حَوْلَ حَدِيْثِ: (لَا نُوَرِّثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ).

كَرَّار مُحَمَّد/: فِي قَضِيَّةِ وِرَاثَةِ الأَنْبِيَاءِ وَحَدِيْثِ أَبِي بَكْرٍ لَا نُوَرِّثُ مَا تَرَكْنَاهُ، تَقُوْلُ السَّلَفِيَّةُ كَذَبَ الشِّيْعَةُ إِنَّهُ حَدِيْثٌ وَاحِدٌ عَنْ أَبِي بَكْرٍ بَلْ وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِم، فَمَا جَوَابُكُمْ.

: اللجنة العلمية

الأَخُ كَرَّارٌ المُحْتَرَمُ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، 

مِنَ الوَاضِحِ جِدَّا لِكُلِّ مُنْصِفٍ أَنَّ هَذَا الحَدِيْثَ هُوَ مَحَلُّ إِشْكَالٍ وَعَدَمُ مَقْبُوْلِيَّةٍ لِسَبَبٍ وَاحِدٍ فَقَطْ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إِلَى ذَوِي الشَّأْنِ، وَهُمْ وَرَثَةُ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ)، إبْنَتُهُ الزَّهْرَاءُ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) وَزَوْجَاتُهُ ، فَالزَّهْرَاءُ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) كَانَتْ أَوَّلَ المُعْتَرِضَاتِ عَلَى هَذَا الحَدِيْثِ، وَهَذَا يَعْنِي أَنَّهَا لَمْ تَسْمَعْهُ مِنْ أَبِيْهَا المُصْطَفَى (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ)، وَكَذَلِكَ زَوْجَاتُهُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ) لَمْ يَسْمَعْنَ بِهَذَا الحَدِيْثِ، فَقَدْ نَقَلَ البُخَارِيُّ عَنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ) بَعَثْنَ عُثْمَانَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْأَلْنَهُ مِيْرَاثَهُنَّ. (رَاجِعْ صَحِيْحَ البُخَارِيِّ ج5 ص 115 كِتَابَ المَغَازِي بَابَ حَدِيْثِ بَنِي النَّضْير).

اللَهُمَّ إِلَّا أَنْ تَقُوْلُوا إنَّ ابْنَتَهُ الزَّهْرَاءَ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) سَمِعَتْ بِالحَدِيْثِ وَلَكِنَّهَا طَمِعَتْ بِالإِرْثِ فَخَالَفَتْ أَبَاهَا فِي هَذَا المَوْضُوْعِ، وَهَذَا القَدْرُ مِنَ الظَّنِّ تُكَذِّبُهُ آَيَةُ التَّطْهِيْرِ وَيُكَذِّبُهُ الحَدِيْثُ الصَّحِيْحُ  الصَّادِرُ عَنْ عَائِشَةَ: (مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً قَطُّ أَصْدَقَ مِن فَاطِمَةَ غَيْرَ أَبِيْهَا) [مُسْنَدُ أَبِي يَعْلَى 8: 153، مَجْمَعُ الزَّوَائِدِ [9:201]، وَكَذَلِكَ الطَّعْنُ بِزَوْجَاتِهِ حِيْنَ طَالَبْنَ بِالإِرْثِ (بِنَصِّ حَدِيْثِ البُخَارِيِّ المُتَقَدِّمِ) لَا يَسْتَقِيْمُ وَعَدَالَةَ الصَّحَابَةِ الَّتِي هِيَ عَقِيْدَةٌ ثَابِتَةٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ كَمَا لَا يَسْتَقِيْمُ وَالمَكَانَةَ المُقَدَّسَةُ الَّتِي يُضْفُوْنَهَا عَلَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ. 

وَلَا يُعْقَلُ مِنَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ) وَهُوَ سَيِّدُ الحُكَمَاءِ أَنْ يُبَلِّغَ أَحْكَامَاً إِلَى غَيْرِ ذَوِي الشَّأْنِ وَيَتْرُكَ ذَوِي الشَّأْنِ يَعِيْشُوْنَ الجَهْلَ بِالمَوْضُوْعِ ثُمَّ يَقَعُوْنَ بِمَحَاذِيْرِ مُخَالَفَةِ الشَّرِيْعَةِ، فِيْمَا لَوْ كَانَ هَذَا الحَدِيْثُ صَادِرَاً فِعْلَاً؟!!

وَهَاهُنَا إِشْكَالٌ مُحْكَمٌ أَمَامَ هَذَا الحَدِيْثِ يَجْعَلُنَا لَا نَقْبَلُ بِهِ مُطْلَقَاً، فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيْحِهِ: (مَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا وَلِيَتَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ). [صَحِيْحُ مُسْلِمٍ 1: 57]، فَبِحَسَبِ هَذَا الحَدِيْثِ الصَّحِيْحِ فِي مُسْلِمٍ يَجِبُ أَنْ تَكُوْنَ فَاطِمَةُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ؛ لِأَنَّهَا اِدَّعَتْ مَا لَيْسَ لَهَا مِنَ الإِرْثِ، فَكَيْفَ صَارَتْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ (بِنَصِّ حَدِيْثِ البُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ)؟!!

