ما هو موقف معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان من أهل البيت عليهم السلام والشيعة؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
معاويةُ بنُ يزيد بنِ أبي سفيان، المُكنّى بأبي ليلى، والمُلقّبُ بـ«الرّاجعِ إلى الله»، تقلّدَ الخلافةَ بعدَ أبيهِ يزيد، ولكِن سُرعانَ ما تنازلَ عَنها بشكلٍ رسميّ في خطبتِه التي ألقاها بعدَ أيّامٍ قلائلَ مِن إستخلافِه، وذكرَ فيها مساوئ أبيهِ وجدّه وتبرّأ منهما وأقرّ بأحقيّةِ أميرِ المؤمنينَ عليهِ السّلام، وفي روايةٍ: أنّه صرّحَ بأنّ الإمامَ السّجّادَ عليهِ السّلام أحقّ بالخلافةِ منه. ثمّ دخلَ منزله وتغيّبَ حتّى ماتَ، وقيلَ ماتَ مسموماً. وإختُلفَ في مدّةِ خلافتِه، فقيلَ: ثلاثةُ أشهرٍ، وقيلَ: أربعونَ يوماً، وقيلَ غيرُ ذلكَ. ثمّ آلتِ الخلافةُ إلى مروانَ بنِ الحكمِ وأولادِه، وتهدّم بذلكَ مُلكُ آلِ أبي سفيان على يدِ معاويةَ بنِ يزيد هذا.
وقد كانَ لهُ معلّمٌ شيعيٌّ يُعرَفُ بـ«عُمر المقصوص»، فوثبَ بنو أميّةَ عليه وقالوا لهُ: أنتَ علّمتَه هذا، فدفنوهُ حيّاً، وفي روايةٍ: أنّه قالَ لهُم: لا واللهِ، وإنّه لمطبوعٌ عليهِ، واللهِ ما حلفَ قطّ إلّا بمحمّدٍ وآلِ محمّد، وما رأيتُه أفردَ منذُ عرفته.
هذا موجزُ ما ذُكرَ في كُتبِ التّاريخِ والسّيرِ مِمّا يفيدُ حسنَ حالِه، وسنذكرُ جملةً منَ الرّواياتِ التّاريخيّةِ ثمّ نعقّبها بأقوالِ علمائِنا بشكلٍ موجز:
النّقطةُ الأولى: الرّواياتُ التّاريخيّة:
ذكرَ الباعونيّ الشّافعيّ: لمّا إستُخلف معاويةُ بنُ يزيد رضيَ اللهُ عنه، صعدَ المنبرَ، فجلسَ عليهِ طويلاً، ثمّ حمدَ اللهَ وأثنى عليه، وصلّى على نبيِّه صلّى اللهُ عليهِ [وآله] وسلّم، ثمّ قالَ: أيّها النّاسُ، واللهِ ما أنا بالرّاغبِ في التّأميرِ عليكم، ولا بالآمنِ لعظيمِ ما أكرهُه منكُم إنّما بُلينا بكم وبُليتم بنا، ألا وإنّ جدّي نازعَ الأمرَ مَن كانَ أولى بهِ منه، لقرابتِه برسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه [وآله] وسلّم وقديمِه وسابقتِه، أعظمُ المهاجرينَ قدراً وأوّلهم إيماناً، إبنُ عمّ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ [وآله] وسلم، وزوجُ إبنتِه، جعلَه لها بعلاً بإختياره لهُ لها، وجعلها لهُ زوجةً بإختيارها له، فهُما بقيّةُ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ [وآله] وسلم وسلالةُ خاتمِ النّبيّينَ. فركبَ جدّي منهُ ما تعلمونَ، وركبتُم معهُ منه ما لا تجهلونَ، ثمّ إنتظمَت لجدّي منيّته وصارَ مُرتهناً بعملِه، فريداً في قبره. ثمّ تقلّدَ أبي أمرَكم بهوى أبيهِ الذي كانَ فيه، فلقد كانَ بسوءِ فعلِه وإسرافِه على نفسِه غيرَ خليقٍ بالخلافةِ على أمّةِ محمّدٍ، ولا جدير بها، فركبَ هواهُ وإستحسنَ خطأه وأقدمَ على ما أقدمَ عليه، جرأةً على اللهِ وبغياً على ما إستحلّ حُرمتَه، فقلّت مُدّتُه وإنقطعَ أثرُه وضاجعَ عملَه، وحصلَ على ما قدّم، وأنسانا الحُزنَ عليهِ الحزنُ له بما قدّمه، فليتَ شعري ما قالَ وما قيلَ له. وخنقَتهُ العَبرةُ وبكى بكاءاً شديداً وعلا نحيبُه وسبّح طويلاً، ثمّ قالَ: وصرتُ أنا ثالثَ القومِ، والسّاخط فيما أرى أكثر منَ الرّاضي، وما كانَ اللهُ يراني أحملُ إمامتكم وألقاهُ بتبعاتِكم فشأنُكم بأمركم، خذوهُ وولّوهُ مَن شِئتُم ممَّن يقومُ بسياستِكم فولّوهُ أمورَكم.
