّت.

ومن أراد تفاصيل هذي المسألة فليراجع:

• شرح أصول الكافي للملاَّ المازندراني: ج٦ ص٥٣-٥٤.

• مرآة العقول للعلاَّمة المجلسي: ج٣ ص١٤٢-١٤٦.

• تعليقة على المنهج للوحيد البهبهاني: ص٢٢-٢٣.