دلالة "لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض"

السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: ما معنى قول رسول الله صلّى الله عليه وآله في حديث الثقلين (لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض).

: السيد علي المشعشعي

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا المقطع من الحديث ورد في بعض ألفاظ الحديث من طرق أصحابنا الإماميّة بعبارة: «لا يفترقان» رواه الشيخ محمّد بن الحسن الطوسيّ في: (أماليه: 460، 479).

وورد أيضا بعبارة: «لن يفترقا» رواه منتجب الدين ابن بابويه في كتابه (الأربعون حديثاً: 73، والإربلي في كتابه (كشف الغمّة في معرفة الأئمّة 1/146).

وكذلك ورد من طرق العامّة بلفظ: (لن يفترقا) كما في مسند أحمد بن حنبل 3/14، 17، 26، 59. والمعجم الصغير للطبرانيّ 1/226، 232. والمعجم الكبير 3/66. ومسند أبي يعلى الموصليّ 2/297، 303، 376. والطبقات الكبرى 2/294، وغيرها.

ولكنّه في موضع آخر ورد بلفظ: (لن يتفرّقا)، كما في سنن الترمذيّ 5/663، والسنن الكبرى للنسائيّ 7/310، 437، ومسند أحمد بن حنبل 5/181، 189، والمستدرك 1/172، 3/118، 160، والمعجم الأوسط للطبرانيّ 3/374، 4/33، والمعجم الكبير 5/154، 166، 169، 170، والمصنّف لابن أبي شيبة 6/309، وخصائص أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب للنسائيّ: 96، وغيرها..

وقد سئُلَ ثعلباً عن الفرق بين (يتفرّقان) و (يفترقان)؟

فقال: أخبرنا ابن الأعرابي عن المفضّل قال: يقال: (افترقا) بالكلام و(تفرَّقا) بالأجسام (بدائع الفوائد لابن القيم ج2ص 982).

فعلى المعنى الأول (لن يفترقا) أنّ الافتراق المنفي بين الإمام وبين القرآن هو الافتراق في الكلام، بمعنى أنّ الامام (ع) -في جميع أقواله وأفعاله- لا يفترق عن القرآن، إذنْ: فلا يصدر عنه إلّا ما يوافق كتاب الله تعالى.

ولأنّ القرآن كلام الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالإمام سيكون كذلك، فيلزم منه عصمته.

قال الأمير الصنعانيّ في (التنوير شرح الجامع الصغير 7/335): وهذا الحديث من أدلّة العصمة؛ لأنّ من لازم القرآن ولازمه القرآن لا يأتي معصية؛ إذْ لو أتاها لفارقه القرآن، والحديث يشهد بأنّه لا فراق بينهما، فالحديث من أجل أدلّة فضائله وأدلّة علمه بتأويله؛ فإنّه لا يلازم إلّا من عَرف معانيه، وقد ثبت أنّ ابن عبّاس أكثر الصحابة علماً بالتأويل وقد قال: ما أخذتُ في تفسيره - أي القرآن - فعن عليّ، وقد أخرج الدارقطنيّ أنّ عمر سأل عليّاً عن مسألة فأجاب، فقال: أعوذ بالله أن أعيش في قوم ليس فيهم أبو الحسن. ونظائر هذا كثيرة جداً.

وأمّا على المعنى الثاني (لن يتفرّقا)، فإنّ الافتراق المنفي بين الإمام وبين القرآن هو الافتراق في الأجسام من حيث وجودها الخارجيّ، وهذا معناه أنّه لا بدّ من وجود إمام من العترة لا يفترق عن القرآن ولا يفترق القرآن عنه في كلّ زمان وهم الاثنا عشر إماما، كما في الحديث المرويّ عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في صحيح مسلم: «إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة، كلّهم من قريش» (صحيح مسلم 3/1452، برقم: 1821).

وقال المناويّ في كتابه: (فيض القدير في شرح الجامع الصغير 3/14) هذا الخبر يُفهم وجودَ من يكون أهلاً للتمسّك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كلّ زمن إلى قيام الساعة حتّى يتوجّه الحثّ المذكور إلى التمسّك به، كما أنّ الكتابَ كذلك، فلذلك كانوا أماناً لأهل الأرض، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض.

وقال ابن حجر الهيتميّ في كتابه: (الصواعق المحرقة 2/442): وفي أحاديث الحثّ على التمسّك بأهل البيت إشارةً إلى عدم انقطاع متأهّلٍ منهم للتمسّك به إلى يوم القيامة، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض كما يأتي، ويشهد لذلك الخبر السابق: «في كلّ خلف من أمّتي عدول من أهل بيتي».

والحمد لله أولا وآخرا.