فقالَ لهُ مروان : سنّها يا أبا ليلى عمريّة، قالَ: أتخدعني يا مروانُ عَن ديني ونفسي؟! يا مروانُ، إئتني برجالٍ مثلِ رجالِ عُمر حتّى أفعلَ، فواللهِ لئِن كانَ هذا الأمرُ مغنماً لقد أصابَ آلُ أبي سفيانَ منها حظّاً كافياً، ولئِن كانَ شرّاً فحسبُهم ما أصابوه.
ثمّ نزلَ عنِ المنبرِ فدخلَ الخضراءَ، فقالت لهُ أمُّه: ليتكَ كنتَ حيضةً، فقال: واللهِ لوددتُ أن كنتُ ذلكَ ولم أعلم أنّ للهِ ناراً يُعذّبُ بها مَن عصاهُ، إن لم يرحَم اللهُ أبي وجدّي فويلٌ لهُما.
ثمّ إنّه ماتَ بعدَ أربعينَ يوماً، فوثبَ بنو أميّةَ على مؤدّبِه المعروفِ بعُمرَ المقصوص، وقالوا له: أنتِ علّمتُه هذا، فقالَ : لا واللهِ، وإنّه لمطبوعٌ عليهِ، واللهِ ما حلفَ قطُّ إلّا بمحمّدٍ وآلِ محمّد، وما رأيتُه أفردَ آلَ محمّدٍ منذ عرفتُه. (جواهرُ المطالبِ ج2 ص261ـ262).
وذكرَ إبنُ حجرٍ الهيثميّ وغيرُه: أنّه لمّا وليَ العهدَ صعدَ المنبرَ، فقالَ: إنّ هذهِ الخلافةَ حبلُ اللهِ، وإنّ جدّي معاوية نازعَ الأمرَ أهلَه ومَن هوَ أحقُ بهِ منه عليٌّ بنُ أبي طالب، وركبَ بكُم ما تعلمونَ حتّى أتَتهُ منيّته، فصارَ في قبرِه رهيناً بذنوبِه، ثمّ قلّدَ أبي الأمرَ وكانَ غيرَ أهلٍ لهُ ونازعَ إبنَ بنتِ رسولِ الله، فقُصفَ عُمرُه وإنبترَ عقبُه وصارَ في قبرِه رهيناً بذنوبِه، ثمّ بكى، وقالَ: إنّ مِن أعظمِ الأمورِ علينا علمُنا بسوءِ مصرعِه وبئيسِ مُنقلبِه، وقَد قتلَ عترةَ رسولِ اللهِ، وأباحَ الحرمَ، وخرّبَ الكعبةَ، ولم أذُق حلاوةَ الخلافةِ فلا أتقلّدُ مرارتَها، فشأنُكم أمركم، واللهِ لئِن كانَت الدّنيا خيراً فقد نِلنا مِنها حظّاً، ولئِن كانَت شرّاً فكفى ذُريّةَ أبي سفيانَ ما أصابوا منها، ثمّ تغيّبَ في منزلِه حتّى ماتَ بعدَ أربعينَ يوماً. (الصّواعقُ المُحرقةُ ص224، الأرجُ المسكي ص288، النّجومُ الزّواهر ج1 ص166، موردُ اللّطافةِ ج1 ص70).