إِنْ قُلْتُمْ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَجْهَلُ بِادِّعَائِهَا مَا لَيْسَ لَهَا مِنْ حَقِّ الإِرْثِ .. فَهَذَا كُفْرٌ صَرِيْحٌ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَعْلَمُ بِذَلِكَ قَطْعَاً.. وَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ لَمْ تَسْمَعْ بِهَذَا الحَدِيْثِ الَّذِي رَوَاهُ لَهَا أَبُوْ بَكْرٍ وَمِنْ هُنَا ادَّعَتْ مَا لَيْسَ لَهَا حَقٌّ فِيْهِ!

نَقُوْلُ: حَتَّى لَوْ فَرَضْنَا أَنَّهَا لَمْ تَسْمَعْهُ، وَلَكِنَّهَا مَعْ سَمَاعِهَا لَهُ مِنْهُ غَضِبَتْ عَلَيْهِ وَهَجَرَتْهُ حَتَّى مَاتَتْ (كَمَا يَنْقُلُ ذَلِكَ البُخَارِيُّ فِي صَحِيْحِهِ)، فَهَلْ تَرَى أَنَّ اللهَ أَثَابَهَا عَلَى مُخَالَفَتِهَا هَذِهِ لِلْحَدِيْثِ الصَّحِيْحِ وَأَعْطَاهَا مَنْصِبَ سَيِّدَةِ أَهْلِ الجَنَّةِ اعْتِبَاطَاً مَعْ أَنَّهَا حَسْبَ حَدِيْثِ مُسْلِمٍ حُقَّ أَنْ تَكُوْنَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ والعِياذُ باللهِ ؟!!   

إِنَّ هُنَاكَ اسْتِفْهَامَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ تَحُوْمُ حَوْلَ هَذَا الحَدِيْثِ تَجْعَلُنَا لَا نَجْزِمُ بِصُدُوْرِهِ عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ) حَتَّى لَو ادَّعَى البَعْضُ وُجُوْدَ أَسَانِيْدَ أُخْرَى لَهُ، فَالشُّبُهَاتُ آَخِذَةٌ فِيْهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ.

ثُمَّ حَتَّى لَوْ سَلَّمْنَا بِصُدُوْرِ هَذَا الحَدِيْثِ عَنِ (النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ)، وَغَضَضْنَا النَّظَرَ عَمَّا تَقَدَّمَ، نَقُوْلُ: لَيْسَ المُرَادُ مِنَ الحَدِيْثِ هُوَ مَا فَهِمَهُ أَبُو بَكْرٍ بِأَنَّ مَا تَرَكَهُ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ) يَكُوْنُ صَدَقَةً وَلَيْسَ إِرْثَاً، بَلْ يَكُوْنُ المُرَادُ مِنْهُ -كَمَا يَنْقُلُ السَّرْخَسِيُّ فِي المَبْسُوْطِ  ج1 ص 29 عَنْ بَعْضِ مَشَائِخِهِ- أَنَّ مَعْنَى الحَدِيْثِ هُوَ أَنَّ مَا تَرَكْنَا  صَدَقَةً لَا يُوَرَّثُ عَنَّا، وَلَيْسَ المُرَادُ أَنَّ أَمْوَالَ الأَنْبِيَاءِ (عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) لَا تُوَرَّثُ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُوْدَ)، وَقَالَ تَعَالَى: (فَهَبْ لِيْ مِنْ لَدُنْكَ وَلِيَّاً يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوْبَ)، فَحَاشَا أَنْ يَتَكَلَّمَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ المُنَزَّلِ. إنْتَهَى.

وَمِثْلُ هَذَا الإِشْتِبَاهِ فِي الفَهْمِ لَيْسَ بِجَدِيْدٍ عِنْدَ الصَحَابَةِ، وَخِلَافُ عُمَرَ وَعَائِشَةَ فِي البُكَاءِ عَلَى المَيِّتِ مَعْلُوْمٌ مَشْهُوْرٌ، فَعُمَرُ يَدَّعِي أَنَّهُ سَمِعَ النَّهْيَ فِي البُكَاءِ عَلَى المَيِّتِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ، وَعَائِشَةُ تَتَّهِمُهُ أَنَّهُ اشْتَبَهَ فِي فَهْمِهِ، فَلَيْسَ مَعْنَى حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ) كَمَا تَقُوْلُ!!

 

وَدُمْتُمْ سَالِمِيْنَ.