كيف فسد الدين بقتل أمير المؤمنين (ع)؟
السؤال: قال رسول الله (ص): إنّ الله فتح هذا الدين بعليّ (ع)، وإذا قُتل فسد الدين، ولا يصلحه إلّا المهديّ بعده... ما معنى فساد الدين هنا؟ وهل يعني ذلك اليأس من العمل على نشر التدين؟ اذِ النتيجة ستكون صفراً حسب مقتضى الحديث؟
الإجابة:
أوّلاً: لم نجد لهذا الحديث أثراً في مصادرنا الحديثيّة، والمصدر الوحيد الذي انفرد بروايته هو كتاب ينابيع المودّة للقندوزيّ الحنفيّ، إذْ اخرج بسنده في (ص٤٤٥) عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إنّ الله فتح هذا الدين بعليّ، وإذا قُتِل فسد الدين (و) لا يصلحه إلّا المهديّ». وروى الحديث في مورد آخر من ينابيع المودّة أي في (ص٢٥٩) نقلاً عن كتاب مودّة القربى في (المودّة ١٠)، وفي لفظه زيادة كلمات، قال، عن ابن عبّاس، رفعه إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: «إنّ الله فتح هذا الدين بعليّ، وإذا مات عليّ فسد الدين، ولا يصلحه إلّا المهديّ بعده».
وقد أشار إلى ذلك السيّد المرعشيّ النجفيّ في كتابه (شرح إحقاق الحقّ، ج 29 ص 279)، إذْ قال: "رواه جماعة من أعلام العامّة في كتبهم: فمنهم العلّامة حسام الدين المرديّ الحنفيّ في ( آل محمد) ( ص ١٢٤ نسخة مكتبة السيّد الإشكوريّ ) قال: إنّ الله فتح هذا الدين بعليّ، وإذا مات عليّ فسد الدين ولا يصلحه إلّا المهديّ بعده.
وقال في الهامش: رواه في كتاب ( مودّة القربى، يرفعه بسنده عن ابن عباس مرفوعاً أيضا رواه من جامع الأنساب، بعينه إلّا أنّ فيه، - وإذا قتل - ، مكان وإذا مات عليّ".
وعليه، فإنّ المصدر الوحيد لهذا الحديث هو مودّة القربى للسيّد عليّ الهمدانيّ، والرواية فيه مرفوعة إلى ابن عباس، ومنه نقل القندوزيّ في الينابيع، والحنفيّ في آل محمّد.
ثانياً: أنّ الحديث وإنْ كان ضعيفاً من جهة السند كونه مرسلاً، فلا يمكن تكذيبه من جهة الدلالة والمضمون، ولكنْ ليس بناءً على ما ذهب إليه السائل في سؤاله لمّا ادّعى أنّ معنى الفساد المقصود هو الفساد على مستوى التديّن الشخصيّ، بل بناءً على أنّ المعنى المقصود هو الفساد على مستوى تديّن الأمّة وضمان استقامتها من الانحراف، فالاستقامة على مستوى التكليف الشخصيّ مرتبطة بإرادة وعزيمة كلّ شخص على حدة، في حين أنّ الاستقامة على مستوى الأمّة ترتبط بشكل مباشر بالمرجعيّة الدينيّة والسياسيّة، فالأمّة في شأنها العامّ تصبح مستقيمة أو منحرفة بحسب قياداتها الدينيّة والسياسيّة، فكلّ الانحرافات التي تصيب الأمم تعود بشكل مباشر إلى النزاع الذي يحصل على مستوى القيادة، ولذا قيل: ما سلّ سيف في الإسلام كما سلّ في الإمامة، فعندما تركت الأمّة القيادات الشرعيّة من أهل البيت (عليهم السلام) كانت النتيجة الطبيعيّة هو فساد دينها، وقد أشار الإمام الحسن (غليه السلام) إلى ذلك عندما أمر بقتل الملعون ابن ملجم قال له: يا عدوّ الله، قتلت أمير المؤمنين وأعظمت الفساد في الدين؟
من أجل ذلك، لم يتساهل التشيّع مع سقيفة بني ساعدة كأول انحراف في مسار الرسالة، وجاهر أئمّة الشيعة برفضهم لتلك الخلافة، فأمير المؤمنين (عليه السلام)، امتنع عن بيعة الخليفة الأوّل ثمّ حصل ما حصل من الهجوم على داره، وإجباره على البيعة بعد ستّة أشهر، وعندما جاءته الخلافة بعد مقتل الخليفة الثالث، وعرض عليه عبد الرحمن بن عوف الخلافة بشرط أنْ يسير بسيرة الشيخين أبي بكر وعمر، لم يقبل ولو ظاهريّاً ومجاملة، وأعلن رفضه المدوي بقوله: (كتاب الله وسنّة الرسول نعم، أمّا سيرة الشيخين فلا) (شرح ابن ابي الحديد قصة الشورى ج 1 ص 144).