وذكرَ السّيّدُ غياثُ الدّينِ الحُسينيّ: أنّهُ تخلّفَ أيّاماً قلائلَ، ثمّ صعدَ المنبرَ وخلعَ نفسَه، وقالَ: أيّها النّاسُ، قد نظرتُ في أمورِكم وأمري، فإذا أنا لا أصلحُ لكُم والخلافةُ لا تصلحُ لي، إذ كانَ غيري أحقّ بها، ويجبُ عليّ أن أخبرَكم به، هذا عليٌّ بنُ الحسينِ زينُ العابدينَ ليسَ يقدرُ طاعنٌ على أن يطعنَ فيه، وإن أردتموهُ فأقيموه، على أنّي أعلمُ أنّه لا يقبلها. (حبيبُ السّير ج2 ص131).
وقالَ عمادُ الدّينِ الطّبريّ: ولمّا هلكَ يزيدُ لعنَه اللهُ وذهبَ إلى جهنّمَ ساءَت مُستقرّاً ومقاماً، إنتقلَ الأمرُ إلى ولدِه معاويةَ، وكانَ وليّ عهدِ يزيد، ولكنَّه أعلنَ البراءةَ منهُ، فرقى المنبرَ ولعنَ يزيدَ أباه ومعاويةَ جدّه، فقالَت لهُ أمّه: يا بنيّ، ليتَك كنتَ حيضةً في خرقةٍ، فقالَ: وددتُ ذلكَ، وحكمَ أربعينَ يوماً ثمَّ قضوا عليهِ بالسّمِّ، وقتلوا معلّمَه بدفنِه حيّاً. (كاملُ البهائيّ ج2 ص324).
وذكرَ المحدّثُ البحرانيّ: معاويةُ بنُ يزيد كانَت مدّةُ خلافتِه أربعةَ أشهرٍ ثمّ خلعَ نفسَه، وقيلَ إنّه كانَ شيعيّاً أمرَ النّاسَ بالرّجوعِ إلى عليٍّ بنِ الحُسين عليهِ السّلام، وقالَ: إنّ هذا حقٌّ له، وممّا يُنسبُ إليه:
يا ليتَ لي بيزيد حينَ أنتسبُ * أباً سواهُ وإن أزرى بي النّسبُ
برئتُ مِن فعلِه واللهُ يشهدُ لي * أنّي برئتُ وذا في اللهِ قد يجبُ. (الكشكولُ ج١ ص٢١٧).
النّقطةُ الثّانيةُ: آراءُ علمائِنا الأبرارِ بشأنِه:
إختلفَت آراءُ علمائِنا الأبرارِ رضوانُ اللهِ عليهم بشأنِ معاويةَ هذا على ثلاثِ آراء، وسنذكرُها معَ إشارةٍ موجزةٍ لدليلِ كلِّ رأي:
الأوّلُ: أنّه حسنُ الحالِ ومِن أهلِ النّجاةِ، وأنّهُ مصداقُ قولِه: {يُخرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ}، وهوَ في بني أميّةَ كمؤمنِ آلِ فرعونَ، ويُستدلُّ لهُ بأنّ معاويةَ هذا إعتزلَ الخلافةَ لأنّه يرى الإمامَ السّجّادَ أولى بها منهُ، فهوَ مُعتقدٌ بالإمامةِ الحقّةِ، كما يعتقدُ بأحقّيّةِ أميرِ المؤمنينَ وأولادِه عليهم السّلام مِن أبيه يزيد وجدّه معاوية. (ينظرُ: مجالسُ المؤمنينَ ج2 ص252).
الثاني: أنّهُ ليسَ مِن أهلِ النّجاةِ؛ لأنّهُ كانَ يجبُ عليهِ تسليمُ الخلافةِ لأهلِها، ولا يكفي عزلُ نفسِه؛ لأنّه غاصبٌ لها، ولأنّه يظهرُ مِن بعضِ الأخبارِ أنّهُ على مذهبِ أسلافِه في حبِّ مَن أحبّوا وبغضِ مَن أبغضوا، خصوصاً الإفراط في حبِّ الشّيخين. (ينظر: رياضُ الأبرار ج2 ص54).
الثالثُ: التوقّفُ في حالِه؛ لأنّه يُستفادُ مِن بعضِ القرائنِ حُسنُ حالِه، ومِن بعضِها لا يُستفادُ ذلكَ، فيُتوقّفُ في حالِه. (ينظرُ: أجوبةُ المسائلِ للرّوحانيّ ج٢ ص١٢٧)
اترك تعليق