أمّا بنت رسول الله وسيّدة نساء العالمين مولاتنا الزهراء سلام الله عليها فقد جاهرت برفضها لهذا الانحراف والفساد الذي حصل في الإسلام، فهجرت ابي بكر وقاطعته، ففي صحيح البخاري: ( . . . فوجدَتْ فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلّمه حتّى توفّيت) (صحيح البخاري- كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر ج 5 ص 82 ـ 84)، ثم خرجت إلى جموع المهاجرين والأنصار وخطبت فيهم خطبتها المشهورة، وقد كشفت في خطبتها عن حجم الانحراف الذي حصل في الأمّة والفساد الذي أحدثوه في دين الله تعالى، والخطبة طويلة لا يحتمل المقام نقلها ونكتفي منها بهذا المقطع الذي تقول فيه (سلام الله عليها): ".. فلمّا أختار الله لنبيّه دار أنبيائه، ومأوى أصفيائه، ظهر فيكم حسكة (حسيكة) النفاق، وسمل جلباب الدين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الأقلّين، وهدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم، فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللغرّة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً، وأحمشكم فألفاكم غضاباً، فوسمتم غير إبلكم، ووردتم غير مشربكم.."
وفي المحصلة يمكننا القول: إنّ استقامة دين الله تعالى مرهون بولاية الأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام)، ولا منجى لهذا الأمّة غير الرجوع إليهم والتسليم لأمرهم، ففي الحديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: (لا يزال الدين قائما حتّى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة) (صحيح مسلم ج6 ص 4).
فبالإمامة فتح الله تعالى الدين وبها يختم، والأحاديث في ذلك كثيرة، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يا عليّ، بكم يفتح هذا الأمر، وبكم يختم، عليكم بالصبر، فإنّ العاقبة للمتّقين". وعنه (عليه السلام): "بنا فتح الله الإسلام، وبنا يختمه". وعنه (عليه السلام): "يا أيّها الناس، إنّا أهل بيت بنا ميّز الله الكذب، وبنا يفرج الله الزمان الكلب، وبنا ينزع الله ربق الذل من أعناقكم، وبنا يفتح الله، وبنا يختم الله". وعن الإمام الباقر (عليه السلام): "أيّها الناس، أين تذهبون وأين يراد بكم؟ بنا هدى الله أوّلكم، وبنا يختم آخركم" (أهل البيت في الكتاب والسنة، الريشهري ص 168).
وضمن فلسفة الإمامة نتفهّم التأكيد الشيعيّ على قضيّة الإمام المهديّ (عج)، بوصفه المستقبل النهائيّ لتكامليّة المسيرة الإسلاميّة، وهو ممّا يجعل التشيّع هو الخيار الوحيد، الذي حقّق تفاعلاً مع الرسالة بكلّ حيثيّاتها، إذْ كيف يمكن الحديث عن رسالة خاتمة، من دون الحديث عن مآلاتها النهائيّة، وما يمكن أنْ تحقّقه للإنسان في الدنيا قبل الآخرة، فالإمامة التي تحقّق للإنسان المسلم مشروع الرسالة في الدنيا، هي ذاتها التي تكمل له المسير في الآخرة، قال تعالى: (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ)، وهو ممّا يعني أنّ الإمام هو مشروع الإسلام، الذي يبدأ بالإنسان في الدنيا، لكي ينتهي به في الجنّة.
اترك تعليق